رحلت الفنانة الكبيرة صونيا عن عمر 65 سنة، قضّت أزيد من ثلثيها تحلم وتعيش من أجل المسرح. صونيا التي سجلت اسمها في ذاكرة المسرح بصوت أنثوي قوي غادرت قوية وصامدة تكتم آه الألم وترضى بآخر أدوارها، سيظل الجميع يذكر صدى صيحاتها في المسرحيات التي قدمتها، وسيبقى ايقاع الفنان الذي يتنزل من فمها عالقا في الأذهان، حركاتها المرتبة باعتناء، شموخها وهي تعتلي الركح وابتسامتها التي تأتي في الوقت المناسب. ولدت صونيا واسمها الحقيقي سكينة مكيو مرتين: مرة في 31 جويلية 1953 وولادة كبرى على الخشبة التي منحتها حياتها ونالت منها مجدا وعمرا مضاعفا، ومنذ مسرحيتها الأولى السوسة إلى غاية حدة حافظت الراحلة على خطابها المسرحي الجزائري في كل مرة وجنبته السقوط في الابتذال والتكرار رغم أن قضيتها كانت دائما الإنسان الجزائري وكرامته. تخرجت من معهد الفنون الدرامية ببرج الكيفان سنة 1973 وبعد ثلاثين سنة عادت لتديره، في تجربة فريدة أثبت من خلالها أن الفن يحتاج إلى فنانين لتسييره وتقويمه، وخلال ذلك لم تنأ عن الركح فاعتلته إلى جانب مصطفى عياد في عمل مشترك إخراجا وتمثيلا هو بدون عنوان . تجربة التسيير التي وفقت فيها جعلتها تتنقل بين مسرحي عنابة وسكيكدة الجهويين وتعيد إليهما ألقا افتقداه، هكذا ستصبح نجمة في كل المراتب من التمثيل إلى الإخراج وحتى التسيير، وتؤسس ك رؤاها على أولوية الفني والمسرحي على كل شيء. أزيد من خمسين عملا مسرحيا في ريبرتوار المسرح الجزائري، ولكنها ليست أعمالا عادية، فكل عمل قدمته صونيا أو شاركت فيه كان عتبة من عتبات المسرح الجزائري وصانعا للفارق، إنها السيدة التي منحت حظ المشاركة في التأسيس لأهم لحظات المسرح الجزائري منذ البداية. لا أحد من عشاق المسرح ينسى الأوقات الجميلة التي أهدتها عروض مثل قالوا لعرب قالوا و بابور غرق و العيطة و فاطمة بل إن غناء صونيا في قالوا العرب وهي تؤدي دور رواية استثنائية تضرب الدف عالق بالأذهان، تماما كغنائها راوية إلى جانب الراحل الكبير الآخر عز الدين مجوبي في العيطة وأعلاهما الكبير الراحل أمحمد بن قطاف. قدر صونيا جعل الأوجاع التي تمر بحياتها تتحول إلى أفراح لجمهورها، فالفرجة والبهجة اللتان صنعتهما وأهدتهما الجمهور الجزائري لعقود كانتا من أعماقها الصادقة، ولكن أيضا من فرصة العمل إلى جانب عناوين كبيرة من قبيل مجوبي وبن قطاف وزياني شريف عياد وعبد القادر علولة وأسماء أخرى في أصعب فترات الوطن في التسعينيات اختارت صونيا البقاء وناضلت لتعيد الفرح والحلم عبر المسرح، وقدمت بكثير من التحدي الصرخة و حضرية والحواس وكأنها تقول أن الظلام ينقشع كلما علا صوت الفن والجمال أكثر. لم تكن صونيا تهتم كثيرا بالعالم خارج المسرح، كان حياتها وفرحها وطريقتها في القول، لقد رددت مرارا اريد ان ابني مسرحا في كل شارع ، رغم ذلك جربت السينما والتلفزيون وكان لها دور في فيلم طبيعة الحال للمخرج كريم موساوي. انسحبت صونيا من الأضواء، وأنزلت ستار العرض قبيل وفاتها رفضت أن تظهر للعلن على طريقة النجمات الايقونات، وحافظت على صورتها المتألقة وواجهت ألمها بكثير من الشجاعة والكرامة، كأنها تؤدي بطولة مطلقة وبكثير من الصدق غادرت الحياة.