لطالما كانت القصبة العتيقة من أهم الأماكن التي تزخر بالصناعة التقليدية، حيث يعرض أبناؤها الحرفيون أجمل صناعاتهم التقليدية في أزقتها العريقة، بل أن شهرتها تعدّت حدود الوطن بفضل إقبال السياح الأجانب عليها، غير أن اليوم أصبحوا قلة قليلة يتحدون الزمن ليحافظوا على جزء هام من التراث الثقافي الجزائري، وهو ما رواه الحرفي عمي الهاشمي الذي الْتقت به السياسي خلال زيارتها للقصبة وبالتحديد إلى حي حسين بورحلة، أين يزاول عمي الهاشمي نشاطه بكل إتقان على أمل أن يرجع لصناعة النحاس مكانتها والحفاظ على الإرث الثقافي الجزائري. عمي الهاشمي يروي ل السياسي تجربته في صناعة النحاس ونحن نتجول بين أزقة القصبة العريقة استضافنا عمي الهاشمي في ورشته ليروي لنا تاريخ عمره ال58 سنة مع النحاس، ليقول في هذا الصدد محدثتنا (أصبح من الصعب عليا التقاعد لذا أفضّل أن أفني حياتي في هذه الحرفة التي تعرف تراجعا كبيرا) معربا في نفس الوقت عن مدى تعلقه بصناعة النحاس، فعلى الرغم من تراجع الاهتمام بهذه الحرفة، إلا أن عمي الهاشمي أبى إلا أن يتمسك بها ويعيد الاعتبار لها. يسترسل محدثنا كلامه ويقول بدأ مشواري المهني في صناعة النحاس سنة 1958 وعمري لا يتجاوز 16 سنة، وذلك جراء تأثري بأحد الحرفيين الذي لاحظ اهتمامي بالحرفة فاقْترح عليّ العمل معه وبدون تفكير قررت تعلم الحرفة، ومنذ ذلك الوقت وأنا أمارس هذه الحرفة وعليه لم أنكر جميل ماعلمه لي الحرفي آنذاك، وعليه قمت بتكوين حوالي 22 متربصا من بينهم شابتان جامعيتان.
الإلهام مصدر الإبداع يتذكر عمي الهاشمي أول آنية صنعها بعدما تعلم أصول النقش على النحاس، حيث قال (لم تكن حرفة النحاس سهلة بالنسبة لي، ولكن حبي لها وإصراري على تعلمها جعل مختلف الصعوبات تهون، خاصة وأن معلمي كان في كل مرة يشجعني ويدعمني بمزيد من العطاء). وأذكر أن أول قطعة صنعتها كانت عبارة عن صينية نقشتها، وشيئا فشيئا أتقنت كل فنون حرفة النحاس، ولعل ما ظل راسخا في ذهني من نصائح معلمي (أن النقش على ورقة النحاس، لا بدّ أن يكون بإلهام من المخيّلة لنبلغ الإبداع).
هذه هي بعض أسباب تراجع صناعة النحاس ونحن نتحدث مع عمي الهاشمي، أكد لنا أن صناعة النحاس اليوم تراجعت بشكل رهيب في حي القصبة، مرجعا ذلك إلى عدة أسباب قائلا (قلة المادة الأولية جعل بعض الحرف تتراجع). وأضاف محدثتنا (سابقا كنا نحصل على النحاس من إحدى الشركات بالحراش والتي توقفت عن العمل منذ 25 سنة، أما الآن فالمورد الوحيد لهذه المادة الأولية، أصبح بقايا النحاس يأتينا من القليعة، وما أذكر في الماضي أني علّمت ما يزيد عن 60 حرفيا لتوفر مادة النحاس، أما الآن فقد أصبحت عاجزا عن التعليم بسبب قلة المادة الأولية، فمادة النحاس لم تعد متوفرة حيث نقوم باسترجاع بعض القطع ونحاول تكييفها. ما أتطلع إليه إن توفرت لديّ المادة الأولية -يقول عمي الهاشمي- هو البحث في تاريخ النحاس لإعادة بعث الأدوات التي كان يصنعها أجدادنا قبل وخلال العهد العثماني، مؤكدا أن النحاس كحرفة لم تأت مع العثمانيين، لأن الحرفي الجزائري كان يحترف صناعة النحاس قبل ذلك بكثير.
الفنيق و محبس النوار حرف تروي تراث النحاس ونحن في ورشة عمي الهاشمي لفت انتباهنا تلك الحرف المصنوعة من النحاس والتي تترجم لناتاريخ هذه الصناعة التي لا تزال صامدة بالرغم من جملة المشاكل والعراقيل التي تواجه الكثير من الحرفين، على حد تعبير عمي الهاشمي. الفنيق، محبس لعروسة، جرة الماء من النحاس الأحمر، مهراز، سنيوة لفلوكة، محبس النوار، هي تحف ترتبط كل قطعة منها بمناسبة معينة كالأعراس ورمضان وعيد الفطر والاضحى وغيرها من المناسبات الأخرى. وحسب محدثتنا، فإن هذه الأخيرة وبالرغم من اندثارها، إلا أن بعض العائلات الجزائرية لاتزال تحافظ عليها لإعْتبارها من الثراث والتقاليد العريقة.