براءة بمسؤوليات أكبر من أعمارهم شبكة ندى : أزيد من 4000 ألف طفل عامل بالجزائر مختصون: لا مستقبل دراسي للأطفال العمال في الوقت الذي يقضي فيه معظم الأطفال أوقاتهم على مقاعد الدراسة بعد الاستمتاع بالعطلة الصيفية على مستوى الشواطئ والغابات وحدائق التسلية، هناك أطفال لا يعرفون معنى العطلة أو الاستجمام إذ يفرض عليهم الواقع المعيش حياة قاسية تحول دون أن يعيشوا طفولة طبيعية، فالفقر والحرمان والأوضاع المعيشية المزرية تقف كحاجز بينهم وبين براءتهم منسية إياهم أنهم لا زالوا أطفالا وبراعم لم تتفتح بعد، لتدفع بهم لأن يكبروا قبل الأوان، ليقوموا بأعمال شاقة في سن مبكرة تفوق طاقتهم الصغيرة، مع ترك مقاعد الدراسة قسرا ليركضوا وراء لقمة العيش التي قضت على روح الطفولة لديهم. براءة تعيل عائلات بأكملها المشهد الذي يتكرر قبل كل دخول اجتماعي هو عبث وبحث العديد من أطفال العائلات المعوزة وسط أكوام القمامة بحثا عن أشياء قد يحصلون جراء بيعها على بعض المال تحت أشعة الشمس الحارقة التي لا تمنعهم من النهوض باكرا للتوجه نحو مكب النفايات من أجل انتظار الشاحنات التي تفرغ حمولاتها، بغية الظفر بأشياء ربما تكون ثمينة كالنحاس والبلاستيك الذي يعتبر من أكثر الأشياء التي يجمعها الأطفال من القمامات والنفايات خاصة الصلبة والصناعية منها نظرا لكثرة الطلب عليها، ورغم الروائح الكريهة والجو الملوث الذي يحيط بالمكان، غير أن هؤلاء الأطفال لم يمتنعوا عن ارتياد هذه الأماكن القذرة، وسط مخاطر الإصابة بمختلف الأمراض التي أقل ما يمكن القول عنها أنها فتّاكة، جراء النفايات المختلفة التي تصب من كل قطب وصوب، وخاصة مخلفات المستشفيات الممزوجة بشتى أنواع الجراثيم، ودون اي التفكير بخطر الإصابة بالعدوى او الامراض المعدية، فهمهم الوحيد أن يجمعوا الحصة الأكبر مما تفرغه الشاحنات من حمولات وسط ضحكات وبهجة، هذا ما أكده لنا الطفل البشير، 15 سنة، من بلدية المعالمة الذي التقينا به خلال جولتنا الاستطلاعية على مستوى إحدى المفرغات وتحديدا مفرغة زرالدة، شرق العاصمة، حيث حدثنا عن يومياته التي يقضيها بين مزبلة إلى أخرى باحثا عن خردوات ومعادن ليبيعها، مؤكدا أنه يرتاد هذا المكان رفقة صديق له باستمرار، على غرار أماكن متفرقة أخرى، باستعمال دراجة هوائية وهذا بسبب الفقر الذي تعيش به عائلته المكونة من 07 أفراد خاصة ان والده يعجز عن التكفل بمصاريف عائلته. هذه هي قصة الأطفال المتحولون في الجزائر يتحول أغلب التلاميذ الفقراء في الجزائر من مقاعد الدراسة وبسرعة إلى رجال ذوي مسؤوليات عائلية بمجرد أن يحصلوا على عطلة، فتجدهم يكدون من أجل توفير لقمة العيش للعائلة التي يعرفون معاناتها وهم في عمر الزهور، فتجدهم في كل مكان يبحثون عن هذه اللقمة حتى وإن كانت في القمامة، توجهنا إلى مفرغة زرالدة، هذه المزبلة التي تناطح السحاب تحتها مباشرة أطفال بعدد حشرات النمل يلتقطون أي شيء يفي لكي يكون لديهم مقابل مادي يسدون به رمق عائلاتهم، فأول ما شدّ انتباهنا ونحن بمفرغة زرالدة هو تسابق عدد من الأطفال للحاق بشاحنات تفريغ النفايات، حيث أكد أحد الاطفال الذي يدرس بالطور المتوسط أنه ترك مقاعد الدراسة منتصف السنة الدراسية الفارطة بحثا عن لقمة العيش دون اي اكتراث او اهتمام من طرف عائلته التي لم تمنعه من ترك دراسته، مشيرا الى أن العبث بالقمامات بات جزءا من يومياتهم ومصدرا للاسترزاق، وهو نفس الكلام الذي تحدثه الطفل حمزة، 13 سنة، الذي قال إنه يذهب إلى المدرسة نادرا، خاصة وأنه لا يحب أن يفوت عليه فرصة العثور على أشياء ثمينة ليبيعها، مؤكدا انه لا يريد الاستمرار في الدراسة بسبب عدم امتلاكه للإمكانيات اللازمة التي تمكّنه من ارتياد المدرسة بشكل يومي وطبيعي، معتبرا ان الإعتماد على النفس في كسب قوت يومه أولى من الدراسة. وحوش بشرية تتربص بأطفال القمامة بعيدا عن المخاطر الناجمة عن الروائح الكريهة النابعة من مخلفات المصانع والمستشفيات، هناك خطر كبير يتربص بهؤلاء القصر ممن يرتادون مكبات النفايات، وهو الإنحراف الأخلاقي وتعاطي كل أنوع الممنوعات، إذ يجد بعض الشباب في هذه الأماكن وكرا لتعاطي المخدرات بكل أنواعها، مستغلين خلو المكان وبعده عن أعين الناس، وبراءة الأطفال من جهة أخرى، حيث يسهل عليهم استدراجهم وجرهم إلى ما لا يحمد عقباه بعد إغرائهم ببعض المال مغتنمين فرصة الحاجة الشديدة لهؤلاء الأطفال الفقراء ليتغير بعدها منحى حياتهم من البراءة الطاهرة إلى الإنحراف، في ظل الغياب التام للأهل. المتسولون.. معاناة تحت الشمس أثناء خرجتنا الميدانية بالعديد من المناطق، شاهدنا تلك الظاهرة المألوفة التي تخللت المجتمع، وهي ظاهرة تسول الأطفال، ولكن ما لفت انتباهنا وأثار دهشتنا ليس تسول الأطفال، فهذا ليس بالجديد، بل استفحال الظاهرة وانتشارها على نطاق واسع بعدما استغنى معظم الأطفال المتسولين عن مقاعد دراستهم لامتهان التسول عبر محطات الحافلات، والمساجد والأماكن كثيرة الحركة، ناهيك عن الطرقات الرئيسية المحفوفة بالمخاطر، متنقلين من شخص لآخر طمعا في قطعة نقدية قد تخفف من قساوة الظروف المعيشية التي يعيشونها تحت أشعة شمس حارقة، وعند اقترابنا من أحد الأطفال الذي بح صوته من كثرة التسول فسألناه عن سبب تسوله، رد بكلمة واحدة لأنني فقير ، ليستطرد في الكلام قائلا أن والديه يفعلان الشيء ذاته وهم يطلبان منه المساعدة لكسب لقمة يومهم. تجار في عمر الزهور خلال بحثنا في هذا الملف عن يوميات الأطفال بعطلتهم الصيفية لهذا الموسم، استوقفتنا مجموعة من مختلف الفئات والأعمار تجوب الشوارع بحثا عن الرزق بأي طريقة، وبالصدفة ونحن مارون بالطريق الوطني لبلدية بابا علي، شاهدنا أطفالا بعمر الزهور وفيهم من لم يتجاوز سنه السادسة بعضهم يحمل المطلوع ، والبعض الآخر يحمل حليب الماعز، واقفين تحت أشعة الشمس على طرف الطريق الذي لا يخلو من المخاطر، منتظرين أن يتوقف أحد أصحاب السيارات ليشتري منهم، فما كان علينا سوى أن ننزل لنشتري المطلوع الساخن. وعلى حد قول صفية، الفتاة ذات ال9 سنوات التي باعتنا المطلوع ، فإن والدتها تحضّره بشكل يومي وفي ساعة جد مبكّرة، ونحن نتبادل أطراف الحديث مع صفية، جاء طفل من بعيد يحمل قارورة ويهتف حليب الماعز.. حليب الماعز ، حيث أصر علينا ان نشري بعدما أخبرنا أنه مفيد لضغط الدم والسكري وأمراض أخرى وبإلحاحه الشديد وإصراره الذي لم يتوقف، جعلنا نشتري منه لإرضائه فقط وبعيدا عن بلدية بابا علي وتحديدا ببلدية حمام ملوان السياحية وعلى امتداد الطريق، لم تخلو تلك المناظر التي نسرد وقائعها، من أطفال يبيعون أي شيء أوانٍ طينية، تحف من الفخار، ملابس تقليدية، ولعل أبرزها مأكولات تحضّر في البيت، على غرار المطلوع والبيض المغلي، ناهيك عن الأطفال القصر الذين يبيعون التبغ. أطفال بأوزان ثقيلة فيما يقضي أغلب الأطفال بمختلف الأطوار التعليمية حاليا معظم أوقاتهم على مقاعد الدراسة مجتهدين في طلب العلم وتحصيله أملا في أن يكون نورا يضيء دربهم مستقبلهم ومستقبل عائلاتهم، هناك أطفال يتواجدون في الاتجاه المعاكس لهذا الدرب، فنصيبهم من المعاناة فاق جميع التصورات، ونحن على مشارف استقبال سنة 2015 إلا أن هناك أطفالا لا زالوا يكدون ويركضون وراء لقمة العيش لسد جوعهم وسط ظروف قاهرة، فلا جسمهم الهزيل ولا سنهم الصغير يسمح لهم بتحمّل هذه المسؤولية إن لم تكن عبئا ثقيلا على عاتقهم، فرضها الواقع الاجتماعي عليهم والإهمال الأسري في ظل انعدام الرقابة، حيث من المؤسف أن نجد طفلا لا يتجاوز سنه ال13 سنة متواجد في ورشات العمل بملابس رثة يحمل أوزانا تفوق وزنه بكثير من إسمنت ورمل وآجر، معرضا حياته للخطر، وغيرها من الأعمال التي تفوق أعمارهم بكثير سواء كانت من ناحية الحجم أو من ناحية مضمونها كمسؤولية لا يقدرون على تحمّلها. رحلة البحث عن الخبز لا تنتهي مع اقتراب عيد الأضحى المبارك وبينما يفرح بعض الأطفال بكبش العيد، ينهمك آخرون في البحث عن لقمة العيش حيث يزداد انتشار الأطفال الذي يقومون بجمع الخبز اليابس عبر مختلف الأحياء السكنية في مختلف مقاطعات العاصمة، فمنذ الساعات الأولى للصباح، تبدأ رحلة هؤلاء من منطقة لأخرى ولعل أبرز محطاتهم الجزائر العاصمة حيث أصبحت مادة الخبز اليابس في الآونة الأخيرة مصدر رزق بعض العائلات المعوزة، وللموالين الذين وجدوا ضالتهم في اقتناء هذه المادة عوض الأعلاف ذات التكاليف الباهظة، حيث أخبرنا أحد الموالين الذين التقينا به بسوق الأربعاء الأسبوعي، أنه وجد في الخبز اليابس غذاء متكاملا للمواشي بفضل عدد من الأطفال الذين يجمعونه ويبيعونه إياه، وهو حال أحمد، 16 سنة، من بلدية أولاد فايت الذي يمتهن مهنة بيع الخبز اليابس، يجوب عادة أحياء بلدية الدرارية رفقة شقيقه مختار، ليجمع على متن حماره ما تيسر من خبز يابس، وعند سؤالنا لماذا تجمعان الخبز اليابس؟ كان ردهما: لأننا نملك المواشي، فبفصل الشتاء نرعى لوفرة العشب، أما بحلول فصل الصيف، فاعتمادنا الكامل يكون على الخبز اليابس ، وليس بعيدا عن بلدية الدرارية وفي إطار جولتنا الاستطلاعية ببلدية العاشور، صادفنا مجموعة أطفال يطرقون أبواب الفيلات الفخمة طلبا للخبز اليابس فيما كان البعض الآخر يجمع تلك الأكياس الموضوعة على الأرصفة خاصة بالقرب من المطاعم التي بدورها توفر هذه المادة بصورة شبه يومية، ونحن نشاهد كل هذا وذاك، اقتربنا من عمر، 14 سنة، وابن عمه زبير، 17 سنة، حيث أخبرانا أنهما يجمعان الخبز اليابس كل يوم ليذهبا نهاية الأسبوع إلى سوق الماشية بالحراش من أجل القيام ببيعه للموالين. أطفال يفترشون الأرض ويتغطون بالسماء رغم ما يبذل من مجهودات جبّارة لرعاية الأطفال من طرف الدولة، ومحاولة تنشئتهم على النحو الصحيح، إلا أن الواقع يفرض نفسه بسبب التذبذب وعدم الاستقرار الأسري كتسيب الأولياء وتنصلهم من تحمّل المسؤولية تجاه أبنائهم القصر، وتجدر الإشارة إلى أن الأمر ليس لصيقا بالعائلات الفقيرة فقط، بل يتعداه إلى العائلات ميسورة الحال أيضا، حيث لا يزال أطفال بعمر الزهور يجوبون الشوارع، ليقضوا حياتهم بين التسول والسرقة والمبيت في العراء، ولعل أسوأها هو تعاطي المخدرات وإدمانها نتيجة ظروف أسرية قاهرة وعدة أسباب أهمها طلاق الوالدين وانفصالهما، إضافة إلى الأوضاع المعيشية المزرية، والعنف الأسري، محدثا بذلك شرخا كبيرا في نفسيتهم، ليغير منحى حياتهم إلى نحو سلبي، فكثير من الأطفال فضّلوا الشوارع للعيش بعدما اعتبروه ملاذهم ومهربهم الوحيد خارج شيء اسمه إطار العائلة، ليحرموا من دفئ العائلة رغم أن الشارع لا يرحم. مختصون نفسانيون: الإهمال الأسري وراء نشأة أطفال مشتتين أشار العديد من أخصائي علم الاجتماع وعلم النفس، الذين رافقونا طوال مدة إعداد التحقيق، إلى أن المشاق التي يتحمّلها الطفل في صغره تنعكس في غالب الأحيان على توجهات شخصيته في المراحل التالية من حياته، كما أشار الدكتور بن حدادي فريد، أخصائي نفساني أرطفوني، إلى أن كل هذه العوامل ناتجة عن التربية السلبية للطفل والإهمال الأسري الذي يولّد الفراغ العاطفي ونقص حنان الأبوين، الذي يصنع طفلا غير مهيء للمراهقة، باعتبارها أصعب مرحلة في حياة الأطفال، كما أن بعض الأسر تنشىء أطفالها في جو يتعلمون فيه الكذب والسرقة مما قد يؤدي إلى انحرافهم بصورة تلقائية، ومن أبرز هذه العوامل طلاق الوالدين بغير تراضٍ، حيث تحدث تأثيرا سلبيا على نفسية الطفل وتجعله حاد المزاج ومشوش الذهن دائما، فقد ينحرف نحو الإجرام انتقاما من الواقع الذي عاشه، مشيرا في ذات السياق إلى أن التذبذب واللاأمان اللذان يعيشهما الطفل سيضلان ثابتان في شخصيته طوال حياته. مختص في علم الاجتماع: غياب التنشئة وراء استفحال جميع الظواهر السلبية في المجتمع أما عن الجانب الاجتماعي، فقد أضاف الأستاذ بن عمار لعروسي، أستاذ جامعي بجامعة السانية بوهران، أن الطفل بوجوده داخل الأسرة يجعلها تحرك نشاطها وفقا لنظام متنامٍ ومحكّم بحسب حاجات الأطفال المختلفة، التربوية، المعيشية، الثقافية وكذا الاجتماعية والسياسية، وعليه يمكن القول أن الأسرة تخدم المجتمع من توجيه خدماتها للطفل فالنشء المشبّع بالقيم الاجتماعية والتربوية ينعكس دوره إيجابيا على المجتمع بكامله، وإذا ما تم تشجيعه وتهيئته للخدمة العامة والحقيقة، يضيف المتحدث، فإن الأسرة ليست وحدها المسؤولة عن تلك التنشئة السليمة بل هناك دور لجميع الأطراف الفاعلة في المجتمع أيضا. يبدو جليا من خلال صقله إرادته ووطنيته وتكوينه لمهمة الدفاع عن الوطن، إذ لا يعقل أن يضيع المجتمع كفاءات بشرية ناشئة بسبب الشجارات العائلية وحالات الطلاق، حيث أن الطفل المضطرب يضر بالتفاعلات الاجتماعية نتيجة لعجزه الكبير عن تحمّله المسؤولية المضطلع بها، فإن كان مضطربا، يمتنع عن مزاولة الدراسة والتكوين، ويلجأ إلى الإدمان وتعاطي المخدرات، فتكون نشأته فاشلة، وبذلك يضر بمحيطه الأسري والاجتماعي، بحيث يعجز عن التحصيل العلمي والتقني والتكويني، ويعجز لاحقا في الحفاظ على أسرة متماسكة يسودها النظام والود والاستقرار والتسامح. شبكة ندى تدق ناقوس الخطر وتؤكد: أزيد من 4000 ألف طفل عامل بالجزائر أكدت حكيمة زيدان، المكلفة بالإعلام على مستوى الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل ندى ، أن ظاهرة العمالة عرفت استفحالا كبيرا في المجتمع، إضافة الى ظواهر أخرى على غرار العنف ومختلف الاعتداءات، حيث بلغ عدد الحالات المسجلة والمبلّغ عنها 16 ألف حالة تخص السنة الفارطة، بينهم 4787 يعيشون سوء معاملة او استغلال اقتصادي. وأشارت المتحدثة من جهة أخرى، إلى أن شبكة ندى أدرجت مشروعا لإنشاء مركز نشاطات الهدف منه إطلاق برامج ترفيهية وثقافية تخص هذه الفئة من الأطفال، قصد رعايتهم وإبعادهم عن كل طرق الاستغلال والاعتداء وكذا تقويم سلوكهم، مؤكدة ان الشبكة تقوم بالتنسيق مع المصالح الأمنية والمعنية كالأمن الوطني والدرك، للإبلاغ عن أي حالة تخص استغلال الأطفال من خلال مراسلات كتابية.