لطالما كان العديد من ذوي الاحتياجات الخاصة يشعرون بالنقص والتقليل من قيمتهم لذاتهم سواء كما يرونها هم أو كما يراها الآخرون الأمر الذي يؤثر عليهم وعلى توافقهم، لكن مهما كانت الظروف فإن الإنسان قادر على صناعة النجاح وقهر المستحيل، بوجود الإرادة وتجاهله لأية إعاقة قد يراها سببا في فشله فبإمكان هذه الأخيرة أن تعطيه القدرة على الإبداع والإنجاز وهو حال العديد من الشباب الذين اثبثوا ذلك في الميدان و على فتاحي و جرجور من احدى هذه النماذج التي تمكنت بفعل الارادة من تحدي الاعاقة و مزاولة عدة انشطة منتجة. نوال وأحمد نموذجان لتحدى الإعاقة ومزاولة أنشطة منتجة تعد فتاحي نوال (35 سنة) و جرجور أحمد (24 سنة) من ولاية أدرار نموذجان لأفراد من فئة ذوي الإحتياجات الخاصة ممن تحدوا الإعاقة وتمكنوا من ممارسة أنشطة منتجة. و لدى مشاركتها في فعاليات إحياء اليوم العاالمي لذوي الاحتياجات الخاصة بأدرار أشارت الآنسة نوال أن مزاولتها نشاط الطبخ التقليدي يعكس مدى إرادتها القوية على تحدي الإعاقة. وقد راودتها هذه الفكرة كما ذكرت المتحدثة-- بعد الإقبال و الطلب الذي باتت تعرفه الأكلات التقليدية المحلية من طرف زوار المنطقة من السياح و الضيوف مثمنة في ذات الوقت جهود ورشة البنات بالمركز التي رافقتها في هذا المجال. و أضافت أن رغبتها الشديدة وتشبثها بالفكرة حفزها على التقدم إلى الوكالة المحلية لجهاز القرض المصغر الذي رافقها في تمويل هذا النشاط المصغر الذي شرعت في مزاولته بعد دعمها ماليا من طرف هذا الجهاز. وتطمح الآنسة نوال إلى ترقية نشاطها و توسيعه بمساعدتها في الحصول على محل يتيح لها ممارسة هذا النشاط خارج المنزل العائلي الذي بات لا يتسع لذلك ي مما سيساهم أيضا في توفير مناصب شغل و دخل للفتيات اللواتي سيساعدنها في هذه المهنة . ومن جانبه يطمح الشاب جرجور أحمد الذي ينتمي لذات الفئة الإجتماعية أيضا إلى مرافقته في استحداث نشاط مصغر في المجال الفلاحي بعد الخبرة التي اكتسبها على مستوى المزرعة البيداغوجية بالمركز النفسي البيداغوجي بأدرار. و يساهم هذا الشاب الذي التحق بالمركز سنة 1992 و تخرج منه في يونيو 2007 حاليا في الإشراف على تسيير المزرعة البيداغوجية بهذا الهيكل التضامني المتخصص و مرافقة المتربصين في مجال زراعة مختلف المنتوجات الفلاحية الواحاتية مثلما أشارت إليه الأخصائية النفسانية و رئيسة المصلحة البيداغوجية بالمركز نهاري زينب. طيواني يتحدى إعاقته ليصبح من ذوي الإبداعات الخاصة وجد الصادق طيوان من بلدية الرواشد (شمال ميلة) في مجال الحرف وتشكيل التحف والمجسمات بالاعتماد على المواد المسترجعة, ملاذا لتجاوز الإعاقة التي حلت به فجأة فأبدع وبرز في هذا الميدان من خلال تجسيد أفكاره الفنية بكل تفان. وتمكن الصادق صاحب ال48 سنة من تخطي صدمة الحادث الذي وقع له سنة 2000 بينما كان يؤدي عمله ضمن القوات الخاصة للجيش الوطني الشعبي التي كان ينتمي إليها بأحد جبال ولاية تيزي وزو, حيث تعرض بمعية بعض زملائه لاعتداء إرهابي تسبب له في فقدان جزء من يده اليمنى. وعشية اليوم الوطني لذوي الاحتياجات الخاصة المصادف ل14 مارس من كل سنة, تحدث الصادق عن الصعوبة التي يجدها غالبا لاستيعاب التغيرالذي أحدثته الإعاقة المفاجئة في حياته قائلا أن العالم أصبح مظلما حوله وتطلب تجاوز هذا الاحساس سنوات طويلة. و لكنه, و بدعم من عائلته ولج الصادق عالم الحرف وصنع التحف الفنية التي وجد فيه ضالته و أحب من خلاله الحياة من جديد. و قال : لقد لاحظت انتشارا كبيرا لعدة مواد قابلة للتدوير في البيئة على غرار القطع الخشبية والزجاجية والعبوات البلاستيكية والتي تبدو للآخرين غير مهمة إلا أنها أضحت تحتل مكانة هامة في الأعمال الفنية التي أصنعها والتي حظيت بالإعجاب الكبير . ولم يجد هذا الحرفي العصامي وذو الثقافة الواسعة, حسب أقواله, أية صعوبة في تشكيل التحف الفنية لتعدد اهتماماته أذ ولج عالم الرسم وكتابة الخط العربي والزخرفة منذ نعومة أظافره و اضحى اليوم يوظف هذه مواهب في حرفته, كما تبدو في أعماله . و عاد الصادق بعد برهة من الصمت, بذاكرته الى الحادثة التي فقد فيها يده قائلا: لقد جعلتني الإعاقة أعيش تحديا داخليا بضرورة التعايش معها وهو ما كان لي من خلال ولوج عالم التحف الفنية منذ سنة 2015 محاولا ترك بصمتي الفنية الخاصة بإنتاج أعمال تعكس رؤيتي الإبداعية للأشياء المهملة بإعادة استرجاعها وإدخالها كعناصر أساسية في المجسمات التي أصنعها . نظرة فنية للأشياء تعكس الهوية والإنتماء وكثيرا ما يستلهم الصادق لصنع مجسماته من المناظر الطبيعية التي تخص تحديدا منطقة ميلة على غرار شلالات تامدة ببلدية أحمد راشدي أو مجسم المياه المتدفقة من سد بني هارون, رغم بساطة المواد الداخلة في تشكيلها, و يسعد لاعجاب الناس الذين يقبلون على الجناح المخصص له في المعارض التي شارك فيها سواء محليا أو عبر مختلف ولايات الوطن. وقال في هذا الشأن : أحرص دوما في تنقلاتي إلى خارج الولاية أن أحمل معي أعمالي التي تعكس هوية المنطقة التي أنتمي إليها من معالم ثقافية وتاريخية وطبيعية إيمانا مني بأن الحرفي سفير في مجاله ولهذا تجدني أجتهد لتحويل خصوصيات المكان الذي أمثله بعد إطلاق العنان لطاقاتي الإبداعية إلى تحف فنية أشكلها وأعرضها على الآخرين حتى يرتحلوا من خلالها إلى تفاصيل البيئة التي أنتمي إليها . وأضاف ذات الحرفي وكله ثقة في جودة ونوعية أعماله التي جسدها بيد واحدة فقط, أفكاري هبة ربانية ولا أجد حرجا في نقلها للمقبلين على مجال الحرف الفنية إيمانا مني بأن الإبداع عطاء واستمراره مرهون بتشاركه مع الآخرين . ولا يقتصر تميز وتفوق الصادق عن بقية الحرفيين في كونه يجسد عمله الفني بيد واحدة (اليسرى) بل يكمن أيضا في قدرته على تحويل أشياء بسيطة إلى تحف تسر الناظرين على غرار تحويل مكنسة إلى باقة زهور وتجسيد مزرعة بها قطيع من الغنم بالاعتماد على القطن وغيرها من الأعمال التي تتطلب إلى جانب الدقة والإتقان الموهبة والإبداع. المهم بالنسبة لي كحرفي من ذوي الاحتياجات الخاصة هو الفكرة أما التجسيد يظل أمرا سهلا للغاية بالنسبة لي لاسيما بعد أن أنعزل بورشتي الصغيرة بالبيت لأنه لا يتطلب مني سوى المواد التي هي في متناول الجميع والتي عادة ما تتوفر بمنزل أي شخص منا , حسبما خلص إليه ذات الحرفي المثابر.