هكذا حطمت مظاهرات 11 ديسمبر أحلام فرنسابالجزائر تحيي الجزائر، اليوم، الذكرى ال58 لمظاهرات الحادي عشر ديسمبر، التي تعد من بين المحطات الحاسمة في تاريخ الثورة التحريرية المجيدة من حيث الصدى الواسع الذي لاقته داخل الوطن وخارجه، ومدى تأكيدها على ارتباط الشعب الجزائري بثورته وانضوائه تحت قيادة جبهة التحرير الوطني من أجل غاية واحدة موحدة هي الحرية والاستقلال. خرج الجزائريون في مظاهرة سلمية يوم 11 ديسمبر 1960 لتأكيد مبدأ تقرير المصير للشعب الجزائري ضد سياسة الجنرال شارل ديغول الرامية إلى الإبقاء على الجزائر جزءا من فرنسا، في إطار فكرة الجزائر الجزائرية من جهة، وضد موقف المعمرين الفرنسيين الذين ما زالوا يحلمون بفكرة الجزائر فرنسية، قامت السلطات الفرنسية بقمع هذه المظاهرات بوحشية مما أدى إلى سقوط العديد من الشهداء. وعملت جبهة التحرير الوطني لسياسة شارل ديغول والمعمرين معا، حيث ارتكز ديغول على الفرنسيين الجزائريين لمساندة سياسته والخروج في مظاهرات واستقباله في عين تموشنت يوم 9 ديسمبر 1960، وعمل المعمرون على مناهضة ذلك بالخروج في مظاهرات وفرض الأمر على الجزائريين للرد على سياسة ديغول الداعية إلى اعتبار الجزائر للجميع في الإطار الفرنسي، ولم تكن جبهة التحرير الوطني محايدة بل دخلت في حلبة الصراع بقوة شعبية هائلة رافعة شعار الجزائر مسلمة مستقلة ضد شعار ديغول (الجزائر جزائرية) وشعار المعمرين (الجزائر فرنسية)، وقد أكدت هذه المظاهرات الشعبية حقيقة الاستعمار الفرنسي الإجرامية وفظاعته أمام العالم، وعبر عن تلاحم الشعب الجزائري وتماسكه وتجنيده وراء مبادئ جبهة التحرير الوطني والقضاء على سياسة ديغول المتمثلة في فكرة الجزائر جزائرية وفكرة المعمرين الجزائر فرنسية. هذه ردود الفعل الدولية على مظاهرات 11 ديسمبر على المستوى الدولي، برهنت المظاهرات الشعبية على مساندة مطلقة لجبهة التحرير الوطني، واقتنعت هيئة الأممالمتحدة بإدراج ملف القضية الجزائرية في جدول أعمالها وصوتت اللجنة السياسية للجمعية العامة لصالح القضية الجزائرية، ورفضت المبررات الفرنسية الداعية إلى تضليل الرأي العام العالمي. وقد اتسعت دائرة التضامن مع الشعب الجزائري عبر العالم خاصة في العالم العربي وحتى في فرنسا نفسها، خرجت الجماهير الشعبية في مظاهرات تأييد، كان لها تأثير على شعوب العالم ودخلت فرنسا في نفق من الصراعات الداخلية وتعرضت إلى عزلة دولية بضغط من الشعوب، الأمر الذي أجبر شارل ديغول على الدخول في مفاوضات مع جبهة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري، وهو الأمل الوحيد لإنقاذ فرنسا من الانهيار الكلي. المجاهد بوعكة: مظاهرات ديسمبر هي الصخرة التي تحطمت عليها أحلام الجنرال ديغول أبرز الأمين الولائي للمنظمة الوطنية للمجاهدين بعين تموشنت، والمجاهد الهواري بوعكة، خلال احتفالية مخلدة للذكرى ال58 لمظاهرات 9 ديسمبر، بحضور السلطات الولائية والأسرة الثورية، بأن زيارة الجنرال ديغول لعين تموشنت جاءت لأجل تهدئة المعمرين، غير أن جموع الجزائريين هتفت بالجزائر جزائرية حرة ومستقلة، وشكل ذلك الصخرة التي تحطمت عليها أحلام ديغول في جعل الجزائر فرنسية. وذكر ذات المتحدث، بأن المظاهرات التي شهدتها عين تموشنت قام خلالها التموشنتيون وهتفوا بحياة الجزائر والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وتم رفع الراية الوطنية ولافتات تطالب باستقلال الجزائر. بن عبد السلام: هذه المظاهرات شكلت منعرجاً حاسماً في مسار القضية الوطنية من جهته، أشار رئيس جمعية 9 ديسمبر 1960 بعين تموشنت، محمد بن عبد السلام، إلى أن هذه المظاهرات تعتبر الشعلة الأولى لمظاهرات 11 ديسمبر التي عمت باقي أرجاء الجزائر وشكلت منعرجا حاسما في مسار القضية الوطنية واستقلال الجزائر. مواس: هتافات الحرية بددت جميع حسابات فرنسا كما ذكر بالمناسبة الكاتب الإعلامي، سعيد مواس، بأن زيارة الجنرال ديغول إلى عين تموشنت بعد سنتين من اعتلائه سدة الحكم بفرنسا جاءت لطمأنة المعمرين الفرنسيين بالجزائر والرفع من معنوياتهم، غير أن الأحداث التي شهدتها الساحة المحاذية لمقر البلدية والتي تحمل حاليا إسم 9 ديسمبر والمظاهرات التي اندلعت بها مناهضة لزيارة ديغول وهاتفة بالحرية والاستقلال بددت جميع حسابات فرنسا، وحسمت الموقف لصالح القضية الجزائرية وتدويلها في مختلف المحافل الدولية. المرأة الجزائرية لعبت دوراً محفزاً في مظاهرات 11 ديسمبر في السياق، أكدت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم، على الدور المحفز الذي لعبته المرأة الجزائرية خلال مظاهرات ال11 ديسمبر 1960، واصفة تلك الأحداث بالموجة الشعبية الجارفة. وأدلت بن براهم بهذا التصريح خلال محاضرة حول مساهمة المرأة الجزائرية خلال مظاهرات 11 ديسمبر 1960 ، من تنظيم جمعية مشعل الشهيد ، عشية إحياء الذكرى ال58 لتلك الأحداث التي كانت الجزائر العاصمة مسرحا لها انطلاقا من الحي الشعبي محمد بلوزداد، كما اعتبرت تلك الأحداث بالموجة الشعبية الجارفة، مؤكدة أن دور المتزعمة الذي تقاسمته النساء الجزائريات في تلك المظاهرة التاريخية كان كبيرا إلى درجة لم يجد فيه أقاربهن من الرجال أي خيار إلا الانضمام إليهن. وبصفتها محامية، سبق لها أن دعت السلطات الفرنسية إلى معرفة مصير المتظاهرين المفقودين خلال ذلك اليوم التاريخي، فقد أعربت بن براهم عن أسفها للعدد الكبير من القتلى والجرحى الذي تم تسجيله من بين الجزائريين، مشيرة إلى الشهيدة صليحة واتيكي التي استشهدت بالرصاص الغادر للشرطة الفرنسية عن عمر لم يتعدى ال12 سنة. وتابعت ذات المحاضرة، تقول أن 11 ديسمبر 1960 كان مفاجأة للجميع بما في ذلك الفرنسيين الذين كانوا يحسون بأمر يتم التحضير له، لكنهم كانوا يجهلونه مما يفسر الإخفاق الذي تبعه، مضيفة أن الجزائريين رفعوا لأول مرة بعض الشعارات خلال هذه المظاهرات التاريخية. وأشارت في هذا الخصوص، إلى الجزائر مستقلة ومسلمة و تحيا جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني و تحيا الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وكذلك فرحات عباس رئيسنا ، كما أوضحت إلى أي مدى تمكنت جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية من استغلال تلك الأحداث لصالحهم، مذكرة في هذا الصدد بالخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية فرحات عباس بتاريخ 16 ديسمبر من نفس السنة بوهران، حيث ندد بالوحشية التي تعاملت بها الإدارة الاستعمارية تجاه المتظاهرين السلميين. وفي معرض تطرقها للظرف الذي سبق وأعد ما سيسمى أحداث 11 ديسمبر 1960 ، أشارت المتدخلة إلى زيارة الجنرال ديغول إلى الجزائر قبل يومين من ذلك والذي كان سيقترح حلا للمسالة الجزائرية. وأضافت أن ذلك الحل كان يتمثل في جزائر جزائرية ، لكنها مرتبطة دائما بفرنسا الاستعمارية، أي حلا بديلا بين الخضوع والإدماج، مبرزة إلى أي مدى تمكنت مظاهرات 11 ديسمبر 1960 من إظهار المسالة الجزائرية على الساحة الدولية. وأكدت بن براهم في الاخير على ضرورة معرفة الجزائريين لهذه الصفحة المجيدة من حركة التحرير الوطنية وإحدى المنعطفات الفارقة في الحركة النضالية، وذلك حتى نقيم حق تقييم قدر الاستقلال.