هل مات الشعر بانتعاش سوق الرواية؟ يبدو هذا السؤال إشكالية قديمة سبق طرحها مرات ومرات خلال السنوات الماضية، لكن مشروعية إعادة طرحه مرة أخرى تتأتى من تحول الكتابة الروائية إلى ما يشبه مواكبة الموضة التي صارت توجها عاما وجب الوقوف عنده لمعرفة خلفياته وآثاره على الأنواع الأدبية الأخرى، إضافة إلى محاولة معرفة أسباب ذلك الاحتفاء الذي يجده روائيون جدد لدى القارئ الغربي، وكأنها موضة صناعة النجوم تنتقل من السينما إلى الأدب. تحولت الكتابة الروائية في السنوات الأخيرة إلى حصان طروادة بالنسبة للكثير من الكتاب والمثقفين الجزائريين وغير الجزائريين، حيث كثيرا ما يسارع هؤلاء إلى تجريب السرد من بوابة العمل الروائي بغية تحقيق النجاح والمقروئية والقبول لدى الجمهور. ولم يعد التوجه نحو الكتابة الروائية حكرا على جيل دون آخر، بل صارت الرواية قبلة للجميع، وهذا بالنظر للجوائز التي صارت ترصد لأحسن الأعمال السردية من قبل الناشرين والمؤسسات الثقافية، وحتى الهيئات الحكومية من وزارات الثقافة وغيرها. ولعل المتتبع لمسيرة الإبداع في الوطن العربي خاصة، يلاحظ من دون عناء كبير، ذلك السيل الهادر من الإصدارات الروائية التي تخرج إلى الوجود باستمرار، ولم يعد مع هذا الإنتاج الوافر في مستطاع القارئ العربي مواكبة هذه الحركية الأدبية. وفي ظل هذه الظروف، ما عاد مستغربا أو مفاجئا أن يطفو على السطح أسماء روائية جديدة تحصد الجوائز دون سابق إنذار، وهذا ما حصل مع الروائي الجزائري ناصر سالمي الحائز قبل مدة على جائزة كتارا للرواية، وهنا نتساءل من كان يسمع بهذا الروائي (ناصر سالمي) قبل حصوله على هذا الجائزة؟ بالتأكيد لا أحد كان يعرف هذا الكاتب، اللهم إلا استثنائيا مجموع معارفه وأصدقائه ومقربيه. وهنا يمكن الإشارة أيضا إلى ظاهرة أخرى أفرزها الاحتفاء المفرط بالرواية والروائيين، حيث اختفت، أو بالأحرى كادت تختفي بعض الأنواع الأدبية الأخرى كالشعر مثلا، وحول كثير من الشعراء من كتابة القصيدة إلى كتابة الرواية، لأنها الأقدر على الدفع بمحترفيها إلى بؤر الضوء وهالة الشهرة والحضور الطاغي. وفي هذا الشأن نستطيع أن نذكر بعض الأسماء النسوية الجزائرية على غرار الشاعرة ربيعة جلطي التي تكرس اسمها في البداية لكونها شاعرة، وسرعان ما ركبت أمواج الرواية، حيث أصدرت عددا من الروايات نذكر منها ”الذروة” و ”نادي الصنوبر”، إضافة إلى الشاعرة إنعام بيوض، مديرة المعهد العالي العربي للترجمة التي احترفت الشعر، ثم تحولت إلى كتابة الرواية، حيث أصدرت من جهتهاروايتها الأشهر ”السمك لا يبالي” عن دار الفارابي ببيروت سنة 2003. ولا تعتبر هذه التوجهات في الكتابة ظاهرة جزائرية، بل تكاد تكون مظهرا ينسحب على الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، أدى إلى انزواء الشعر والشعراء، هذا باستثناء تلك المحاولات التي برزت في السنوات الأخيرة لإعادة هذا الفن الأدبي المرتبط بالذائقة العربية إلى سابق عهده ممارسة وحضورا واحتفاء. ومن الملاحظات الأخرى التي وجب تسجيلها في هذا الخصوص، أن استقطاب الرواية للكتاب من شتى الأقطار العربية ومختلف الأجيال لم تغب عن أعين النقاد العرب الذين راحوا يرصدون هذه الظاهرة ويدرسون أبعادها وخلفياتها وأسبابها، حيث كتب الكثير من هؤلاء النقاد دراسات مستفيضة ناقشت هذا الموضوع، كما كشف بعض الشعراء المتحولين إبداعيا إلى الرواية عن أسباب ذلك التحول الذي اعتبروا أنه يرجع بصورة أساسية إلى قدرة الرواية على البوح ومواكبة الزخم الانفعالي العاطفي الذي يشعر به الكاتب، فضلا عن مقدرة الرواية من حيث أدواتها على إتاحة الفرصة أمام الكاتب واسعة ليقول ما يشاء دون تلك القيود التي تفرضها عملية بناء القصيدة، مهما حاولت التحرر من تلك القيود. لعل من الضروري في الأخير الإشارة إلى أن بعض الأصوات النقدية والروائية، وحتى الشعرية العربية، لا ترى بأسا ولا تهديدا تشكله الرواية على الشعر، لكن الوقائع كلها تؤكد أنه مقابل العشرات من العناوين الروائية التي تصدر كل عام لا نكاد نعثر على القليل من المجموعات الشعرية التي تتوجه إلى المطابع، والأدهى من ذلك، أن الناشرين العرب صاروا يفكرون ألف مرة قبل الإقدام على قبول طبع مجموعة شعرية واحدة بدعوى أن القارئ العربي لا يستهلك شعراء.