الرقية و العطارة تنافسان العلاج الطبي في الجزائر أخذت محلات العطارة و الأعشاب في الجزائر منعرجا جديدا، بإضافتها لتجارة ما يعرف بزيوت و خلطات الرقية، و بيعها بأسعار تضاهي أو تفوق أسعار ماركات التركيبات الطبية العالمية، لتتزايد أعداد المحلات و يرتفع الإقبال عليها ليصبح قياسيا ، خاصة بالنسبة لخلطات بعينها، شهدت إشهارا مكثفا لضمان تسويق منقطع النظير لدى شريحة واسعة من الجزائريين قرروا تحويل أنظارهم نحو العطارة و الرقية التي يحذر الأئمة و الرقاة من تشويهها من قبل بعض من يصفونهم بالمحتالين و النصابين. الطب البديل الذي عاد للتداول منذ سنوات، لم يبق على حاله، فالتطور قد طاله مثلما يطال الطب الحديث المبني على البحث العلمي، فمحلات العطارة التي باتت تتكاثر بشكل ملفت ،حتى أضحى عددها يضاهي أعداد الصيدليات المفتوحة في كل مكان، لم تعد تكتفي ببيع الأعشاب بالميزان، و لا الزيوت منفردة داخل قارورات، فالوضع تطور و أصحاب هذه المحلات، فكروا في تطوير نشاطهم بتركيب خلطات و خصها بالرقية و جعلها أدوية لعلاج كل داء. خلطة القلب، خلطة السرطان، الرأس، المعدة، و ليس الأمراض العضوية فحسب، بل وصلت إلى الأمراض النفسية، علب مختلفة، بأحجام مختلفة بتنوع خلطات تحمل تسميات مركبة و وسم للشركة المنتجة، مع إظهار البيانات التجارية في بعض الأحيان، فمن يدخل محل العطارة أو الأعشاب بالجزائر، بات كمن يدخل صيدلية لطلب دواء معين، بفضل تلك الرفوف المرتبة بعلب الخلطات و ديكور لا يختلف مع الصيدلية، و بمجرد تصريحك بما تعانيه، يقول لك البائع «شبيك لبيك»، بعد أن أضحت هذه المحلات طوق نجاة، لكل مريض لا يجد علاجه عند الصيدلي، لكنه بالتأكيد يجده هنا. خلطات الأعشاب تنافس أهم ماركات الدواء عقلية الفرد الجزائري التي توجهت نحو اعتماد الطب الحديث، فيما يتعلق بعلاج الأمراض، بدأت خلال الفترة الأخيرة تأخذ منحى آخر، حيث توجهت الأنظار نحو محلات العطارة التي تحولت إلى إمبراطوريات باتت تتحكم في المرض لدى الجزائريين، بعد أن مزجت العشب بالرقية الشرعية، و راحت تستثمر في عامل الدين الذي يبقى أهم محرك للفرد الجزائري، للتمكن من خلاله من قلب موازين العلاج و توجيهها من الصيدلية إلى الخلطة العشبية أو الزيوت التي تكون قد خضعت للرقية في بعض الأحيان. حالات كثيرة وقفت عليها النصر، في استطلاع ميداني بين بعض محلات الأعشاب، تتعلق بأشخاص فقدوا الثقة كليا في أدوية أكبر مخابر الدواء عبر العالم، و فضلوا اعتماد خلطات للأعشاب كثيرة منها لا تحمل التركيبة الحقيقية و تبقى مهمة في نظر من يتناولها، غير أن شريحة واسعة من الجزائريين لم تأبه لذلك، و راحت تتناولها عوضا عن دواء وصفه الطبيب، و تبقى حجة هؤلاء كون تناول الدواء بات كشرب الماء، و تجربة البديل أفضل ما دام هو دون فائدة في نظرهم. و ربما ما يعتبر الأخطر في نظر بعض من تحدثت إليهم النصر، هو انفراد باعة الأعشاب بعرض خلطات و كذا أعشاب معينة كعلاج لبعض الحالات بدون تشخيص طبي، و هو ما يرون فيه خطرا كبيرا ،قد يكون تأثيره سلبيا على المريض خاصة إذا ما كان العلاج لا يتوافق مع المرض. قنوات خاصة، إشهار لا يتوقف و شهادات «ايجابية» للإقناع تشكل القنوات التلفزيونية الخاصة التي فتحت مؤخرا للإشهار و الدعاية ، أهم فاعل جديد في ملف الطب البديل، فبعد الإشهار على صفحات الجرائد، انتقل إلى شاشات التلفاز التي باتت تستقطب الملايين، ممن أرهقهم المرض ،و باتوا يتعلقون بأية قشة لأجل التخلص منه، قنوات خصصت لأجل الإشهار لتركيبات من الأعشاب أو الزيوت المرقية، تؤكد بأنها علاج فعال لكل الأمراض، و بنقل شهادات حية مصورة كانت أو مسموعة، فتحت شهية المرضى و المهتمين بالموضوع لطلب التجريب. كثرة الإشهار و الحديث عن بعض الخلطات و وصفها بالناجعة ،أثار فضول الكثيرين ،ممن يعتقدون بأنهم مصابون بمس من الجن ،أو السحر أو العين بالنظر لما يحملونه من أعراض ،حسب قولهم، و بحسب ما سبق و أن أكده رقاة، تقدموا لطلب هذه الخلطات من البيوت المنتجة لها، غير أن ذلك طال انتظاره لعدم توفرها بسبب نفاذ الكميات، كانت المفاجأة الكبرى بشرائها و استعمالها الذي كان بحسب ما أكدوه لنا كاستعمال دهن عادي لم يؤثر على أي فرد. جزائريون يرمون مبالغ ضخمة لأجل خلطات «الوهم» تنامي محلات الأعشاب، و خلق بيوت خاصة بالمدن الجزائرية بعد أن كانت حكرا على دول عربية، أسال لعاب الكثيرين ممن فقدوا الثقة في العلاج عبر سبل أخرى، فراحوا لشراء خلطاتها، غير أنهم تفاجأوا بأسعارها الخيالية، فبعد أن ظلت تكلفة العلاج عن طريق الطب البديل و الرقية بسعر رمزي أمرا بديهيا، فتكلفة إحدى الخلطات المرقية الخاصة بالمس و العين مثلا تفوق 4 آلاف دينار، مع أن الكمية صغيرة جدا. و ما أثار استياء المجربين هو عدم فاعلية هذه الخلطات على عكس ما تم الترويج له بنقل شهادات حية خلقت أملا في نفوس هؤلاء، و تحولت الخلطة إلى وهم استعمل و رمي في سلة المهملات ،دون فائدة، ما أثار استياءهم و جعلهم ناقمين عليها بعد أن كانوا أكبر المؤيدين. عطارون يتبرأون من المتاجرة بالرقية و أئمة يحذرون من «نصابي الرقية» البعض من أصحاب محلات العطارة ممن تحدثت إليهم النصر، اعتبروا المتاجرة بالأعشاب حرفة قديمة قدم التاريخ، و قالوا بأن بيع خلطات و أدوية مركبة من الأعشاب بجوارها أمر جائز، فالسيد أحمد مثلا صاحب إحدى هذه المحلات، يؤكد بأنه يمارس هذا النشاط منذ أزيد من 10 سنوات، و بأنه يبيع مختلف أنواع الخلطات التي تستورد من الهند أو شبه الجزيرة العربية، أما بالنسبة للخلطات المرقية، فهو يراها تجارة مغايرة تنتج في الجزائر و توجه للاستهلاك المحلي، مكتفيا بحث المرضى على ضرورة التأكد من المكونات و الرقية الفعلية تفاديا لأية تلاعبات قد يعتمدها البعض سعيا للربح فقط. أما بالنسبة للأئمة و الرقاة، فهم يرون في تجارة الرقية أمر غير شرعي، و يحذرون من تنامي الظاهرة بشكل تحومه الكثير من الشبهات، في ظل الإقبال منقطع النظير لشريحة واسعة و متنوعة من المجتمع الجزائري، حيث يرى الإمام و الراقي «ب، مجيد» بأن الرقية قد تحولت إلى تجارة بسبب الخلطات و الزيوت و كذا العسل، متحدث عن حادثة لشخص فرض عليه أحد الرقاة شراء علبة عسل و علبة زنجبيل مقابل 4 ملايين سنتيم، ما اعتبره نصبا و احتيالا على مرضى يدفعهم الداء للتعلق بأي قشة و يصرفون مبالغ طائلة لأجل الدواء، كما تحدث لنا عن النتائج السلبية لهذه الخلطات و المضاعفات التي تتسبب فيها لمرضى السكري و ضغط الدم مثلا. و دعا محدثنا إلى ضرورة تجنب الخلطات المرقية، خاصة بالنظر لما يكتنفها من شبهات، لعدم معرفة الراقي و نيته و التأكد من سلامة عقيدته ،و ابتعاده عن البدع و الخرافات، و قال بأن المعروف على الرقية أن تكون بصورة مباشرة على المصاب، كما أن المبالغ المالية الباهظة التي بات يفرضها بعض الرقاة تجعلهم يخرجون عن الرقية الشرعية التي لا تفرض أجرة محددة أو ضخمة. و على الرغم من ثبوت فاعلية بعض الأعشاب و الطب البديل الذي يعتمده البشر منذ خلق الكون في علاج الكثير من الأمراض قبل بداية اعتماد الطب الحديث، فإن محاولة استثماره بطرق يكتنفها الكثير من الغموض، جعلها محل انتقاد لاذع من طرف الكثيرين من الذين باتوا يدعون إلى فرض مراقبة دقيقة على محلات العطارة و الخلطات حماية لمستهلك تحول إلى لعبة تجارية في أيدي من لا يخافون أي شئ، و جعلوا الناس في حيرة للفصل في الطب البديل بين الحقيقة و الوهم.