تعد مراجعة الدستور التي ميزت سنة 2016 بمثابة تتويج للإصلاحات التي باشرها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة سنة 2011 بهدف تعزيز دولة القانون و الديمقراطية و ضمان تنمية اجتماعية و اقتصادية مستدامة. و قد تمت المصادقة على مراجعة القانون الأساسي يوم 7 فبراير الماضي بالأغلبية الساحقة لأعضاء غرفتي البرلمان المجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة طبقا للمادة 176 من الدستور. هذه المصادقة التي ترجمت "توافقا" جاءت بعد عدة جولات من المشاورات الواسعة مع الأحزاب السياسية و الشخصيات الوطنية و ممثلي المجتمع المدني. و يرتكز الدستور الجديد على أربعة محاور: تدعيم الوحدة و الانسجام الوطنيين و تعزيز الممارسة الديمقراطية و ترقية الحريات الفردية و الجماعية و أخيرا بعث تنمية اقتصادية و اجتماعية مستدامة. و لأن الشعب الجزائري واجه في التسعينيات مأساة وطنية "عرضت بقاء الوطن للخطر" فقد تم إدراج قيم السلم و المصالحة الوطنية في ديباجة الدستور. كما تمت بموجب مراجعة الدستور هذه ترقية الأمازيغية إلى لغة رسمية بعد أن أصبحت في 2011 لغة وطنية و من المقرر إنشاء أكاديمية جزائرية للغة الأمازيغية قصد تكريسها كلغة رسمية. و يهدف هذا التعديل إلى تعزيز أسس الهوية الوطنية و هي الإسلام و العربية و الأمازيغية. التناوب و تكريس حقوق المعارضة و بخصوص ممارسة الديمقراطية و حرصا على تكريس التناوب على السلطة من خلال انتخابات حرة و نزيهة تنص المادة 74 على أن رئيس الجمهورية المنتخب لعهدة مدتها خمس سنوات يعاد انتخابه مرة واحدة علما أن هذا البند غير قابل للمراجعة الدستورية. و في مجال الحياة السياسية و المؤسساتية فقد تمت دسترة القانون الأساسي للمعارضة و حقوقها. و عليه فان المعارضة البرلمانية لها الحق في إخطار المجلس الدستوري الذي تدعمت استقلاليته بخصوص القوانين المصوت عليها من طرف البرلمان. كما أن المشاركة " الفعلية" للمعارضة في الأشغال البرلمانية و الحياة السياسية مكرسة لاسيما مراقبة العمل الحكومي. من جهة أخرى تم أيضا تأسيس هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات بهدف تعزيز مصداقية الانتخابات و السهر على شفافيتها و نزاهتها إلى غاية الإعلان عن النتائج المؤقتة. هذا و قد التزم الرئيس بوتفليقة في رسالته بمناسبة ذكرى الفاتح نوفمبر بالسهر على تجسيد و احترام الضمانات الجديدة الخاصة بالشفافية التي أقرها الدستور داعيا المواطنين إلى التحلي بوعي أكبر في اختيار ممثليهم حتى تعمل المجالس التي سيتم انتخابها على إنجاح الإصلاحات". كما تهدف المراجعة الدستورية أيضا إلى تحسين سير المؤسسات على أساس "مبدأ الفصل و التعاون" بين السلطات. و زيادة على الوزير الأول و النواب فإن المبادرة بالقوانين تعود من الآن فصاعدا إلى أعضاء مجلس الأمة في الميادين المتعلقة بالتنظيم المحلي و تهيئة العمران و التقسيم الإقليمي. و من جهة أخرى تنص المادة 77 على أن رئيس الجمهورية يستشير الأغلبية البرلمانية من أجل تعيين الوزير الأول. ففي الماضي كان الوزير الأول مكلفا بتنفيذ برنامج رئيس الجمهورية و أصبح الآن يقدم "مخطط عمل الحكومة" إلى المجلس الشعبي الوطني للموافقة عليه. و من بين المحاور الأخرى التي تضمنتها المراجعة الدستورية لسنة 2016 ترقية و حماية الحريات الفردية و الجماعية و كذا استقلال العدالة. و ينص الدستور في هذا الصدد على أن حرية الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية وعلى الشبكات الإعلامية "مضمونة " على غرار حرية التظاهر سلميا. كما "يعاقب القانون الممارسات العنيفة غير الإنسانية والضارة بالأشخاص" و تعتبر "حرية المعتقدات مضمونة في إطار القانون". و تم استحداث مجلس وطني لحقوق الإنسان يتمتع بالاستقلالية الإدارية و المالية و يعمل على ترقية و حماية حقوق الإنسان. و ينص الدستور من جهة أخرى على أن الدولة تعمل على " ترقية التناصف بين الرجال والنساء" في سوق العمل وتشجع عل ترقية المرأة في مناصب المسؤولية في المؤسسات الإدارية العمومية و كذا على مستوى المؤسسات. و كانت المراجعة الدستورية لسنة 2008 قد أشارت في مادتها 31 مكرر إلى أن الدولة ملزمة على العمل على "ترقية الحقوق السياسية للمرأة من خلال رفع حظوظها في تمثيل أفضل في المجالس المنتخبة". و على الصعيد القضائي ينص الدستور بالنظر إلى بعض التجاوزات المسجلة على الطابع "الاستثنائي" للحبس المؤقت و يعزز استقلالية العدالة من خلال منع كل تدخل في شأن مجريات شؤون العدالة و تقوية استقلالية المجلس الأعلى للقضاء. بناء اقتصاد منتج و تنافسي و بخصوص المسائل الاقتصادية و الاجتماعية ينص القانون الأساسي على أن الشعب الجزائري الذي يظل متمسكا بخياراته من أجل الحد من الفوارق الاجتماعية والقضاء على أوجه التفاوت الجهوي يعمل على "بناء اقتصاد منتج وتنافسي" في إطار التنمية المستدامة. و على الدولة تشجيع ازدهار المؤسسات "دون تمييز" خدمة لتنمية اقتصادية متنوعة. و يعطي الدستور للاقتصاد الوطني "هوية" تكون فيها المؤسسات المحدثة للثروة و الشغل محركا للنمو. و في نفس الوقت يعزز الدستور بعض الخيارات الإستراتيجية المتمثلة في حماية الملكية العمومية للمناجم و المحروقات و القطاعات الحيوية الأخرى. كما يركز على مسؤولية الدولة في حماية الأراضي الفلاحية و الموارد المائية. و قد صادق البرلمان أو سيصادق على زهاء ثلاثين مشروع قوانين منها سبعة ذات طابع عضوي للتأقلم مع الأحكام الجديدة للدستور. و عليه فقد تمت المصادقة على القوانين العضوية المتعلقة بنظام الانتخابات و الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات و تنظيم المجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة و عملهما و القانون الجديد للاستثمار.