التغير الإجتماعي عبر العصور التاريخية الملاحقة، لايزال قائما إلى يومنا هذا، مع فارق التغيير الإيجابي، والتغيير السلبي، وفي الحالة الأولى يستفيد منه رجال المال، ورجال السياسة الذين يعملون على المحافظة على مناصبهم بالقانون وبغير الطرق القانونية، المهم هو الثروة وليس الأوضاع الإجتماعية لشعوبهم، التي تدفع فاتورة سوء تسيير المسؤولين. إذا كان التغيير ظاهرة عيانية موجودة في المادة الحية وغير الحية، وفي الحياة الإجتماعية، فإن ظاهرة التغيير والثبات يعود مفهومها إلى فجر الفكر الفلسفي، وأبرز ممثل لظاهرة التغيير هو اليوناني "هيراقليطس" بينما نجد "بارمنيدس" يرى العكس، وبالنسبة له فإن الثبات هو القاعدة وهو حاضر سرمدي لا يتغير. وحكامنا اليوم ينقسمون إلى قسمين: دعاة الثبات دعاة التغيير بل وتتطابق مواقفهم تمام الإنطباق مع الصور والظواهر والمفاهيم أعلاه. ولا نريد المزيد من تبيان الظواهر لدى "أوغست كونت" وتلميذه "دوركايم" (فرنسيان) أو "سبنسر" الإنجليزي أو "فيكو" الإيطالي حتى لا يقولوا إننا لسنا في حاجة إلى درس في علم الإجتماع. فالظواهر الإجتماعية على مستوى الأفراد هي بمثابة تلك الظواهر على مستوى الشعوب، شعوب متخلفة وشعوب متقدمة، والظواهر الإجتماعية تفسر في البلدان المتخلفة على أساس التغيير الإجتماعي، فحتى تسمياتها عرفت تغييرات منذ صحوة البلدان الفقيرة بعد مؤتمر باندونع: 1955 ومؤتمر بلغراد: 1961 ومؤتمر القاهرة: 1964 ومؤتمر لوزاكا 1970 ومؤتمر الجزائر 1973 تغيرت كلمة المتخلفة ببلدان عدم الإنحياز وهي تسمية سياسية، ثم أخذت تسمية أشمل اقتصادية أساسا وهي: النامية، السائرة في طريق النمو، ولكن مؤتمر الجزائر حسم وطالب بإقامة نظام اقتصادي دولي جديد، أي الدعوة إلى التغيير ونبذ كل أشكال الثبات. ولازلت أذكر كلمة لبومدين في "لاهور": "إن شعوبنا لا تريد أن تذهب إلى الجنة وبطونها فارغة، وإنما تريد ذلك وهي شبعانة" وأطلق وقتها تسمية الفقراء والأغنياء وإذا أسقطنا هذا على الحياة الإجتماعية لشعبنا فإن كلمة بومدين عن الجنة والجوع، ومفهومه للفقراء والأغنياء ظواهر معيشة اليوم، وزادها رمضان بيانا باعتراف حتى المسؤولين الذين عدوا الفقراء والمعوزين بالملايين، فالظواهر الإجتماعية تعرف التغيير المستمر، فظواهر البؤس، والجوع، الغبن، وحتى الإنفجار السكاني، هي اليوم في نفق مظلم من يعرف مخرجه يا ترى؟ إني شخصيا متفائل لأن من إبتلي لابد أن يمكن... وهل هناك تمكين إلا بعد ابتلاء، لقد قطعنا أشواط الزمهرير ونسير نحو سجسج ذلك الجو اللطيف بين الفجر وإشراق الشمس. ومن ثمة فحركة مجتمعنا وتغيراته لها صفة علائقية، تبرز أساسا بين السياسة المتبعة والأوضاع الإجتماعية التي تفرز قطع الطرقات والإعتداء على رموز الدولة بالحجارة وتخريب الممتلكات وفي مواجهة هذا، على سياستنا أن تسمي الأشياء بأسمائها، فالظواهر الإجتماعية ليست كمياوية أو فيزيائية، إنها سياسية واجتماعية وثقافية، لكن هيهات أن تكون الشجاعة للمسؤولين ويسمون الأسماء بأسمائها.. القط قط .. لكن من هو الهر يا ترى؟ www-mail:[email protected]