كم أحس بالقهر وأنا أتابع على الفضائيات المجازر البشعة التي يتعرض لها سكان غزة تحت نيران إسرائيل، والحجة تغيير المعادلة الأمنية في القطاع نهائيا. المصيبة أن إسرائيل أعلنتها بوضوح ومن على أرض مصر، مصر أم الدنيا، وأخذت إذنها من النظام المصري، ومضت تنفذ مخطط التصفية العرقية لقطاع غزة وهي آمنة أن الأنظمة العربية لن تتحرك، ومن سيتحرك.. فلا روح فيصل مازالت تنبض في الرياض، ولا صوت جمال يجلجل في القاهرة ولا ولا... ومن سيقاوم، إسرائيل جعلت منا فرقا وطوائف بعد أن كنا خير أمة أخرجت للناس، وتحت هذا المسمى حاربت لبنان بعد أن ضمنت حياد الحكومة اللبنانية وحياد الأنظمة العربية بحجة أنها تحارب حزب الله المتطرف، وتقصف اليوم غزة بحجة تقويض قوة حماس ووقف صواريخها التي لم تصب أحدا.. والمصيبة أن السلطة الفلسطينية لم تنبس بنت شفة، وكأن حماس غير فلسطينية.. عار علينا، يا عيب الشوم مثلما يقول الشوام... الشارع الأوروبي اهتز، ولم تحرك معظم الشوارع العربية، سلمنا غزة وسمحنا في أهلها وراحت الأنظمة القذرة تحذو حذو القاهرة، وتبحث لها عن مبررات لتبرير العدوان الإسرائيلي، مبررات لا تحتاج إليها إسرائيل نفسها. صحيح أن الفلسطينين وجهوا رسالتهم إلى الوجهة الخطأ عندما انتقدوا مصر على موقفها، فمصر لم تعد أم الدنيا، ولا قبلة العرب ورفع رايتهم منذ كامب دافيد، أليست مصر التي قتلت الفلسطينين الجائعين والمرضى عبر معبر رفح؟ ما يحدث في غزة يجعلني أحسن بمرارة وغصة وغضب شديد، ربما إسرائيل على حق إن هي قتلت الفلسطينين وإن هي قتلتنا جميعا، فنحن أناس لا ننفع في شيء، لأننا هنّا على أنفسنا وهناّ على حكامنا، وهناّ على الإنسانية جميعا، فلا بأس أن نُباد ! إسرائيل تغلبت بهذا العدوان على عقدة فشلها في حربها مع حزب الله، عندما وقف رجل وحده في وجهها، وفي وجه الأنظمة التي أيدتها. غطت على مشاكلها الداخلية بمظالمها هذه، لكن الأكيد أن هذه المظالم لن تذهب سدى، وهي تجعل الشارع العربي يكفر بديمقراطية أمريكا، وتجعل من كل إنسان عربي، بن لادن، ومن كل طفل في غزة ولبنان وغيرها مشروع نصر الله والقسام والظواهري، ومشروع انتحاريين سيسمونهم متطرفين ويقاتلونهم. لكن إسرائيل لن تعرف الأمن، فلا كامب دافيد طوّع الشارع المصري، ولا خيانات العرب الأخرى حققت لها السلام.