تحتفل الجزائر بالذكرى المزدوجة لهجوم الشمال القسنطيني 1955 ومؤتمر الصومام 1954 اليوم، والذي يصادف تاريخ 20 أوت من كل سنة، هذين الحدثين كان لهما وقع كبير في دفع الثورة الجزائرية الى الأمام وشكلا المنعرج الحاسم للتطبيق الدقيق لإستراتيجية فك الحصار وتعميم الكفاح المسلح وإعادة تنظيمه. هجمات الشمال القسنطيني كذبت إشاعات القضاء على الثورة ما إن أشارت عقارب الساعة إلى منتصف النهار من يوم السبت الموافق ل20 أوت 1955، حتى انطلقت أكثر من 39 عملية هجوم مدوية عبر كامل مناطق الشمال القسنطيني والتي قادها الشهيد زيغود يوسف وتحولت مدينة سكيكدة عن آخرها مع مدن سمندو، الحروش، القل، وعين عبيد وسيدي مزغيش وعزابة وغيرها إلى فريسة صيد انقض عليها ثوارنا البواسل بقيادة الشهيد البطل زيغود يوسف بما في نفوسهم من إيمان لا يتزعزع وما في حوزتهم من أسلحة جد تقليدية وأدوات تخريب محدودة تمثلت في القارورات المعدنية والكبريت والخناجر والفؤوس وكميات قليلة من البنزين ساعدت هذه المواد في بساطة تركيبها نسبيا على إنجاح إستراتيجية الهجومات التي شلت أركان الاستعمار وخططه الجهنمية بفضل إرادة التنفيذ المحكمة للمجاهدين من جهة، وفكّكت تعزيزات القوات الاستعمارية الضخمة المركزة على الولاية الأولى (أوراس النمامشة) من جهة ثانية. كما زادت من نفس الكفاح المسلح ووسعت دائرة انتشار العمليات الحربية لجيش التحرير الوطني في كل أرجاء الجزائر ممزقة في ذلك الحلم الاستعماري القاضي بإجهاض الثورة الجزائرية في المهد وفصلها بأي حال عن التفاف الجماهير الشعبية حولها. وأمام هذا الانتصار الرائع لجنود جيش التحرير الوطني، اضطرت القيادة العسكرية الفرنسية إلى تغيير خططها وبرامجها لمواجهة المجاهدين، فراحت ترتكب المجازر الرهيبة في حق أبناء الشعب الجزائري، من أجل إيقاف المد الثوري وفصل الجماهير الشعبية عن الالتفاف حول جيش التحرير الوطني، وبالرغم من الأعمال الإجرامية التي ارتكبها الجيش الاستعماري منها خاصة الابادة الجماعية للسكان على مدى أسبوع كامل، فإن الثورة التحريرية من جهتها، فرضت في الميدان واقعا معاكسا تماما لأحلام الاستعمار، أما من جانب فرنسا، فالهجومات قبرت كل خططها العسكرية، وقد ردّت السلطات الفرنسية بوحشية لا نظير لها على الهجمات الجريئة لجيش التحرير الوطني، إذ شنت حملة توقيف وقمع واسعة استهدفت الآلاف من المدنيين وأحرقت الأراضي وقصفت القرى جوا وبرا وقامت الإدارة الفرنسية بتسليح الأوروبيين، فشكّلوا ميليشيات فاشية وعمدوا على الانتقام من المدنيين العزل وارتكبت قوات الاحتلال مجزرة كبيرة في ملعب فيليب فيل بسكيكدة، أين حشرت الآلاف من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ وأعدمت العديد منهم. وقد ذهب ضحية الحملة الانتقامية للسلطات الاستعمارية العسكرية والمدنية والمليشيات الفاشية، ما يقارب ال12000 جزائري. مؤتمر الصومام ساعد على نجاح الثورة تحقق التجاوب مع الثورة، بعد الهجوم الشامل الذي شهدته المنطقة الثانية في 20 أوت 1955، والذي أعطى للثورة نفسا جديدا، وأسقط الحصار الإعلامي الذي كان مضروبا على الجزائر، ونمى في المقابل، حالة الرفض بالالتحاق بالجزائر في نفوس الجنود الفرنسيين، فيما دخلت القضية الجزائريةالاممالمتحدة. وأمام هذه الانتصارات، كان لابد لقادة الثورة من الاجتماع لتقييم المرحلة السابقة والاستعداد للمرحلة اللاحقة، فبدأت الاتصالات فيما بينهم، وتم كذلك اختيار الزمان والمكان لعقد الاجتماع في 20 أوت 1956 بمنطقة إيفري بوادي الصومام، نظرا لموقعها الجغرافي والاستراتيجي الممتاز، حيث تتوسط البلاد وتجاور غابة أكفادو المعروفة بكثافتها ومناعتها. وجاء مؤتمر الصومام ليرتب عمل الثورة وينظمه حيث شملت أهداف المؤتمر بالأساس، تقييم ودراسة الحالة السياسية والعسكرية للثورة منذ أول نوفمبر 1954 ووضع تنظيم جديد يتماشى مع تطورها، وإستراتيجية جديدة تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الداخلية والخارجية، وساعد مؤتمر الصومام على وضع مؤسسات ضمنت استمرارية الثورة، حيث عملت الهيكلة الجديدة على ضمان السيطرة على التطور والنشاط الكبيرين اللذين شهدتهما الثورة في مختلف الميادين بينما ساعد النظام العسكري الجديد الذي وضعه المؤتمر على السيطرة واستيعاب الأعداد الكثيرة من المواطنين الذين التحقوا بجيش التحرير، حيث زاد إقبال المتطوعين على الانخراط في صفوفه طلبا للاستشهاد في سبيل الوطن، وهكذا عمت العمليات العسكرية كل التراب الوطني وتعدّدت هجومات وحدات جيش التحرير الذي ارتفع عدده خلال هذه المرحلة إلى حوالي 20 ألف مجاهد، بالإضافة إلى عدد مماثل من المسبلين والفدائيين من 12 إلى 13 ألف قطعة من الأسلحة الحربية من بينها قطع حديثه كالرشاشات ومدافع الهاون التي بدأت تدخل من الخارج ابتداء من سنة 1956، وهو ما مكّن من تكوين الفصائل والكتائب في أواخر هذه السنة وأتاح فرصة خوض المعارك بتشكيلات منظمة كبّدت العدو خسائر كبيرة تكللت بالانتصار وافتكاك الاستقلال في الخامس من شهر جويلية 1962