عزوف الكثير من الأمهات عن تلقيح أبنائهن الصغار لا تزال الشكوك والحواجز النفسية تحيط باللقاح المضاد للإنفلونزا الموسمية وتحول دون تحقيق الإقبال الواسع والكبير المنشود، رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الشروع في توزيعه على العديد من المؤسسات الإستشفائية ومراكز حماية الطفولة والأمومة والصيدليات بمختلف أحياء وبلديات قسنطينة. فلقاح انفلونزا الخنازير والإشاعات التي ارتبطت به في الموسم الفارط لا تزال تلقي بظلالها على لقاح هذا الموسم مثيرة الكثير من المخاوف والتساؤلات حول مدى تأثيره على المناعة والوضعية الصحية عموما لمن يأخذه حتى وإن تعلق الأمر بالشرائح الهشة الأكثر احتياجا له من المرضى المزمنين والمسنين والأطفال... مرضى قاطعوا اللقاح: العلاج خير من الوقاية من الإنفلونزا! الحكمة أو المقولة الشهيرة: الوقاية خير من العلاج لم تعط ثمارها المنتظرة بالنسبة للعديد من المواطنين إذا تعلق الأمر بلقاح الوقاية من الإنفلونزا الموسمية..."سمعت بأن لقاح الإنفلونزا الخاص بهذا الموسم عبارة عن مزيج من ثلاثة لقاحات..أحدها مضاد لإنفلونزا الخنازير التي خلفت ولا تزال تخلف العديد من الضحايا، إلى جانب المخاوف والإشاعات والهواجس التي ارتبطت بهذا المرض وبلقاح الوقاية المفترضة منه...هذه الرواسب جعلتني أرفض شراء لقاح الإنفلونزا الموسمية الجديد لقد وصفه لي الطبيب منذ شهرين تقريبا، لأنني أعاني من الربو والحساسية وخشيت من تأثيره العكسي" قالت جليلة أستاذة في التعليم المتوسط في العقد الرابع من عمرها وقال"عمي محمد" 70 عاما: "أشك في فعالية اللقاح، وأخشى أن تكون آثاره الجانبية أخطر من "الزردة" نفسها! لقد نصحتني الطبيبة به لأنني أعاني من ثلاثي: مرض القلب، وارتفاع الضغط الدموي والسكري، وهو متوفر بالمجان في العيادة التي أعلاج فيها، لكنني لا أريد أن أغامر بما تبقى من صحتي وأنا في هذه السنة المتقدمة". وقالت بدورها "خالتي خديجة" جدة في العقد السادس تعاني من نفس الأمراض: "أحلاهما مر...اللقاح أصبح يثير الخوف منذ ظهرت انفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير...لقاح الموسم الفارط بقي مخزنا لفترة طويلة حتى الأطباء رفضوا التلقيح وما بالك المرضى الذين سمعوا بأعراضه الجانبية والإشاعات التي ارتبطت به، لهذا قررت بموافقة زوجي وأبنائي مقاطعة كل أنواع اللقاح المضاد للإنفلونزا على سبيل الوقاية! صحيح أنني أعاني من زكام حاد منذ أيام لكنني أعالج...العلاج أحيانا أفضل من وقاية مريبة!" أما سامية موظفة شابة في القطاع الصحي قالت: "لا أعاني من أي مرض مزمن، لكنني أخذت اللقاح...صحيح أنني أصبت مؤخرا بزكام قوي، لكنني مطمئنة وواثقة بأنني سأشفى قريبا...فاللقاح يوفر المناعة والوقاية مهما قيل ويقال..." اللقاح بين مد المؤسسات الإستشفائية وجزر الصيدليات والملاحظ أن معظم الصيدليات التي كانت تعلق بمدخلها ورقة للإعلان عن توفر اللقاح الموسمي نزعتها مؤخرا..وبهذا الخصوص شرح لنا صيدلي بوسط المدينة: "الإقبال المحدود جدا على اقتناء اللقاح جعلني لا أجلب إلا كمية محدودة انتهت قبل شهر تقريبا ولم أجلب غيرها". وربط صيدلي آخر بحي قدور بومدوس نقص الإقبال على لقاح هذا الموسم على غرار لقاح الموسم الفارط، بنقص التحسيس والتوعية من طرف المختصين لتبديد المخاوف وتكسير الإشاعات، ونشر ثقافة التلقيح بين شرائح المجتمع التي لا تزال محدودة ومحتشمة بين الراشدين حسبه. وشرح الدكتور كمال بغلول رئيس المجلس الجهوي لأخلاقيات الصيادلة في إتصال بالنصر: "لقاح الإنفلونزا الموسمية متوفر، في الصيدليات لكن الطلب عليه ليس كبيرا، فالكثير من المواطنين متحفظين أو خائفين لربطهم بينه وبين لقاح انفلونزا الخنازير وتأثير هذا المرض في الموسم الفارط على كافة الناس بمختلف أنحاء العالم...لم تنظم أية حملة مكثفة وواسعة في الشرق الجزائري لتوضيح الرؤية ومواجهة المخاوف تقديم الشروحات للتغلب عليها على يد أطباء مختصين...ولوتوفرت التوعية الكافية لأدرك الجميع وخاصة الشرائح التي هي من حاجة ماسة إلى اللقاح بأنه عاد، يقيهم ويحميهم من انفلونزا هذا الموسم ولا يعرضهم لأي خطر...لقد تم تحضيره في مخبر كبير ومتخصص وخضع للتحليل والمراقبة ببلادنا..." والجدير بالذكر أن ثمن اللقاح الواحد في الصيدليات حوالي 500 دينار بينما يقدم مجانا في مؤسسات استشفائية جوارية ومراكز حماية الطفولة والأمومة للشرائح التي تحتاج أكثر اليه وهي كما ذكرنا آنفا الأطفال والمسنين والمرضى المزمنين.. وبهذا الخصوص أوضح الدكتور محمد ناصر دعماش، مدير الصحة لولاية قسنطينة. "لقد تم توفير 44 ألف جرعة لقاح خاصة بالراشدين و4500 جرعة للأطفال على مستوى المراكز الصحية والمؤسسات الجوارية.. ويتضمن اللقاح مضادات لثلاثة أنواع من الانلفونزا هي العادية الموسمية وانلفونزا الطيور وانفلونزا الخنازير.. ويقدم مجانا لمن يطلبه من الشرائح المحتاجة اليه وهي كماهو معروف المسنين والمرضى المزمنين والحوامل والأطفال.. لقد قمنا بعمليات تحسيسية في بداية فترة التلقيح التي تمتد الى نهاية فصل الشتاء عبر اذاعة سيرتا الجهوية.. لكن لاحظنا بأن التجاوب أكبر بالنسبة للراشدين من الفئات المذكورة في المراكز الصحية حيث يقدم مجانا.. لكن عدد الأطفال الذين تلقوا اللقاح أقل مما هو متوقع، بولاية قسنطينة.. فالعديد من الأمهات لا يزلن غير واعيات بخطورة الانلفونزا الموسمية على أطفالهن.. لهذا أطلب كافة الأمهات تدارك الأمر الاسراع لتلقيح ابنائهن في مراكز حماية الأمومة والطفولة بالمجان". وأضاف المسؤول : "لقد لاحظت بأن عدم توفر اللقاح في بعض المؤسسات والمراكز الاستشفائية يثير قلق بعض المواطنين ويتصلوا بنا وهذا أمر ايجابي بحدّ ذاته.. أتمنى أن تسجل نسب أكبر بالنسبة لتلقيح الأطفال". تسجيل أول وفاة بالانفلونزا الموسمية أشار الدكتور عبد الرحمن عبداوي، عضو الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان، ورئيس جمعية الحكمة لكلية الطب بقسنطينة الى تسجيل أول حالة وفاة ناجمة عن مضاعفات الانفلونزا الموسمية يوم 14 جانفي الجاري بمستشفى مايو بالجزائر العاصمة، ويتعلق الأمر - حسبه - بسيدة في العقد الرابع من عمرها والمؤكد أنها لم تخضع للتلقيح من هذا المرض على غرار الكثير من المواطنين.. وشدد على كون لقاح هذا الموسم لا يشكل أي خطر على من يتلقاه، بل يقيه ويحميه.. محملا مسؤولية ضعف الاقبال عليه للمجتمع المدني وكافة الجهات الصحية على كافة المستويات وكذا الأطباء وشبه الطبيين.. فمن المفروض - كما قال - أن يمارسوا دورهم في التوعية والتحسيس الواسعين والشاملين عبر كافة الوسائل والمنابر وبشكل مستمر منذ بداية موسم التلقيح في شهر أكتوبر الى غاية نهاية شهر فيفري.. فمن غير الطبيعي - حسبه - أن تقتل الانفلونزا في بلادنا، وينقص الاقبال على التلقيح في بلادنا في 2011 مشيرا الى أن بلادنا ذات مناخ معتدل ويحتمل في الشتاء مقارنة بالولايات المتحدة التي يصل فيها عدد ضحايا مضاعفات الانفلونزا سنويا 36 ألف قتيل.. ويرى بأن عزوف الكثيرين عن التلقيح مرتبط بحاجز نفسي ترسخ في الموسم الماضي لدى ظهور انفلونزا الخنازير.. وعلى الجميع المساهمة في ازالته.