عندما كانت الصين تستعد لاحتضان الألعاب الأولمبية السنة الماضية، حركت فرنسا أوروبا كلها، محاولة جرها لمقاطعة الألعاب التي تحتضنها بيكين •• والحجة أن الصين تمارس اضطهادا وتدوس على حقوق الإنسان في التيبت، واستضافت من أجل هذا الهدف الدالي لاما وفتحت أمامه كل أبواب الإعلام للتنديد بالصين التي ترفض منح هضبة التيبت استقلالها•• نفس فرنسا اليوم تقف موقف المتفرج في أزمة فلسطين بقطاع غزة، ولا أحسب في هذا المبادرة الفرنسية- المصرية، لأنها جاءت لتكسير المساعي العربية في مجلس الأمن، ولكسب إسرائيل المزيد من الوقت لتدك الأرض بغزة كيفما شاءت• أزمة التيبت لم تسجل طوال تاريخها الطويل العريض أربع مائة قتيل، في حين تجاوز عدد ضحايا مجزرة غزة في أسبوعين أكثر من 5 آلاف بين قتيل وجريح•• والصين لم تستهدف الرضع والنساء في التيبت، لكن ضحايا المجزرة الإسرائيلية في غزة جلهم من المدنيين، أطفالا ونساء ورجالا، حتى وإن كانت إسرائيل ترفض عد الرجال الضحايا من المدنيين ولا من الأبرياء• والصين لم تدك بالقنابل المدارس ومخيمات اللاجئين، ولم تستهدف سيارات الإسعاف التي تقل الموتى والجرحى، ومع ذلك عملت فرنسا كل ما أوتيت من قوة لإطفاء الشعلة الأولمبية، التي جندت لها "مناضلين" في حقوق الإنسان، اعترضت طريقها أينما حلت• ولا أدري اليوم إن كان هؤلاء المناضلون في عطلة بعد سنوات من ملاحقة الشعلة في طريقها إلى بكين، لمَ لم يخرج هؤلاء للتنديد بالأعمال الشنيعة التي تقوم بها إسرائيل في غزة، لم ينادوا بمقاطعة بضائعها، ولا بوقف التعامل معها، بل بالعكس، منهم من برر العدوان الإسرائيلي على فلسطين بأنه دفاع عن النفس• لكم تمنيت أن يقاطع العرب، حكاما وشعوبا المنظمات الأممية، ويسحبون سفراءهم وديبلوماسييهم بها، بل ويقاطعون حتى مفاهيمهم، خاصة مفهوم حقوق الإنسان، الذي يرفعه الغرب سيف حجاج على رؤوسنا كلما أرادوا إلحاق الأذى بنا، في حين يتناسونه عندما نكون نحن الضحية• أليست هي فرنسا وباسم حقوق الإنسان التي منعت التحاق تركيا بالإتحاد الأوروبي بسبب مجازر الأرمن التي مر عليها أكثر من قرن! مازال الدم يسفك يوميا في غزة، والجريمة كاملة بكل أركانها •• فأين حقوق الإنسان؟!