صنعت عدة شخصيات ثورية التاريخ الجزائري، فعملت على وهب النفس من خلال الجهاد في سبيل الوطن، من أجل أن تعيش الجزائر حرة مستقلة أبد الدهر، ومن بين هذه الشخصيات من استشهد على غرار حسيبة بن بوعلي، علي لابوانت وآخرون، ومنهم من بقي على قيد الحياة لقبوا باسم "المجاهدين" يحمل كل واحد منهم في جعبته تواريخ ملحمة الجزائر على غرار المجاهد رابح مشحود، مسعود جديد وبن علي وآخرون ارتأوا العودة بنا إلى تاريخ 5 جويلية 1962 ونحن في الذكرى الخمسين من استقلال الجزائر، من خلال الاعتماد على الأحداث التي كتبت بدماء الشهداء بهدف حماية الذاكرة الوطنية وإزالة اللبس عن التاريخ الذي توارثناه عن أجدادنا. المجاهد رابح مشحود: "لن أنسى أبدا تاريخ 5 جويلية 1962"
أكد المجاهد رابح مشحود في اتصال هاتفي ل"السياسي"، أنه لن ينس أبدا وقع يوم الاحتفال الأول بعيد الاستقلال والذي قرر بتاريخ 5 جويلية 1962 على قلبه، بعد أن مرت 50 سنة كاملة عن هذا التاريخ. حيث أوضح ذات المتحدث، أنه كان مناضلا بعد التحاقه بالجهاد عن طريق حمل السلاح بالجبل الكائن بأعالي مدينة قسنطينة، وقبيل الاحتفال بعيد الاستقلال وبعد أن انتهت الحرب بإعلان استقلال الجزائر في 5 جويلية 1962 نفس التاريخ الذي أعلن فيه احتلال الجزائر في 1830 أعلن عنه الجنرال ديغول في التلفزيون للشعب الفرنسي، نتيجة استفتاء تقرير المصير للفاتح جويلية المنصوص عليه في اتفاقيات إيفيان 18مارس 1962 وإعلان ميلاد الجمهورية الجزائرية في 25 من سبتمبر ومغادرة مليون من الفرنسيين المعمرين بالجزائر منذ 1830، هب ورفقاء الجهاد إلى مدينة قسنطينة لمشاركة إخوانهم الحدث المميز واللامتكرر الذي انتظروه لمدة قرن كامل، حيث خرج الشعب الجزائري بأسره للاحتفال بصدق لم تلوثه المطاعم والمغانم، خرج كل منهم فرحا حقيقة بما أنجزه الشهداء والمجاهدون. وأشار المناضل الثوري، الذي عايش فترة الاستدمار الفرنسي الغاشم، أنه التحق بمدينة قسنطينة على الساعة منتصف الليل 00.00 مشيرا في سياق ذي صلة، إلى أن يوم السعد كان ممزوجا بألم فراق الأحبة، فمن المحتفلين من فقد أبناءه ومنهم من فقد أزواجه ومنهم من شرد وبقي وحيدا بعد أن بقي بغير عائلة وبيت يؤويه خصوصا مع وجود عائلات انتهت عن آخرها، فبالرغم من الفرحة كان هناك من يبكي بقلبه، ولكن تمكنت فرحة رؤية العلم الجزائري وهو يرفرف عاليا من تغطية الحزن، إضافة إلى الهتاف الشائع "الله يرحم الشهداء ولا تنساو الشهداء" وهو ما دعم نفسيته خصوصا وأنه فقد والديه، أشقاؤه وأعمامه خلال الثورة، مؤكدا أن قوات الاستعمار لم تكن بعد قد شرعت في الانسحاب من الجزائر.
استقلال الجزائر جاء بعد الاستفتاء الذي تضمنته اتفاقية إيفيان
فاستقلال الجزائر كان بناء على ما تضمنته المادة 17 من الباب الثالث من نصوص اتفاقيات إيفيان والمتضمن إجراء استفتاء خلال فترة تتراوح من ثلاثة إلى ستة أشهر من تاريخ نشر النص على أن يحدد هذا التاريخ وفقا لاقتراح الهيئة التنفيذية بعد شهرين من تنصيبها. حيث شرع في التحضير للاستفتاء في إطار صياغة جملة الضمانات والشروط المفصلة بتنظيم الأحكام العامة خلال المرحلة الانتقالية اعتبارا من يوم 19 مارس 1962، واستنادا إلى ما تضمنه نص الجزء الثالث من مواد ضمانات تنظيم الاستفتاء على تقرير المصير والجزء الرابع من الاتفاقيات الذي ينص على تشكيل قوة محلية للأمن غايتها الإشراف على استفتاء تقرير المصير وبعد أن جاءت المواد 19، 20 و21 لتحديد مواصفاتها والصلاحيات التي تضطلع بها، بقي جيش وجبهة التحرير الوطني يستعدان لإجراء الاستفتاء في جو من الحيطة والحذر إلى أن حل الفاتح من جويلية 1962. وقد اجتمعت لهذا الحدث التهيئة والتحضيرات العامة لتعبئة الشعب منها توزيع مناشير على المواطنين لتوعيتهم وحثهم على المشاركة بقوة في هذا الحدث بعد أن ضبطت الهيئة التنفيذية المؤقتة بمقرها في روشي نوار "بومرداس حاليا" موعد الاستفتاء بالفاتح جويلية 1962، حيث استجاب المواطنون بنسبة كبيرة جدا لهذا الحدث الهام، وتضمنت استمارة الاستفتاء الإجابة ب:نعم أو لا على السؤال التالي : هل تريد أن تصبح الجزائر دولة مستقلة متعاونة مع فرنسا حسب الشروط المقررة في تصريحات 19 مارس 1962. وبعدها صدرت نتائج الاستفتاء في 2 جويلية بعد أن شرع في عملية فرز الأصوات، وكانت حصيلة النتائج لفائدة الاستقلال بأغلبية مثلما أكدته اللجنة المكلفة بمراقبة سير الاستفتاء صباح يوم 3 جويلية 1962، فمن مجموع المسجلين المقدرين ب6.549.736 موزعين على 15 مقاطعة عبّر 5.992.115 بأصواتهم منهم 5.975.581 أدلى ب:نعم، و16.534 ب:لا. ليحل الفرج باعتراف فرنسا بالاستقلال رسميا بمقتضى المادة 24 من الباب السابع المتعلقة بنتائج تقرير المصير وطبقا للمادة 27 من لائحة تقرير المصير، ويتم الشروع بنقل السلطات فورا، مع قيام الهيئة التنفيذية المؤقتة في ظرف ثلاثة أسابيع بتنظيم انتخابات لتشكيل الجمعية الوطنية الجزائرية التي تتسلم السلطات. وبناء على ذلك أعلنت نتائج الاستفتاء يوم السبت 3 جويلية 1962 وبعث الرئيس الفرنسي شارل ديغول إلى عبد الرحمن فارس رئيس الهيئة التنفيذية المؤقتة للجمهورية الجزائرية رسالة تحمل الاعتراف باستقلال الجزائر. واعتبر يوم الاثنين 5 جويلية 1962 التاريخ الرسمي لاسترجاع السيادة الوطنية التي سلبت في ذات اليوم من سنة 1830.
المجاهد مسعود جديد: "نضال مستمر داخليا وخارجيا في سبيل الحرية"
من جهته أوضح المجاهد مسعود جديد، في الزيارة الميدانية التي قادت "السياسي" لمكتبه بوادي السمار، أنه ناضل في الداخل والخارج بفرنسا وكان قائد بالولاية "3" المنطقة الرابعة"4" بالقبائل إلى جانب أسماء تركت بصمة في التاريخ الجزائري على غرار حوشي، خليفي بن عودة وعيونه تخر بالدموع، بعد أن أعدناه إلى تاريخ ساهم في صنعه، ليعود بنا إلى زنزانة سجن سركاجي بالعاصمة التي كان النضال آنذاك يحاول التخطيط لهروب المجاهدين المحكوم عليهم بالإعدام ومن بينهم المجاهد جديد، لكن للأسف تم نقل المساجين وتحويلهم إلى سجن فاغني بفرنسا، لتقوم السلطات بتعذيب الثوري جديد بعد أن دارت شكوك من حوله مفادها أنه المسؤول الأول عن التحريض على الإضراب عن الطعام، ليتم الإفراج عنه بتاريخ 27 مارس 1962. وبعد إطلاق سراحه واصل نضاله بفرنسا إلى أن أثيرت بعض الشكوك عنه خصوصا بعد أن قام بتوصيل ظرف بريدي إلى والي ليون بفرنسا ليعود إلى أرض الوطن ويواصل جهاده بالولاية ""3 المنطقة الرابعة "4" بالقبائل، وبسبب القيام بقطع الخطوط الهاتفية بالسويدانية، عمدت فرنسا إلى إحراق منزل عائلته ليقرر بعدها الفرار إلى بيت أخته بالحراش ويواصل محاربة الاستعمار الفرنسي من منطقة الحراش، بعد أن كون 4 فرق تتكون كل واحدة منها على 6 مناضلين، قصد مواجهة المنظمة السرية، ويبدأ التخطيط لكيفية مواجهة المستدمر، إلى جانب المجاهدات بن زين زليخة، مهداوي وهانشي نادية اللاتي كن يقمن بتنفيذ العمليات التفجيرية في الملاهي الليلية الفرنسية، بيوت السينما التي كان يقصدها المعمرون وعدة نقط أخرى كانت مستهدفة.
المجاهد مسعود جديد يحذر الشباب من المؤامرات التي تحاك ضد الجزائر
وعن تاريخ ال5 جويلية 1962 الذي خصص للاحتفال باسترجاع السيادة الوطنية، أكد المجاهد مسعود جديد أنه يوم تاريخي رسخ في ذاكرته وذاكرة الشعب الجزائري بما فيه الأطفال، النساء والرجال، وحتى كبار السن، حيث هرع الكل فرحا باستقلال الجزائر معبرا عن فرحته كل على طريقته، حيث عمد البعض على خياطة أكبر علم الجزائري ورفعه عاليا ليرفرف في سماء الجزائر الحرة المستقلة، فيما استقبلت النساء هذا اليوم بالزغاريد بالرغم من فقدان البعض لأهاليهم في هذه الحرب الظالمة، كما وجه المجاهد جديد عدة توصيات للشباب الجزائري بعد 50 سنة من الاستقلال، دعا فيها إلى حب الوطن والتفاني في خدمته فذلك أضعف الإيمان، مشددا على ضرورة الحفاظ على تراث الأجداد والحذر من المؤامرات التي تحاك خارجيا ضد الجزائر لتحقيق التطور. بعد 50 سنة من الاستقلال على الشباب استغلال ثروات البلاد للمضي قدما من جانبها أكدت خالتي فاطمة وهي مجاهدة بالعلمة ولاية سطيف أنها كانت تعمل على تقديم الدعم للمناضلين من خلال التطوع بتقديم الأكل والشرب والملابس لهم، خصوصا وأنها من عائلة مناضلة فأبوها كان مجاهدا بالجبل إضافة إلى أعمامها وإخوة أمها. حيث أوضحت ذات المجاهد وأن فرحة الاستقلال لا مثيل لها، ولا يمكن مقارنتها بأي فرحة كانت كون أنها جاءت بعد تجرع سنوات مرارة، وأكدت في سياق متصل أن الأهالي شرعوا مباشرة بعد تاريخ 5 جويلية 1962، بتقديم ممتلكاتهم لإعادة بناء وتشييد الجزائر قصد النهوض بها وإكسابها مكانة محترمة بين الأمم، لتكون البداية بالتبرع بالممتلكات الخاصة لخزينة الدولة التي كانت تعاني عجزا رهيبا آنذاك، ودعت المجاهدة الشباب إلى النهوض بهذا الوطن خصوصا وأن كل الظروف مهيأة لذلك، فالجزائر الآن تملك مقومات بشرية واقتصادية ومادية لا بأس بها، إن استغلت بطريقة جيدة ستحقق الرقي. خالتي وردية هي الأخرى، عايشت فترة الحقبة الفرنسية وتواجد الاستعمار الغاشم بالأراضي الجزائرية، حيث أوضحت أنها وعائلتها عانوا الأمرين بسبب النضال الوطني، وتفضيل الجزائر عن النفس، مؤكدة أن الأسر الجزائرية لم تكن لتصدق بحلول يوم الاستقلال الذي اتفق تحديده في تاريخ 5 جويلية 1962 وهو نفس تاريخ دخول فرنسا لاحتلال الجزائر، فالفرحة لم تكن لتوصف كونها نابعة من أعماق الأعماق، جاءت بعد سنين من المكافحة الدائمة لكسب تأييد الرأي العام العالمي، خصوصا وأن فرنسا ارتكبت أشنع الجرائم في الأراضي الجزائرية. كما طالبت خالتي وردية التي كافحت برفع السلاح في وجه المستدمر، من الشبيبة الجزائرية اليوم التماسك والتآخي لبلوغ مساعي مليون ونصف مليون شهيد، مشيرة إلى الصفات التي كانت سائدة إبان فترة الثورة الجزائرية حيث تراحم وتكاتف الأخ لمساعدة أخيه في أحلك الليالي، فكيف نفتقر لمثل هذه الصفات بعد 50 عاما في ظل تجسيد الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.