تعتبر عملية مراجعة الدستور، التي تدخل سنتها الأولى اليوم الثلاثاء، بمثابة تتويج للإصلاحات السياسية التي باشرها رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، بهدف تعزيز دولة القانون وتكريس الديمقراطية وضمان تنمية اجتماعية واقتصادية مستدامة. وقد تمت المصادقة على التعديل الدستوري يوم 7 فيفري 2016 بالأغلبية الساحقة لأعضاء غرفتي البرلمان (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة) طبقا لأحكام المادة 176 من الدستور، وترجمت المصادقة توافقا تحقق بعد عدة جولات من المشاورات الواسعة مع الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية وممثلي المجتمع المدني. ويرتكز التعديل الدستوري على أربعة محاور تتعلق بتدعيم الوحدة والانسجام الوطنيين وتعزيز الممارسة الديمقراطية وترقية الحريات الفردية والجماعية، بالإضافة الى بعث تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة. ولتكريس قيم السلم، تم في ديباجة الدستور ادراج قيم السلم والمصالحة الوطنية، كما شملت هذه المراجعة ترقية الامازيغية الى لغة رسمية بعد أن أصبحت في 2011 لغة وطنية. ومن المقرر إنشاء أكاديمية جزائرية للغة الأمازيغية قصد تكريسها كلغة رسمية وذلك في إطار تعزيز أسس الهوية الوطنية المتمثلة في الاسلام والعربية والأمازيغية. وبخصوص ممارسة الديمقراطية، وحرصا على تكريس التداول على السلطة من خلال انتخابات حرة ونزيهة، نصت المادة 74 على أن رئيس الجمهورية المنتخب لعهدة مدتها خمس سنوات يعاد انتخابه مرة واحدة، مع التأكيد على أن هذا البند غير قابل للمراجعة. وفي مجال الحياة السياسية والمؤسساتية، أصبح للمعارضة البرلمانية الحق في إخطار المجلس الدستوري الذي تدعمت استقلاليته، كما أن مشاركتها الفعلية في الاشغال البرلمانية والحياة السياسية مكرسة، لاسيما فيما يتعلق بمراقبة العمل الحكومي. ومن المكاسب الديمقراطية التي جاء بها الدستور المعدل، تأسيس هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات بهدف تعزيز مصداقية الانتخابات والسهر على شفافيتها ونزاهتها الى غاية الإعلان عن النتائج. وقد التزم الرئيس بوتفليقة في رسالته له بمناسبة الذكرى ال62 لاندلاع الثورة التحريرية، بالسهر على تجسيد واحترام الضمانات الجديدة الخاصة بالشفافية التي أقرها الدستور، داعيا المواطنين الى التحلي بوعي أكبر في اختيار ممثليهم حتى تعمل المجالس التي سيتم انتخابها على إنجاح الإصلاحات. وتهدف المراجعة الدستورية أيضا الى تحسين سير المؤسسات على اساس مبدأ الفصل والتعاون بين السلطات. من جهة أخرى، نصت المادة 77 على أن رئيس الجمهورية يستشير الأغلبية البرلمانية في تعيين الوزير الأول، الذي أصبح، بموجب هذا التعديل، يعرض مخطط عمل الحكومة أمام نواب المجلس الشعبي الوطني للموافقة عليه. ومن بين المحاور التي تضمنتها المراجعة الدستورية لسنة 2016 ترقية وحماية الحريات الفردية والجماعية وكذا استقلال العدالة، حيث تنص التعديلات الجديدة على أن حرية الصحافة وكذا حرية التظاهر سلميا وحرية المعتقدات مضمونة في إطار القانون. ومن مكاسب هذاه المراجعة أيضا استحداث مجلس وطني لحقوق الإنسان يتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية ويعمل على ترقية وحماية حقوق الإنسان. وينص الدستور من جهة أخرى، على أن الدولة تعمل على ترقية التناصف بين الرجال والنساء في سوق العمل وتشجع عل ترقية المرأة في مناصب المسؤولية في المؤسسات الإدارية العمومية وكذا على مستوى المؤسسات. وفيما يتعلق بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية، أكد الدستور المعدل على أن الشعب الجزائري يظل متمسكا بخياراته من أجل الحد من الفوارق الاجتماعية والقضاء على أوجه التفاوت الجهوي من خلال بناء اقتصاد منتج وتنافسي في إطار التنمية المستدامة، بالإضافة الى ان الدولة تشجع ازدهار المؤسسات دون تمييز، خدمة لتنمية اقتصادية متنوعة. ويعطي الدستور هوية للاقتصاد الوطني تكون فيها المؤسسات المحدثة للثروة والشغل محركا للنمو. وفي نفس الإطار، يعزز بعض الخيارات الإستراتيجية المتمثلة في حماية الملكية العمومية للمناجم والمحروقات والقطاعات الحيوية الأخرى، كما يركز على مسؤولية الدولة في حماية الأراضي الفلاحية والموارد المائية. وقد صادق البرلمان على زهاء الثلاثين مشروع قانون منها سبعة ذات طابع عضوي للتأقلم مع الأحكام الجديدة للدستور مثل القانون العضوي المتعلق بالانتخابات والهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات وتنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وعملهما وكذا القانون الجديد للاستثمار.