المرشح ماكين يمثل من الناحية السوسيولوجية أمريكا التقليدية المحافظة، كما يعبر بشكل من الأشكال عن نخبة انتجت رؤى إيديولوجية واستراتيجية وهي اليمين المحافظ والمحافظون الجدد وكل ما ارتبطوا بهم من مصالح، هذه الرؤى والإستراتيجيات أقل ما يمكن أن نقوله عنها أنها تعاني مصاعب جمة في تسيير غاياته، وذلك نراه واضحا في منطقتنا، من أفغانستان شرقا إلى فلسطين غربا. مقابل المرشح الجمهوري ماكين، نجد المرشح الديمقراطي باراك أوباما الذي شكل ظاهرة فريدة وجديدة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو يمثل ما أسميته "أمريكا الأخرى". الظروف العامة لهذه الإنتخابات الرئاسية جلها في صالح أوباما، ولعل أهمها اليوم الأزمة المالية الحادة التي تعصف بجزء هام من النظام المالي الأمريكي. وإذا كانت الأزمة المالية عاملا آنيا هاما يلقي بثقل كبير على توجه الناخب الأمريكي، فإن هناك عوامل أخرى هامة قد لا يكون لها ثقلا آنيا حادا ولكنها حاضرة. فالإيديولوجية التي كان الرئيس الأمريكي جوج بوش معبرا عنها طيلة فترتين انتخابيتين وما تعانيه من مصاعب ونتائجها الكارثية حينا أو المحدودة جدا حينا آخر، خاصة منها نشر الديمقراطية، و"الحرب الإستباقية" ضد التطرف والإرهاب، هي من العوامل القوية الحاضرة والتي كانت لصالح باراك أوباما وفريقه الإنتخابي. حتى اليوم استطلاعات الرأي كلها لصالح المرشح الديمقراطي، على الرغم من الأساليب التي لجأت لها حملة المرشح الجمهوري من محاولة ربط أوباما بالإسلام والتطرف، لأن أبوه مسلم بالأصل، بل إن بعض الاستطلاعات تعطي لأوباما هامشا مريحا يصل إلى عشر نقاط أحيانا. مع ذلك لا يمكن الجزم أن نتائج الإنتخابات قد حسمت لصالح أوباما وأمريكا الأخرى، ذلك أن إدارة الرأي العام وسبر أغواره وإن وصلت حدا كبيرا من الدقة إلا أنها ليست علما دقيقا. لقد رجحت بعض الكتابات والتحليلات أن التعاطف الأمريكي مع المرشح الديمقراطي الأسود هو تعاطف قد لا يصمد إلى آخر لحظة وأن يوم الإنتخاب قد يسقط ذلك التعاطف ويعود بعض الناخبين إلى معطيات الواقع السوسيولوجي، تلك احتمالات واردة في رأي بعض التحليلات، لكن ذلك لا يمكن أن يخفي أن "أمريكا الأخرى" صار لها وجود سياسي واقتصادي له تعبير نوي عن ذاتها. لقد تمكن أوباما بخطابه وشخصيته أن يكسر حواجز كثيرة، وأن يتفوق على منافسين داخل معسكره السياسي، وأن يفرض نفسه مرشحا لأحد أكبر المعسكرين السياسيين في الولاياتالمتحدة. بقي الآن التأكد إن كان المجتمع الأمريكي قد توفرت له شروط التحول إلى "أمريكا الأخرى" وأن "أمريكا الأخرى" سوف تقدم البديل الذي يحظى بتوافق واسع. أما بخصوص الإنعكاسات المحتملة لنتائج الإنتخابات على منطقتنا، على القضية الفلسطينية بشكل خاص، والشرق الأوسط بشكل عام، فإن الظروف ضئيلة جدا، فقد أبدى المرشح الديمقراطي الكثير من الدبلوماسية ووعد أنه سيعطي الأولوية للعمل السياسي وعلى عدم الإنفراد بالقرار الدولي وعلى عدم حل خلاف الولاياتالمتحدة مع خصومها بالسلاح، لكنه بالمقابل التزم للوبي اليهودي بأنه من أنصار القدس عاصمة موحدة لإسرائيل. المتتبعون يؤكدون أن حسابات الحملة الإنتخابية كثيرا ما اختلفت مع معطيات ممارسة السلطة مع حقائق آليات اتخاذ القرار في النظام السياسي الأمريكي. وفي كل الأحوال، فإن الإهتمام العالمي بالإنتخابات الرئاسية الأمريكية قد مال، مثلما أظهرت الكثير من استطلاعات الرأي لصالح المرشح الديمقراطي أوباما، فهل يتطابق ذلك مع توجهات الرأي العام الأمريكي؟