إنتشر الطلاق في السنوات الأخيرة بشكل مخيف خصوصا في أوساط المتزوجين الجدد، بسبب عدم القدرة على تحمل المسؤولية، ففي الماضي كانت نسبة الطلاق ضئيلة لأن المرأة كانت تتحمل أكثر من طاقتها من أجل إستمرار زواجها وتربية أولادها ضمن وسط أسري مستقر، أما نساء هذا الزمن فكثيرات منهن لايستطعن تحمل المسؤولية فيفشلون في حل أصغر المشاكل ويلجؤون للطلاق كوسيلة للخلاص، فمنهن من دام زواجها عامين كحد أقصى وأخريات شهرين لاغير، في حين يرى المختصون أن سبب الطلاق بين أوساط المتزوجين الجدد راجع إلى عدم نضج الزوجين وعدم فهم المعنى الحقيقي للزواج. ومن هذا المنطلق تقربنا من عديد ممن عاشوا هذه التجربة الفاشلة، منهم (ف.م) البالغة من العمر 30 سنة والتي تزوجت بطريقة عادية، حيث جاء العريس لخطبتها وبعد عام تزوجا، فجهزت لها والدتها كل شيء وتم حفل زفافها بطريقة رائعة بإعتبارها الفتاة الوحيدة لدى والديها، وقالت بأنها بعد زواجها إكتشفت أمورًا كثيرة عن زوجها كانت تجهلها، حيث أنها كانت تراه كل يوم يتناول أقراصا لا تعلم سببها وعندما سألته تجاهلها ولم يجبها، كما أنه يجلس لساعات مع والدته ولا يتحدث كثيرا مع زوجته، فأضافت أنها لم تتحمل ذلك وواجهت زوجها وأهله بالأمر ولكنهم أرسلوها إلى بيت أهلها، وقام الزوج بتطليقها بعد شهرين من زواجهما، وأشارت المتحدثة إلى أنها أخطأت كثيرا لعدم السؤال عن ذاك الخطيب جيدًا ولكنها حمدت الله لعدم إنجابها منه حتى لا يبقى أولادها مشتتين بين هذا وذاك.
أما السيد (ي.ب) البالغ من العمر 27 سنة والذي تزوج وعمره 24 سنة من شابة كان يرى فيها الزوجة المثالية، إلاّ أنه بعد زواجه منها أظهرت له وجهها الآخر الذي لم يعرفه أبدًا، وأضاف بأنها أصبحت تعامل والدته معاملة سيئة، تنهض في وقت متأخر ولا تقوم بأعمال المنزل وتتشاجر مع والدته وكأنها تتشاجر مع أحد صديقاتها، بالإضافة إلى أنها تتلفظ بكلمات غير محترمة حتى بحضوره، وأشار إلى أنها تخرج من المنزل دون أن تخبره بمكان ذهابها، فلم يتحمل الزوج هذا الوضع والمشاكل التي يواجهها كل يوم بين أمه وزوجته فطلقها بعد عام من زواجهما. في حين نادية التي تبلغ من العمر 32 سنة تزوجت من شاب تونسي وذهبت للعيش معه في تونس، وبعد زواجهما تغيرت معاملته معها وأصبح يشرب الكحول كثيرا ويدخل في وقت متأخر من الليل، وأضافت أنها عندما تواجهه وتطلب منه ترك المشروب يضربها ضربًا مبرحًا، فلم تتحمل هذه الحياة وطلبت منه السماح لها بزيارة أهلها في الجزائر فوافق، فقامت بأخذ كل الذهب الذي تملكه لكنها تركت ملابسها وحاجياتها حتى لا يشعر بشيء وعند وصولها إلى بيت أهلها طلبت منه الطلاق، وألحت كثيرا فطلقها بعد عام ونصف من زواجهما، وأخذت إبنتها الرضيعة التي لا تعرف إلى اليوم وجه أبيها.
في بعض الأحيان لا نجد أية مشاكل بين الزوج وزوجته ولكن الوالدين سواءً من طرفه أو من طرفها يسعون إلى خلق هذه المشاكل، كما حدث للأخ (عادل) الذي تزوج وهو لا يتجاوز 26 سنة من شابة في مثل عمره، فقد أشار إلى أنه في الأشهر الأولى لم ير عليها أي شيء يثير القلق، وقد كانت تعامله معاملة جيدة ولكنها بعد ذلك تغيرت وأصبحت ترفض أن تلبي له طلباته وتعامله ببرودة، حيث أنها كلما ذهبت إلى بيت أهلها ترجع إلى زوجها منقلبة المزاج، والسبب يعود إلى والدها الذي لا يحب زوج إبنته ودائما يشتمه ويقول لإبنته بأنه ندم على تزويجها منه وأنّ عليها تركه حتى يزوجها برجل أفضل منه، وأضاف أنه أصبح دائم الشجار معها لأتفه الأسباب، وفي يوم من الأيام جاء والد الزوجة ووالدتها للمبيت في بيت (عادل) وفي الصباح الباكر جمعوا كل أغراض إبنتهما وقالوا له أنهما سيأخذونها وعليه تطليقها، وأضاف أنه سأل زوجته إن كانت موافقة على كلام والديها فأجابته بأنها موافقة فطلقها ولم يمر عام بعد عن زواجهما.
محامي: «الرجل هو الخاسر في عملية الطلاق»
ولمعرفة السبب وراء إنتشار هذه الظاهرة في المجتمع الجزائري، أكد المحامي براهيمي حسان أن الجزائر تعيش مرحلة جديدة من الطلاق وهو طلاق المتزوجين الجدد الذي أصبح منتشرا بشكل رهيب، وأضاف بأن أغلب الأسباب تعود إلى أن المتزوجات صغيرات في السن فلا تجد لديهن النضج الكافي ولا يتحملن المسؤولية، وأضاف براهيمي بأن هناك حالات تكون فيها الفتاة قد ربطتها علاقة غرامية مع شاب تتزوج به بعد شهر أو شهرين تنشأ بينهما مشاكل عدة فيطلقان، وأحيانا نجد شباب يتزوجون بدافع المتعة بعد شهرين أو أكثر يطلقون، وقال براهيمي بأن حالات الخلع في الجزائر تفوق حالات الطلاق العادية وفي أغلب الحالات نجد المرأة هي التي تطلب الخلع، والسبب هو تسهيل الخلع للمرأة، وفي الأخير أشار المحامي إلى أن إرتفاع نسبة طلب الطلاق من الزوجات أكثر من الأزواج، فالمرأة لا تخسر أية أموال بالإضافة إلى أنها بعد الطلاق تتحصل على النفقة وغيرها من الأشياء، أمّا الرجل فهو الذي يخسر كل شيء بما في ذلك مصاريف العرس، تكاليف النفقة وغيرها.
نفسانية: «الطلاق ناتج عن عدم فهم المعنى الحقيقي للزواج»
وفيما يخص الأسباب النفسية وراء إنتشار الطلاق، تقربنا من الأستاذة سميرة فكراش مديرة البحوث والتطبيقات النفسانية التي أوضحت أنه ليس من أسباب الطلاق إصابة أحد الزوجين بإضطرابات نفسية، وإنما يرجع الطلاق إلى عدم فهم المعنى الحقيقي للزواج من قبل المتزوجين خصوصا بعدما عرفت الجزائر مرحلة إنتقالية من وضعية إجتماعية إلى أخرى، وأضافت فكراش أنه في الماضي كان هناك ترابط بين عائلتي الزوج والزوجة، فالعائلة هي التي تختار الزوجة وكانت نسبة الطلاق ضئيلة جدًا لأنه كان هناك ضغط إجتماعي من قبل العائلة يمنع الزوج من تطليق الزوجة، وأشارت إلى أنّ تطور المجتمع وتغير النظرة إلى قدوسية الحياة الزوجية أدى إلى إنتشار الطلاق بصفة كبيرة خصوصا في أوساط المتزوجين الجدد، والسبب الرئيسي هو إنعدام التأهيل لدى الزوجين، بمعنى أنه قبل الزواج على الزوجين أن يطرحوا على أنفسهم عدّة أسئلة من بينها الصفات التي أحبها في هذا الزوج؟ ماهي الأهداف المشتركة بين الزوج والزوجة؟ ولكن اليوم يتم الزواج دون أن يكون هناك تأهيل في هذا الخصوص، ما يؤدي إلى نشوء الخلافات بين الزوجين بمجرد زواجهما، وأخيرًا أضافت النفسانية فكراش بأنّ أحيانًا الطلاق يمنع من حدوث إضطرابات نفسية خصوصا لدى الأطفال، فعندما لا يحدث طلاق ويعيش الزوجين دائما في المشاكل، فإنّ الأطفال يتأثرون بتلك المشاكل ما يؤدي إلى إصابتهم بأمراض نفسية.
جعفري: «الزواج مؤسسة كبيرة يجب أن تبنى على أسس صحيحة»
ولمعرفة إحصائيات الطلاق في الجزائر والذي إنتشر بشكل خطير، تقربنا من جمعية المرصد الجزائري للمرأة وحسب ما أدلت به شايعة جعفري فإن إحصائيات الطلاق في مجملها والتي تخص الكبار والصغار وصلت إلى 50 ألف حالة طلاق، وأن نسبة الطلاق تزيد ب7 % في كل سنة، وكذلك نجد أن 11 % من الأسر الجزائرية أصبحت أسر أحادية الأبوين بمعنى أن الأبناء يعيشون إما مع الأب أو مع الأم، وقد صرحت رئيسة المرصد بأنّ الطلاق أصبح منتشرا بصفة كبيرة في الجزائر، حيث أننا نأتي في المرتبة 2 بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية وأن هذه الظاهرة تستلزم دراسة، وأضافت جعفري أنه بإعتبارهم كمرصد ومن خلال الدراسات التي قاموا بها، وجدوا أن السبب الأول الذي أدى إلى إرتفاع نسبة الطلاق هو الزواج غير القائم على أسس صحيحة، حيث أنّ شبابنا اليوم أصبح معياره الأول لإختيار شريك حياته هو المظهر وليس الجوهر، أي أنهم يبحثون عن الجمال وينسون الأخلاق، ولا يسألون أنفسهم إن كان هذا الزواج سيبنى على أسس قوية أم لا، وعندما يحدث هذا -حسبها- نجد أنّ الزوجين بعد شهر أو شهرين تبدأ المشاكل بينهما فيطلقان، وأشارت أنه لمعالجة هذه الظاهرة يجب الرجوع إلى قيمنا ومبادئنا، ونقول أن الزواج هو مؤسسة كبيرة يجب أن تبنى على أسس صحيحة. وذكرت جعفري أنه علينا أن نستفيد من التجارب الناجحة التي قامت بها بعض الدول التي تتشارك معها في نفس الدين والقيم مثل التجربة التي قامت بها أندونيسيا وماليزيا التي تتمثل في دورات تدريبية للمقبلين على الزواج، حيث لاحظوا من خلال هذه التجربة أنّ نسبة الطلاق تقلصت إلى 20 %، وفي الأخير أكدت جعفري أنه علينا الأخذ بهذه التجربة والعمل بها، ويجب على الأمهات أن لا يهيئن بناتهن من خلال تحضير «التروسو» بل عليهن تحضيرهنّ لتقبل الآخر كما هو.