ليس سهلا أن تكون منهمكا في العمل ويأتي أحد من زملائك ويخبرك بأن زميلا آخر فارق عالمنا. العقل يفتقد في مثل هذه الظروف لأبسط قواعد العمل الصحفي، ويعجز عن إيجاد الطريقة التي تقدم بها الخبر للقراء . عانى عامر محيي الدين طويلا من المرض الخبيث قبل أن يستسلم له، أمس، بعد صلاة الجمعة، وهو في السرير الذي التزمه لأشهر كاملة، في بيته ببلدية العاشور بأعالي العاصمة. عامر فارق الحياة في سن ال59، قضى نصفها في مهنة الصحافة التي التحق بها عبر جريدة ''المساء'' في منتصف الثمانينات. وقد درس المرحلة الثانوية بالمملكة المغربية الشقيقة حيث تحصل على شهادة البكالوريا، وهو خريج معهد علم الاجتماع الذي أعطاه ثقافة متعددة، سمحت له بأن يكون ''صحفيا حرا في زمن الأغلال'' كما عرفه الزميل بوازدية، و''صحفيا يميل للعلاقات الإنسانية أكثر من أي شيء آخر'' كما يقدمه حميد عبد القادر. والتحق عامر بالفريق المؤسس ليومية ''الخبر'' التي ظهرت إلى الوجود بموجب قانون الإعلام لسنة ,90 لكن ظروفه جعلته يغادر الجريدة الفتية ويستقر في وكالة الأنباء الجزائرية إلى غاية أواخر التسعينات. وعاد عامر مجددا إلى بيته الأصلي ''الخبر''، لكن ليس كصحفي هذه المرة بل كمسير لقسم الإشهار. كتابات عامر الصحفية في فترة عودته إلى ''الخبر'' قليلة، لكنه عندما يكتب نشعر بأن هناك منجما حقيقيا نائما في ''الخبر''، أجبره المحيط القاسي للمؤسسة الجزائرية على التفرغ للعمل الإداري والتسييري لضمان استمرارية هذا العنوان الصحفي. ف''الخبر'' على غرار كل العناوين الصحفية الخاصة كانت ضحية العديد من العمليات الاحتيالية في سوقي التوزيع والإشهار المفتوحتين على مصراعيهما دون قوانين تضبط حقوق كل طرف فيها، ما دفع بالعديد من الصحفيين الذين خاضوا تجربة الصحافة الخاصة، ومنهم عامر محيي الدين وشركاؤه في ''الخبر''، للتخلي عن مهنتهم الأصلية. وكان آخر منصب شغله عامر في مؤسسة ''الخبر'' هو رئيس مدير عام، وبعدها أقعده المرض عن العمل إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة تاركا وراءه ثلاثة أبناء في مقتبل العمر وزوجة لم تنعم طويلا بالحياة بجانبه، وأما تشبثت باللحظات الأخيرة مع ابنها ولم تتحرك من على السرير الذي يستريح فيه قبل موعد المراسم الجنائزية. لقد فارقنا عامر ليلتحق بقائمة الراحلين عن ''الخبر''، وهي طويلة رغم قصر التجربة. من عمر أورتيلان إلى شوقي وأحميدة وجابر وأحمد... واليوم عامر، وكلنا سنلتحق طبعا. ولا نملك سوى أن نطلب من الله سبحانه وتعالى الرحمة والمغفرة لكل هؤلاء والعمر الطويل لفريق ''الخبر''. المصدر :م. إيوانوغان