عندما تهدأ العاصمة ليلاً وتخيم السكينة في أحيائها، ويعود الجميع لمنازلهم تبقى فئة المشردين في الشارع تبحث عن مكان لقضاء الليل، هم رجال ونساء، أطفال وشيوخ يفترشون الكرطون ليلاً، يقاومون البرد القارص في وسط تنعدم فيه شروط الأمن والنظافة وكل شروط الحياة، وهو ما لاحظته السياسي و هي تقضي احدى الليالي الباردة رفقة هؤلاء الاشخاص بدون ماوى رفقة مجموعة من الشباب المتطوعين للتقرب من هذه الفئة ومعرفة أسباب تواجدها بالشارع وعدم توجهها لدور الإسعاف الاجتماعي فوقفنا على حقائق يندى لها الجبين خاصة بعدما امتزجت هذه الأخيرة ببعض المظاهر الاجتماعية . السياسي تقضي ليلة رفقة المشردين و ترصد معاناتهم كانت الساعة تشير الى الثامنة ليلا حين انطلقت السياسي في جولتها لقضاء ليلة في عز البرد رفقة الاشخاص بدون ماوى فكانت بداية رحتلنا من شوارع العاصمة و بالتحديد بساحة اول ماي حيث توافد حوالي 20 شخصاً معظمهم رجال جاءوا من ولايات أخرى للبحث عن عمل أو للتسول، واصلنا التعمق في قلب العاصمة، وكانت المحطة الموالية شارع حسيبة بن بوعلي، حيث كان بانتظارنا أكثر من 10 اشخاص من بينهم نساء من بنات قصر وأمهات مطلقات وعجائز، رفضت العديد منهن الحديث معنا، فتقربنا من خالتي طاوس لتسرد لنا تفاصيل التي جعلتها تقطن تحت جدران احد المحلات وتسترسل قائلة: انا هنا منذ ازيد من 13سنة بعدما كنت اقطن مع عائلة زوجي اذ كانت حماتي تخلق المشاكل بيني وبين زوجي فلم اتحمل ذلك ولم اجد سوى الشارع يحتضنني لكي اعيش عيشة هنية ولكن بمجرد خروجي عشت و خلال حديت مطول جمعنا مع خالتي طاوس اتضح انها من بين النسوة اللواتي عاشرن الأرصفة لسنين طوال في حسب ما صرحت به لنا، وكشفت لنا بعض أسرار المتشردات الأخريات اللواتي انضممن إلى فئتهن لغرض التسول ويفترشن الأرض لذات الغرض ولا يعدن لمنازلهن قبل منتصف الليل.وقد اجتمعت قصة عمي حسين صاحب 60سنة مع قصة خالتي طاوس تحت عنوان الشارع ارحم بعدما طرده اولاده لانه اصبح غير قادر على توفير ما يحتاجونه فلذات اكباده خاصة بعدما اصبح طاعن في السن وبلغ به الشيب ولم يجد هؤلاء سوى وسيلة واحدة وهو التخلص منه على طريقة الافلام الغربية وبقلب يتقطع الما عما فعله به فلذات اكباده وما وصل اليه وانه اصبح يقتات من الصدقات التي يعطيها له المحسنين او ما يصدقه عليه بعض العائلات المجاورة له. اما فيما يخص الفراش الذي ينام عليه يقول لنا: بانه ينام على فراش تنبعث منه روائح اشبه بالروائح التي تخرج من اسطبل الحيواناتوقد يختلف الأمر بالنسبة لمحمد صاحب 30 ربيعا الذي بدأ رحلته مع التشرد منذ ازيد من 03 سنوات اذ كان جالس في رصيف مقابل مستشفى مصطفى باشا والشرود قد ذهب به الى حد بعيد جعله يتكلم وحده والدموع تغمرعيناه ولما اقتربنا منه وسألناه عن سبب وجوده على هاته الحالة امتنع عن الإجابة ولكنه سرعان ذلك اخذ نفسا عميقا فتح لنا من خلاله قلبه ليروي لنا تفاصيل قصته المؤثرة قائلا بانه لايستطيع البقاء تحت سقف واحد مع اخواته السبع اضافة الى أبويه الكبار السن في بيت مكون من غرفتين ليختارالتضحية بنفسه وينام على قارعة الطريق من اجل ان تعيش اخواته في نعيم حسب ظنه وامام مقربة من حديقة صوفيا اختارت عائلة مكونة من 05 افراد احد الحافلات القديمة ماوى لهم خالقين لانفسهم جو حميمي تسوده اجواء التشرد والحرمانونحن نتجوّل في الدويرة التقينا بعمي مختار فهو لم يتذكرحتى اسمه او سنه، فهو عجوز اختار الشارع بمحض إرادته لأنه يعتبره أرحم من بيته الذي كان يقطنه رفقة ابنه وزوجته التي لم تكن تحتمله واليوم هو يتخذ قبو العمارات مسكنا له، حيث يخلد إليه ليلا للنوم ويغادره في الصباح الباكر بعد أن يترك فراشه أمام أحد بائعي الجرائد. وعندما كنا نتجول ليلا نبحث عن هؤلاء المتشردين التقينا ب فايزة ، بالقرب من مسجد بلدية دويرة ، تفترش الأرض على قطعة كارطون رفقة طفلها صاحب الاربع سنوات ، اقتربنا منها وكان لها ما تقول عن حالتها المزرية طيلة 4 سنوات عائلات باكملها تفترش الكرطون و تواجه البرد القارص وفي أزقة باب الوادي، وجدنا عددا كبيرا من النساء مع أطفالهن يبيتون في الشارع، تقربنا من إحداهن خيرة التي كانت رفقة رضيعها و زوجها المريض كان مآلهم الشارع بعد أن طردوا من منزل العائلة ببوزريعة بعد طلاق الوالدين وموت الأم، وما شد انتباهنا عند حديتنا مع خيرة وجود شباب من أبناء الحي يقومون بحراسة السيارات ليلاً كانوا يراقبوننا عن كثب، وعندما سألنا عنهم قالت لنا إنهم يحمونها ليلاً، فقد تعرضت لعدة مضايقات خاصة ليلاً من طرف منحرفين ولكن كان هؤلاء الشباب بالمرصاد لهم كما أخبرتنا أنه منذ ازيد من 4 اشهر و هي في الشارع تعاني الويلات . ظروف اجتماعية قاسية جعلت منهم مشردين و مختلين عقليا واصلنا التجوال ليلاً بين أزقة العاصمة، ونفس الصور التي شاهدناها كانت تتكرر مناظر للبؤس والحرمان يضعها الليل تحت المجهر لتظهر بشكل أوضح، رغم العامل المشترك للعديد من المشردين وهو الكتمان، فلكل منهم قصة مبهمة يرفض الخوض فيها ويبقى صابراً، ولكن ما لمسناه اثناء تقربنا من العديد من المشردين معاناتهم من مشاكل نفسية، ليسوا مجانين بل بالعكس وجدنا فيهم أساتذة ومثقفين، ولكن معظمهم أصيبوا بصدمة نفسية جعلتهم يفضلون العزلة وحياة الشارع، لهذا البعض منهم يرفض بشدة دور الإسعاف، كما نجد فئة أخرى لم تدفعها المشاكل العائلية والصدمات النفسية وحدها للشارع وإنما حصروا الأمر في المشكل المادي، حيث أضحوا عالة على عائلاتهم وأصبحوا يعيشون على هامش المجتمع لعدم توفرهم على عمل، مما جعلهم مستهلكين فقط، حسب ما أخبرنا به شاب في ال 25 من عمره أتى من ولاية الشلف. و نحن نتجول بين شوارع العاصمة و بالتحديد ببلدية بلكور شد سمعنا صوت احد المتشردين الذي كان يصرخ بأعلى صوته مرددا كلمات تقشعر لها الابدان لا احد منا يستطيع الاقتراب منه او يكلمه خوفا من ردود افعاله فهذه المشاهد نراها كل يوم يكون أبطالها مختلون عقليا لا يستطيعون التحكم في افعالهم يقومون بحركات تزعج المارة. على غرار ذلك المتشرد كانت هناك فتاة في مقتبل العمر من الوهلة الاولى تظهر لك وهي في كامل قواها العقلية وبمجرد الاقتراب ترى العكس فهي تقوم بتقطيع جسدها بشفرة حلاقة وتصرخ بأعلى صوتها نقتل روحي لوكان واحد يقرب ليا ..... كرهتكم يا رجال و اخرون يتنكرون في زي المتشردين لاستغلال ماتقدمه الجمعيات لهم و نحن نعيش هذه الليلة الباردة وسط هؤلاء المشردين شد انتباهنا تصرف البعض من هؤلاء الأشخاص دون ماوى عند وصول بعض الجمعيات لتوزيع الافرشة و بعض الوجبات الساخنة اي اقدم بعض المحتالين على رسم خطة محكمة لشراء بعص المواد المحظورة بالاختباء وراء زي المشردين منتظرين ما يحضره ذوي البر والاحسان للاشخاص الذين يقطنون في الشوارع من ملابس وافرشة . ليعاد بيعها في الاسواق و هو ما لاحظناه اثناء خرجتنا الاستطلاعية وهو ما اكدته خالتي فاطمة صاحبة 50سنة التي تقطن في قبو عمارة بانها تعرضت الى الضرب والجرح من طرف احد السكارى بعد ان طلب منها ان تعطيه مبلغ 05 ملايين وهي رفضت طلبه لانها لم تمتلك ذلك المبلغ وهو ماجعله ينهار عليها بالضرب مسببا لها بعض الكسور في يدها و اخذ منها ما قدم لها من طرف المجمعيات و المجموعات الخيرية من اغطية ليعيد بيعه الموت والأمراض تتربص بهم في أي لحظة و نحن نعيش بعض اللحظات التي يعيشها هؤلاء المشردين لايام طويلة اكتشفنا المحن التي يواجهها هؤلاء باختلاف الفصول فبعد مواجهة صيف حار وحرارة لافحة للأجساد هم الآن في مواجهة فصل شتوي غاضب لا يمر بسلام عليهم، ويستنجدون بالالتفاتات التي تطلقها الجمعيات هنا وهناك لتوزيع البطانيات والأطباق الساخنة، إلا أنها التفاتات يبقى مستواها ضئيل مع امتداد فصل الشتاء إلى أكثر من ثلاثة أشهر، بحيث نجدهم عرضة للأمراض الشتوية وحتى الموت من شدة البرد القارس وهو ما اكدته العديد من الجمعيات في اتصال ل السياسي ، بحيث عادة ما تتصادف بمشردين في حالة متدهورة من شدة البرد واكتسابهم لأمراض شتوية حادة كالسعال والزكام وحتى الأمراض الخطيرة كمرض السل نتيجة الحالة المزرية التي يتجرعونها عبر الأرصفة والأقواس، لاسيما وأنهم يفتقدون إلى الرعاية الصحية الدورية ولا يستفيدون إلا في مرات قليلة من حوم سيارات الإسعاف التابعة لمراكز الإسعاف الاجتماعي وبعض الجمعيات. وذلك ما وقفنا عليه في مرات عدة بعد احتكاكنا بتلك الفئة الهشة من المجتمع التي تعاني الأمرين لتزداد بذلك محنتهم خلال هذه الايام الباردة و هوما اعربت عنه خالتي طاوس و التي قالت أن فصل الشتاء هو فصل صعب على فئاتهم وفي العادة ما تحتمي بقبو بعض العبارات ، ونست محنتها وقالت إن كبار السن وكذلك الأطفال الصغار هم أكثر فئة تتأثر بسوء الأحوال الجوية وانخفاض درجات الحرارة إلى أقصاها من دون أن تنسى المشاكل الأخرى لتتواصل بذلك معاناة هؤلاء الاشخاص بدون ماوى في انتظار تحرك مراكز الاسعاف الاجتماعي .