عاشت قرية تبعليين ببلدية خيران بأقصى جنوبخنشلة مؤخرا على وقع أجواء حميمية باحتضانها التويزة ، التي تشكّل إحدى صور التضامن والتعاون في بعده الاجتماعي والثقافي المستمد من العادات والتقاليد الشعبية التي لاتزال عديد الجهات تتمسك بها، حفاظا على هذا الموروث من الزوال. وقد أقيمت هذه العملية التضامنية، التي أدرجتها مديرية الثقافة بالتنسيق مع الجمعيات المهتمة بالتراث المحلي، في إطار برنامج إحياء شهر التراث تحت شعار التراث الثقافي.. بين المعرفة والمهارة في زمن الرقمنة بمنزل ريفي من نمط البناء القديم المبني بالحجارة المصقولة والمغطى بسعف النخيل والتراب يحيط به فناء يعرف محليا ب الحوش . وقد حظي الفوج المتطوع الذي ينتمي أعضاؤه إلى جمعيات محلية تنشط في مجال التراث المادي واللامادي والذي تنقل إلى هذه القرية البعيدة قبل طلوع الشمس على مسافة تفوق ال100 كلم لدى وصوله بترحاب كبير من طرف سكان القرية وذلك على أنغام الموسيقى الفلكلورية و دوي طلقات البارود قبل التوجه إلى المكان المخصص للجلوس بجانب حائط المنزل لأخذ قسط من الراحة التي تسمى عندهم ب القعدة على الزرابي والوسائد التقليدية. وبعد هذه القعدة التي تقدم فيها القهوة وبعض الحلويات التقليدية والعسل، يشرع أهل القرية في نشاطهم بتوزيع المهام على الرجال و النساء للقيام بهذا العمل المتمثل في التويزة تحت أنظار الوفد الزائر و إطلاعهم بكل ما يتعلق بهذا النشاط الجماعي الذي يتم التحضير له مسبقا حتى يكون متكاملا وجاهزا يوم تنظيمه، حسبما قاله أحد سكان القرية، عبد الله، الذي تجاوز سن السبعين، إلا أنه لايزال يتمتع بكامل قواه. وقد لفت عبد الله الذي كان محاطا ببعض رجال القرية وهم يحملون المقصات الوفد إلى متابعة عملية جز صوف قطعان الغنم التي تنطلق مطلع كل فصل صيف لجمع الصوف والانتفاع به وكذا حماية رؤوس الغنم من الأمراض، بسبب ارتفاع درجات الحرارة فيما شرعت النسوة من جهتهن، وسط فناء البيت الواسع الحوش في تحضير طبق تقليدي يقدم إلى القائمين بعملية جز صوف الغنم في حركة نشيطة. ويتعلق الأمر بأكلة الطيمنة المصنوعة من التمر المحلي والممزوجة بالعسل والسمن وهو نوع من الذهن الغذائي. وأشار عبد الله إلى أن هذه الأكلة التقليدية موروثة عن الآباء والأجداد منذ القدم وعادة ما تقدم بمناسبة أي عمل تضامني أي التويزة . وتقدم حلوة الطيمنة أو الرفيس الزراوي بعد فطور الصباح وقبل وجبة الغذاء لتزيد من نشاط العاملين إلى جانب اعتبارها فأل خير ويقصد بها حمد الله، تعالى، على نعمه، مشيرا إلى أن التويزة التي تقوم بها مجموعة من الأفراد في وقت واحد وفي مكان محدّد، دون تقاضي أجر عليها تمثل عملا تضامنيا خيريا مشتركا. وأضاف عبد الله بأن هذا النشاط الجماعي الممارس منذ القدم والمتعارف عليه ب التويزة يسمح بإنجاز أي عمل دون تأخيره عند حلول وقته المناسب، على غرار حملات الحرث والبذر والحصاد والدرس وجز صوف الغنم وحفر آبار استخراج المياه وبناء المساكن وغيرها من الأعمال تتجنّد لها مجموعة من الرجال وتسخر لها الوسائل التقليدية المتداولة لدى سكان القرية أو الدشرة . ويستدعي نشاط التويزة المستمدة من عادات وتقاليد المنطقة إضفاء جو من الحماس في نفوس المتعاونين أو المتطوعين وبعث روح التضامن والتآزر التلقائي بين أفراد المجتمع، حفاظا على هذا الموروث وهو التويزة التي يتمثل تراثها اللامادي في ترديد الأهازيج والأغاني الشعبية ومن المادي في الأشياء المادية المرتبطة بها مثل استعمال الأدوات التقليدية.