لدى دخولنا إلي الحي أول من التقينا به هي السيدة "فريدة" التي كانت تلهث من شدة التعب ، حيث كانت تذهب وتجيء في كل مرة لملء قوارير المياه بما يكفي عائلتها للشرب والاغتسال ولما سألناها عن استفادة بيوتهم من الماء أجابت بكل عناء بأن الحي لا يتوفر إلا على حنفيتين إحداهما في أسفل الحي و الأخرى في أعلاه ولما علمت بأننا من الصحافة رحبت بنا كثيرا وبالخصوص لما فهمت بأننا هنا بغرض نقل معاناتها و معاناة جيرانها، التفت علينا النسوة وكل واحدة بدأت بسرد معاناتها التي لا تنتهي.... **بيوت قصديرية،بنايات فوضوية ومجاري للصرف في الهواء الطلق بدأت الحاجة "فريدة" بسرد قصتها ، هي زوجة عمي "حميد" الذي ورث معاناته في هذا الحي عن الأجداد الذين كانوا يقيمون هنا منذ الاستعمار ،ويبدو أنه سوف يورث معاناته إلى أبنائه وأحفاده من بعده، تقول الحاجة "فريدة" بكل غيظ : "كل الناس استفادوا من سكنات اجتماعية إلا نحن وكأننا لسنا جزائريين(كل الناس فرج عليها ربي غير احنا تقول حرقنا الجوامع)، بنتاي أصيبتا بمرض الحساسية من جراء تلوث البيئة وانبعاث الروائح الكريهة،وإحداهن كثيرا ما تصاب بنوبات من العطس والحكة إلى درجة تدهور حالتها النفسية حيث تصاب بالقلق ، في كل مرة تأتي اللجنة من البلدية لمعاينة الأكواخ لكننا لم نستفد من السكنات لحد الآن ، نحن لم تصلنا الحضارة لحد الآن وكأننا لا نزال نعيش تحت وطأة الاستعمار، أنا امرأة مصابة بمرض ضغط الدم الشراييني تصوروا عملية نقلي لقوارير المياه كل يوم من الحنفية إلى البيت ، عند صعودي بالقارورات أحس بأن ضغط دمي يرتفع إلى حد العشرينات قبل وصولي إلى الكوخ ، زوجي ليست لديه مهنة مستقرة وهو لا يستطيع توفير كل حاجياتنا وأحيانا نحتطب لأجل الطهي حتى نوفر ثمن شراء قوارير الغاز، زوجي أصبح منهكا وأتمنى فقط أن نقضي الأيام المتبقية من حياتنا في سكنات نظيفة". أما زوجة عمي "السعيد" فهي تشكو من نفس المعاناة وبنفس المرارة راحت تحكي يومياتها في الكوخ الذي يتكون من غرفة واحدة ،بنفس الكيفية تنهض باكرا كل صباح لجلب الماء من حنفية الحي ، هي التي تعبئ قوارير الغاز هي التي تحتطب أحيانا للطهي لأجل توفير ثمن قارورات الغاز، تقول : "عندما أمد يداي إلى الأعلى ألمس السقف، في الشتاء تتسرب إلينا المياه من ثغرات السقف لحد أننا نضع وعاء كبيرا لتفادي تسرب المياه، رفعنا الشكوى تلو الأخرى إلى رئيس البلدية ورئيس الدائرة لكن دون جدوى....بيتي مهدد بالانهيار في أي لحظة ، السقف القصديري يكاد يقتلع من شدة الرياح في الشتاء، والغرفة الوحيدة التي نسكنها تتحول إلى بركة من المياه لحد أنني عندما انزل من السرير تقع رجلاي في برك المياه، أما في فصل الصيف فنحن نعاني الحرارة التي لا تطاق من شدة الحر أبدأ بالبكاء غيظا على تعاستي اللامتناهية ...أنام أحيانا تحت السرير لتفادي الحر، ناهيك عن كثرة الجرذان و تسلل الأفاعي التي كثيرا ما تبعث **رعب الأفاعي والجردان وكثرة الحشرات والديدان الرعب في قلوبنا، في السنة الماضية أصبت بلسعة أفعى ونقلت على إثرها إلى العيادة المتعددة الخدمات لتلقي الإسعافات الأولية،وفي الآونة الأخيرة فقط هاجمنا ثعبان وأصبنا في هلع كبير.... الجرذان تعيش بيننا تأكل وتنام معنا.... نحن ننتظر الاستفادة من البناء الريفي..." تسترسل لتحكي معاناة أختها المطلقة التي كانت غائبة أثناء تواجدنا هناك نظرا لكونها بصدد البحث عن عمل لكسب قوت يومها ،هذه الأخت مطلقة وأم لطفل تعيش في كوخ بغرفة واحدة هي وابنها وتقتات من صدقة الأقارب و الجيران ، ورغم استفادتها من سكن بالبناء الريفي إلا أنها لم تستطع تسديد مستحقاته ولم تستطع إتمام تجهيزه نظرا لعوزها وفقرها. والمعاناة لم تنته بعد إنما هناك أشواط أخرى، و هنا حالة أخرى لسيدة مطلقة تعيش هي وأبنائها الأربعة في غرفتين،والدها شيخ يبلغ من العمر 85 سنة يذهب للاحتطاب ليوفر ثمن تعبئة قارورات الغاز أما هي فتنهض باكرا لجلب الماء أما في فصل الصيف يصبح الأمر أصعب نظرا للطلب الكبير على الماء حيث تصبح طوابير الرجال والنساء والأطفال الذين ينتظرون دورهم لملء قواريرهم بالمياه طويلة جدا ، تقول السيدة "لويزة" :" لقد استفدت مؤخرا من البناء الريفي لكنني وكعاملة نظافة أعمل لكسب قوت أولادي منذ السابعة صباحا وحتى السابعة مساء لا نستطيع الذهاب إلى هناك لأن المكان بعيد عن مركز البلدية ولا يوجد هناك مرافق عامة، لكننا هنا نعاني الأمرين، مياه الصرف الصحي تتسبب في الروائح الكريهة وكثرة الحشرات والديدان التي تتسلل إلى البيوت خاصة مع اقتراب فصل الصيف،مؤخرا فقط هاجمنا ثعبان ولكم أن تتصوروا الذعر الذي أصبنا به ،والدي طاعن في السن ولا يستطيع أن يصبر على كل هذه المعاناة ،أتمنى فقط أن يعيش ولو ليوم واحد في مكان نظيف قبل أن يموت.