رعب في المستشفيات / تصوير: يونس أوبعييش أطباء ومختصون : الخطورة ليست في اللقاح وإنما في المواد الكيميائية المدعمة لها بالرغم من أن آلة الفيروس المكسيكي مازالت تحصد عشرات الأرواح، ورغم حالة الهستيريا والخوف الذي يعيشه المواطن منذ زمن ليس بالبعيد، إلا أن الوباء بدأ يدخل في "خانة العادي جدا"، بل أصبح البعض لا يؤمن به إطلاقا وخاصة مع تداول الإشاعات حول خطورة اللقاح وما يتردد عن الأعراض الجانبية للقاح "آريبانريكس"، رغم اعتبار هذا الأخير كأحد أجود اللقاحات بمنظار الدوائر الرسمية. * وجهتنا الأولى كانت مستشفى القطار بأعالي العاصمة الذي يستقبل العشرات من المرضى الذين يقصدونه لإجراء التحاليل الطبية للتأكد من الإصابة بفيروس "أتش1 أن1"أو عدمها... وكم كانت دهشتنا عند المدخل الرئيسي للمستشفى بسبب إنعدام الأقنعة الواقية من انتقال الفيروس القاتل، مع أنه المستشفى الأول المختص في استقبال جميع الحالات التي تأتي من كل حدب وصوب. * * مصلحة "مولير أ"... والمهمة المستحيلة * * قبل أن نتجه إلى مركز التلقيح لرصد الأجواء بعد حوالي أسبوعين من بداية العملية نجحنا بمساعدة أحد المراقبين الطبيين الذي منح لنا قناعا واقيا وقفازين في التسلل داخل المصلحة المتخصصة في تشخيص الداء وتوغلنا إلى الوحدة المسماة ب "مولير أ" بعد أن طلب منا مرافقنا التظاهر بالمرض وضرورة الكشف عن حالتي بعد ما راودتني الشكوك بخصوص إصابتي بهذا الفيروس، ودخلنا إلى قاعة المعاينة التي تستقبل المصابين دون أن نعرف ماذا كان ينتظرنا؟. * تقدمت منا الطبيبة المعاينة التي قامت بملء استمارة خاصة بعد أن سألتنا بأدق التفاصيل حتى تلك المتعلقة بالأمور الشخصية.. وبعدها بدأت في عملية الفحص بطريقة جد دقيقة، أين استعملت بعض الأدوات مثل الترمومتر، لتنتهي بالتأكيد لنا أن الأعراض التي نعاني منها لا تمت بصلة لفيروس "أتش1 أن1"، بل هي أعراض الأنفلونزا الموسمية، لتحرر لنا وصفة طبية تحتوي على الأدوية العادية، على غرار الفيتامينات وبعض المهدئات. * وقبل مغادرتنا للوحدة اغتنمنا فرصة الدخول إلى قاعات المصابين، أين وجدنا ثلاث حالات فقط، من بينها شاب في العقد الثالث من عمره في حالة متقدمة من آثار الفيروس، وعندما حاولنا التقرب منه رآنا أحد الأطباء المناوبين الذي أمرنا بالخروج الفوري، لأن المكان ممنوع الولوج إليه باستثناء الأطباء والممرضين فقط. * * نحن لا نخاف الأنفلونزا... نحن لن نلقح * * من المصلحة المختصة في تشخيص الداء إلى مركز التلقيح الذي يبدو فارغا، بالرغم من مرور أكثر من أسبوعين على انطلاق عملية التلقيح، بيد أن هذه الإنطلاقة كانت متعثرة إلى حد كبير بسبب المخاوف التي تتردد في الأوساط الطبية أهمها المقاطعة الكبيرة التي عبّر عنها الأطباء والممرضون في مختلف المؤسسات الإستشفائية وجاءت حادثة الطبيبة التي توفيت بولاية سطيف لتزيد من حدة هذه المخاوف وتزيد من الوضع شبهة على شبهة، حيث كشف لنا مرافقنا أن الأطباء والممرضين وحتى أعوان المصالح المختلفة رفضوا عملية التلقيح بإستثناء عون أمن تابع لمصلحة "مولير أ". * وخلال طول الفترة التي قضيناها هناك لم نسجل أي وافد للمصلحة، الشيء الذي دفعنا إلى سؤال أحد الأطباء عن مراحل إجراء التلقيح المضاد، حيث أفادنا أنها تبدأ بتوجه الشخص المعني مباشرة بعد ملء الإستمارة التي تحتوي على معلومات خاصة والتي يتم تدوينها في سجل المستشفى بعد التأكد من الهوية قبل التلقيح، وبعدها يتوجه إلى قاعة الطبيب المعاين المكلف بمعاينة جميع المرضى قبل خضوعهم للتلقيح وبعدها تأتي مرحلة أخذ القرار، حيث يقرر الطبيب بإمكانية إخضاع الحالة للقاح إذا استوفى جميع الشروط، وفي حالة السماح بذلك يتوجه للقاعة التي تتم فيها عملية اللقاح، حيث يقوم الطبيب بغسل يديه بالصابون الخاص، ويضع القفازين بعد دهن يديه بمرهم مضاد للجراثيم لتأتي المرحلة النهائية، حيث يتم نقل المحلول من قارورتين مختلفتين ليتم دمجهما، إذ يتم تلقيح البالغ بجرعة 0.5 ملل، أما الأطفال ب0.25 ملل. * وبعد نهاية العملية يبقى المريض من 45 إلى 60 دقيقة في قاعة لرصد الأعراض الجانبية التي قد تتطلب تدخل مصلحة الاستعجالات في حالة حدوثها، وفي حالة ما جرت الأمور بصفة عادية فإن الملقح يغادر المصلحة بعد استلامه لشهادة تثبت خضوعه للتلقيح. * * الزعتر وبخور الكاليتوس لمحاربة الخطر * وعند تأهبنا للخروج، صادفنا أحد المواطنين أمام الباب الخارجي للمركز فسألنا إن كان هناك من أجل اللقاح، فرد علينا قائلا "لست بمجنون حتى أدخل في لعبة هذا الفيروس الملعون"، ومن خلال دردشتنا معه، اكتشفنا أن عائلته وجيرانه وجدوا في التداوي بالأعشاب الطبية البديل الأمثل للتصدي للزحف المخيف لهذا الداء، وهذا ما يفسر الإقبال غير المسبوق للجزائريين لدكاكين بيع الأعشاب الطبية والعقاقير التقليدية واللجوء إلى وصفات العجائز اللائي كن يتسلحن بالزعتر والكاليتوس لمواجهة الأوبئة، وهي الخاتمة التي توصلنا أو بالأحرى استنتجناها من فيروس كان قد شكل محورا أساسيا على الصفحات اليومية للمواطن الجزائري الذي كان بين مطرقة الخوف وسندان الإشاعات، محملا مسؤولية ذلك إلى فشل الوزارة الوصية في إقناع عامة الناس وعلى رأسهم الأطباء بسلامة اللقاح نتيجة السياسة الإعلامية والتحسيسية العقيمة التي انتهجتها، إذ لا يمكن برأيه أن نُحسّس المواطنين بخطر الأنفلونزا باستظهار شخصية "قويدر الموسخ" في الومضات الإشهارية. * تركنا المستشفى ونحن ندعو الله سبحانه وتعالى أن لا تطأه أقدامنا مرة أخرى.. اللهم آمين. * * أطباء ومختصون يؤكدون بأن اللقاح ليس حلا سحريا ويكشفون: * "الخطورة ليست في اللقاح وإنما في المواد الكيميائية المدعمة له" * * يتفق الدكتور محمد بقاط بركاني رئيس عمادة الأطباء الجزائريين والبروفيسور مصطفى خياطي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث على أن اللقاح ضرورة لمواجهة الوباء، إلا أنه ليس الحل السحري، خاصة في ظل النقاش العالمي حول خطورة الزوائد الكيماوية المدعمة للقاح، مشددين على استحالة الجزم بمأمونية اللقاح مائة بالمائة. * وأوضح الدكتور محمد بقاط بركاني، عميد الأطباء الجزائريين أن المشكل ليس في "أنتيجان" لقاح "أربارنيكس" المضاد لفيروس "أيتش1أن1" المستورد من مخابر "غلاسكو جي أس كا" البريطاني فرع كندا وإنما في المواد المدعمة للقاح أو ما يعرف ب"الأدفيفن" المكوّن أساسا من المادة الكيميائية "سيكوالين" المسببة لآثار جانبية خطيرة حسب عدد من الخبراء والمختصين في العالم ما أدى ببعض الدول لاستيراد اللقاح دون المواد المدعمة. * وأشار الدكتور بركاني رئيس مجلس أخلاقيات الطب إلى أن الجدل حول مأمونية وسلامة لقاح "أربارنيكس" ليس محصورا في الجزائر وإنما هو مطروح وبحدة بين خبراء الصحة والأدوية وعلماء الأوبئة على المستوى العالمي، مستطردا في الوقت ذاته هذا لا يعني أننا ننصح المواطنين بعدم التلقيح ولكن يجب على الوزارة الوصية التواصل مع الأطباء سواء في المؤسسات الإستشفائية العمومية أو العيادات الخاصة وإقناعهم بسلامة اللقاح بالأدلة من خلال فتح نقاش علمي بين المختصين، لأن مثل هذه الإشكاليات التقنية يجب أن تحصر بين الأخصائيين ولا تخرج للعوام مع الحرص على إشراك الأطباء باعتبارهم الفاعلين في الميدان وفي اتصال مباشر مع المواطن. * ومن جانبه اعتبر البروفيسور مصطفى خياطي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث أن لا خبير أو مختص في العالم بإمكانه الجزم بمأمونية أو خطورة اللقاح مائة بالمائة، فاللقاح باختلاف أشكاله يعتبر إشكالية حقيقية في ظل وجود نوعين من اللقاح، الأول مدعم بمواد مدعمة وزائدات كيميائية تعمل على استقرار اللقاح ومنحه حياة أطول مع احتمال الإصابة بأعراض جانبية، أما النوع الثاني فغير مدعم بالزائدات الكيميائية، إلا أن مدة حياته أقل وأعراضه الجانبية أقل بكثير من سابقه، وبخصوص لقاح "أربارنيكس" فإن الجزائر اختارت استيراد النوع الأول. * وأشار خياطي إلى أن الأعراض الجانبية الخطيرة للقاح التي تتسبب فيها الزوائد الكيميائية في المادة المدعمة للقاح ك"الإلبيمين" و"السكوالين" تبقى نسبية وأقل ضررا مقارنة مع انتشار الوباء، فالإحصائيات والدراسات تشير إلى إمكانية تسجيل حالة واحدة في المليون بالشلل النصفي أو ما يعرف بمتلازمة "غيلان باريه" نتيجة مهاجمة مكونات اللقاح والزوائد الكيمائية للجهاز العصبي وأنسجة الجسم، ولكن بالمقابل فإن المؤشرات العلمية تؤكد أن الأنفلونزا يمكن أن تعطي 100 وفاة في المليون، ومضاعفاته على العموم لا تتعدى 2 بالمائة. * * 12 مليون لقاح جديد مع نهاية مارس * مخاوف تسبق حملة تلقيح التلاميذ بالمدارس والطلبة بالجامعات * * قررت وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات استلام 12 مليون وحدة لقاح، من جانفي الحالي إلى مارس المقبل، لضمان تلقيح المتمدرسين وطلاب الجامعات، وستمدد الوزارة حملة التلقيح لمدة 6 أشهر، كما ستنهي، الخميس المقبل، اجتماعات التنسيق الخاصة بضبط ظروف وشروط التلقيح بالمؤسسات التربوية والجامعية. * وأكد، سليم بلقسام، المكلف بالإعلام بوزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات في تصريح ل"الشروق"، على خلفية تصريحه بشأن موقف الأطباء من اللقاح، بأن "الأطباء الذين ينصحون المرضى وعلى رأسهم النساء الحوامل بضرورة عدم أخذ اللقاح لا أساس طبي لهم في ذلك"، مضيفا "والمقتنع بذلك لا يعرف مهامه الطبية، ونجاعة اللقاح من عدمه لأهل الاختصاص وليس لأي طبيب يتحدث في ذلك"، واعتبر المتحدث أن خبراء العالم يؤكدون أن اللقاحات فاعلة بالمساعد أو من دون مساعد لقاح، مستندا في ذلك إلى الدراسات الإكلينيكية والمخبرية، نافيا مضاعفات على صحة المرأة الحامل أو الجنين. * أما عن نجاح حملة التلقيح أو فشلها، فقال مسؤول وزارة الصحة ""نحن في البداية وانقضت 15 يوما فقط من الشروع في عملية التلقيح وسيستمر الأمر 6 أشهر"، مشيرا إلى مراسلة جميع المؤسسات العمومية الصحية من أجل تنظيم اجتماعات مع كافة العمال وبالأخص الأطباء لإعطاء معلومات إضافية حول اللقاح وكيفية القيام بعملية التلقيح. * وفي رده على سؤالنا حول عزوف الأطباء عن القيام بالحملة وسط المدارس لغياب شروط التلقيح، أكد بلقسام أن العملية لم يشرع فيها بعد بالوسط التربوي والمؤسسات العلمية على غرار الجامعات، موضحا أن آخر الاجتماعات التنسيقية ستكون بالوزارة، مع نهاية الأسبوع الجاري، لتوفير كل الظروف والتحدث عن شروط التلقيح، وقال المتحدث أنه سيفصل في مكان التلقيح إما بالوسط التربوي والعلمي أو بأقرب مركز صحي للمؤسسات التربوية والجامعية، مشيرا إلى كميات اللقاح الهائلة والتي تخص 9 ملايين نسمة من المتمدرسين، موضحا أن في ثلاثة أشهر القادمة مع نهاية مارس، ستستلم الجزائر 12 مليون وحدة لقاح. * * وزارة الصحة تحمّل الإضرابات مسؤولية فشل عمليات التلقيح * الأطباء يرفضون "مسح الموس" في إحتجاجاتهم النقابية * * علّقت وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات مسؤولية "فشل" حملة التلقيح الخاصة بوباء أنفلوانزا "أش1 أن1"، وسيرها بالطريقة التي كان الوزير سعيد بركات يتطلع إليها، بنقابات الصحة التي شرعت في حركة احتجاجية وطنية بشن إضراب عن العمل، منذ أكثر من 40 يوما، ولايزال متواصلا، وهو الإضراب الذي تزامن مع نية الوزارة في تعميم التلقيح على الفئات العريضة من المجتمع على رأسها عمال الصحة، الأسلاك النظامية، المدارس التربوية والجامعات وغيرها، وخرجت وزارة الصحة عن صمتها واتهمت الأطباء ب"الجهل" وعدم إدراك القوانين وصفات أخرى تقترب من "قطاع الطرق". * هذه النعوت التي أطلقها المكلف بالإعلام بوزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات على أمواج الإذاعة الوطنية، منذ أيام، أثارت حفيظة مستخدمي الصحة العمومية من ممرضين، أطباء وأخصائيين، وردوا تلك الاتهامات على الوزارة، وحملوها مسؤولية تهويل الوضع وتخويف المواطنين بتلقيح يلقى اعتراضا شديدا في الدول المتقدمة التي تعتبر في ذاتها مصدر صناعة اللقاح الموجه لمكافحة الوباء، واتهموا الوصاية بلعب دور"وكيل تجاري" لماركة لقاح أنتجه مخبر عالمي، وليس وزارة سيادية تستفسر عن طبيعة اللقاح وتداعياته على صحة المواطن مع أخصائيين جزائريين قبل إعلان الشروع في حملة التلقيح. * الدكتور الياس مرابط، رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية، وفي تصريح ل "الشروق"، قال أن عمليات التلقيح التي تريدها وزارة الصحة بالمدارس التربوية، قد تكون مضاعفاتها سلبية ليس بسبب طبيعة اللقاح ولكن أصلا بسبب شروط وظروف تطبيق التلقيح، والذي سيكون بشكل جماعي وبقاعات التدريس، موضحا أن التلاميذ قد يصابون بنزلات برد قاسية تعقد وضعهم الصحي، خلال محاولة نزع ملابس الأطفال وإعطائهم اللقاح، وذلك في ظل افتقاد أغلب المدارس بالمدن الكبرى لقاعات خاصة بالعلاج وأقسام التدريس للمدافئ، وهو الشيء الأخطر بالمناطق الداخلية. * وأضاف المتحدث بأنهم تلقوا طلبات من أولياء التلاميذ تدعوهم لعدم تلقيح أبنائهم، نظرا للتخوفات الحاصلة إزاء بعض عمليات التلقيح التي رافقتها مضاعفات صحية سلبية لدى بعض المواطنين، يجري حاليا بشأنهم المراقبة الطبية لكشف علاقة تلك المضاعفات بعملية التلقيح، وأبرز مثال على ذلك وفاة رئيسة مصلحة الإنعاش بمستشفى سطيف، 7 ساعات فقط، بعد تلقيها اللقاح الخاص بمواجهة الوباء، وكانت عمادة الأطباء قد التزمت بشرط أساسي للقيام بالحملة وذلك بتوفير الشروط الملائمة لتقديم اللقاح، وهو ما اعتبره الأطباء قرارا يعلق شروعهم في الحملة إلى غاية توفر ذات الشروط التي تبقى تعجيزية بالأخص وسط المؤسسات التربوية.