في جو مهيب جدا،وفي جنازة حطمت رقما قياسا من حيث الحضور،شيعت بعد عصر اليوم،جثمان المناضل والمجاهد عبد الحميد مهري،الذي فقدته الجزائر برحيله أول أمس،عن الحياة الدنيا،ولم يجد المعزون و الحشد الكبير الذي حضر الجنازة بمقبرة سيدي يحي بحيدرة في العامة، مكانا، لرؤية جثمان رجل،اختفى عن الأنظار مؤخرا بينما كان يعاني المرض. رحل عن الجزائر رائدا من رواد الحركة الوطنية ومن الرعيل الأول الذين ساهموا في ثورة نوفمبر المجيدة وبناء الدولة الجزائرية المستقلة،ووري جثمانه في جو مأتمي امتزجت فيه"مفخرة"بوجود،رجل في الجزائر في مقام "سي عبد الحميد"،مع مظاهر تأسي و"خيبة"وحزن وألم، عن فقدان واحد من القلائل الذين بقوا على قيد الحياة، من صناع الجزائر وآباء السياسة فيها ،بلا منازع، وأمام أعين كبار مسؤولي الدولة،وشرائح واسعة من المواطنين،وقيادات الأحزاب التي نسيت"حملتها الانتخابية"التي بدأتها مبكرا،والتحقت بسيدي يحي،لتوديع قامة سياسية قل نظيرها في الجزائر،في زمن الرداءة السياسية. يجمع كل من كان بسيدي يحي أمس،ان الرجل،كرس سي عبد الحميد مهري حياته من أجل وطنه،منذ أن انخرط في الحركة الوطنية،فكان مناضلا صلبا صبورا على الشدائد والمحن،وضع فكره وتجربته النضالية وقدراته التنظيمية في خدمة قضية وطنه أثناء ثورة نوفمبر،حيث تقلد مسؤوليات قيادية في الثورة،فكان عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية ثم في مجلس التنسيق والتنفيذ فوزيرا في الحكومة المؤقتة،وبعد الاستقلال مباشرة كان واحدا من الذين آثروا خدمة بلادهم في قطاع التربية والتعليم وتقلب في عدة مناصب سامية في الحزب والدولة، ليتوج مساره النضالي بتوليه الأمانة العامة لحزب جبهة التحرير الوطني،وقد كان دوما يتابع بعين بصيرة أوضاع وطنه وشعبه،ويساهم بكل طاقاته وجهده في كل ما من شأنه أن يحصن الجزائر ويمكنها من احتلال المكانة اللائقة بها. لقد فقدنا في المرحوم عبد الحميد مهري المدرسة الوطنية النضالية والتاريخية والثقافية،فقدنا مناضل صلب،سياسي فذ،مثقف الواعي،صوت الحق والحكمة،المخلص الوفي لوطنه الجزائر ولأمته العربية الإسلامية،إذ كان صوتا قويا يصدح بحق العرب والمسلمين في التحرر والتقدم والوحدة، وقد تجلى ذلك بوضوح في رئاسته للأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.