على الرغم من أن بريطانيا لم تعلق بعد رسمياً على نية الفلسطينيين مقاضاتها بسبب وعد بلفور، فإن رد الفعل الأول جاء من إسرائيل. فقد خرج عوفير غندلمان، المتحدث باسم رئيس الوزراء، بتصريح نقلا عن بنيامين نتيناهو، قال فيه: بعد نحو 4000 عام من التاريخ اليهودي على هذه الأرض، وقرابة مئة عام على إعلان بلفور، و68 عاما على إقامة دولة إسرائيل؛ هنالك من لا يزال ينكر صلتنا الوطيدة بأرضنا . وأضاف: لقد سمعت أن السلطة الفلسطينية تنوي مقاضاة بريطانيا حول إعلان بلفور. ومعنى ذلك أنها لا ترفض الدولة اليهودية فحسب، بل هي ترفض البيت القومي اليهودي الذي سبق الدولة اليهودية . وأكد نتنياهو في تصريحه المكتوب أن السلطة ستفشل في ذلك؛ ولكن هذا يسلط الضوء على أن جذور الصراع تعود إلى الرفض الفلسطيني للاعتراف بالدولة اليهودية مهما كانت حدودها . الخارجية الفلسطينية، وبعد أيام من القنبلة السياسية التي فجرها الرئيس محمود عباس في قمة العرب بنواكشوط، طالبت بريطانيا باتخاذ خطوات أولية في هذا الصدد، تتمثل في تقديم اعتذار رسمي تاريخي من أعلى الهيئات الرسمية البريطانية إلى الشعب الفلسطيني، نتيجة لما حلَّ به بسبب وعد بلفور والانتداب، من تشريد ودمار وتهجير وقتل ومعاناة مستمرة، على أن يرافق الاعتذار اعتراف رسمي بريطاني بدولة فلسطين في حدود الرابع من حزيران عام 1967، على أن تكون القدس الشرقية عاصمة لها، وذلك كجزء من عملية تصحيح للظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني . وحول أسباب اللجوء إلى هذه الخطوات وتوقيتها، علقت الخارجية الفلسطينية بأن الأمر يعود إلى أنباء تحدثت عن تنظيم مسؤولين بريطانيين احتفالا بالذكرى المئوية الأولى لهذا الوعد بمشاركة إسرائيل، وكأنه إنجاز مشترك ضمن هذه الصيغة المقترحة. صلاح خواجا، الناشط في اللجان الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان، كشف النقاب عن تنظيم حملات دولية في الذكرى المئوية الأولى لوعد بلفور، وذلك للمطالبة بخطوات واضحة وجريئة تدعو بريطانيا إلى الاعتذار والتعويض؛ مشدداً على ضرورة ألا تتراجع القيادة الفلسطينية عن خطوتها هذه، وأن تسعى لخلق حالة تكامل شعبية ورسمية في الجهد المقبل حتى الشروع بحراك دبلوماسي وقانوني لتحميل المسؤولية لكل من يدعم الاحتلال . المسار الدولي الذي اتخذته القيادة الفلسطينية مؤخراً، بالتوجه إلى المؤسسات والمنظمات الأممية والحقوقية والمحاكم الدولية، يشير إلى أن مسألة طلب الاعتذار البريطاني تعدُّ خطوة على نفس الطريق، الذي يدفع باتجاه إعادة قضية فلسطين إلى مقدمة الاهتمامات والأولويات الإقليمية والدولية، وذلك بعد غياب تسببت به أحداث ما يعرف ب الربيع العربي مع ما جلبته من كوارث تشهدها دول مثل سوريا واليمن وليبيا.بعد مضي قرن من الزمان على وعد بلفور، لا يتوقع الفلسطينيون اعتذاراً أو التزاماً بريطانياً بتصحيح خطأ تاريخي دمر ماضيهم وحاضرهم، ومن دون شك مستقبلهم الجمعي. وفي حال تحقُّق خطوة مقاضاة بريطانيا فعليا، فستكون نابعة من حالة اليأس وانعدام آفاق الحل السياسي ومحاولات إسقاط القضية الفلسطينية من قائمة الأولويات الدولية.. هذا إذا لم يتم وأد الفكرة في مهدها قبل أن تبصر النور.