نشاط متواصل بمن حضر من مريديها وسط أطلال الترميم تواصل الزاوية الرحمانية لآل باش تارزي، المتواجدة في حي طاطاش المعروف بالشارع وسط المدينة العتيقة بقسنطينة ، نشاطها العادي بعد ظهر كل جمعة إلى ما بعد صلاة العصر ، بمن حضر من مريديها ، و تسعى للتصدي لخطر انفصام عقدهم و التحامهم القديم ، مطبقين قول النبي محمد " أفضل الأعمال أدومها وإن قل « ، كما أكد محمد الصالح داود وكيل شؤون الزاوية ، المطلع على أسرارها ، والمنظم لنشاطاتها ، والذي دعانا لحضور ذات الموعد ، على طريقة شيخه مؤسس الزاوية الحاج عبد الرحمان باش تارزي مضيفا: « أدخل بين الذاكرين ولو كنت براني ". محدثنا أوضح للنصر،أن الزاوية الرحمانية ، ملك لآل باش تارزي، عكس بقية الزوايا التي تعود ملكيتها للدولة ، و بالتالي فإن تعيين الإمام فيها والقيّم من مهام مديرية الشؤون الدينية ، وهي متوقفة حاليا عن النشاط كليا ، فيما ساهمت الملكية الخاصة لزاويتنا في استمرار نشاطها، على الرغم من خضوعها لعملية الترميم ، التي انطلقت في شهر شعبان من السنة الماضية ، وقد مر على ذلك حوالي سنة ونصف ، وقد حرصنا أثناء قيام المقاول بإطلاق ذات العملية، على ترك فضاء للنشاط، حرصا منا على مواصلتها لوظيفتها التربوية والروحية كل جمعة»شرح محمد الصالح داود. نشاط الزاوية يبدأ بعد صلاة الجمعة مباشرة ، بالتقاء المحبين والمريدين لهذه الطريقة، فتنطلق «الحضرة» بفتح الشهية، وذلك بقراءة جماعية لقصائد شيوخ الطريقة، وموضوعها الوعظ و الإرشاد ، ومدائح دينية ، و أخرى تربوية تدعو إلى التشبع بالأخلاق الحسنة ، التي يجب أن يتحلى بها كل محب ومريد. وبعد صلاة العصر ، التي يعتبرها شيوخ ذات النهج الوسطى ، لقوله تعالى: « ... حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ...» ، أين يرفع الآذان في الزاوية وبمجرد انتهائه ، يشرع الحاضرون في تلاوة سورة يس ، في شكل حلقة متراصة ، وبانتهائها تقام صلاة العصر جماعة ، وقد أّمّنا فيها يوم الجمعة الماضي الشيخ سيدي أحمد مشاطي ، نيابة عن المقدّم الشيخ محمد الشريف باش تارزي ، المتواجد في البقاع المقدسة ، لأداء فريضة الحج ، و يلي كل ذلك حلقات الذكر ، وهو ورد الطريقة، والصلاة الأمية، وهي ثمانين مرة لأنها، حسب محدثنا، من قرأها في دبر كل صلاة غفرت ذنوبه، ولو كانت كزبد البحر ، كما ورد في أحاديث البخاري ومسلم، ثم الصلاة على النبي وأذكار أخرى يحفظها المريدون، تختم بالفاتحة ، ثم يستدير من حضر، في شكل عقد متراص، ويشرعون في ذكر شهادة :لا إله إلاّ الله 300 مرة وأكثر ، وهذا وفق تعاليم شيخ الطريقة سيدي عبد الرحمان فيما يخص الحضرة: « ويستديرون حلقة يذكرون ما اتفق من ثماني رفقاء والأقل لا شيء ، وشروطها يا مسكين عددها قالوا عشرين ، آداب الذاكرين نص عنها شيخي، قالوا خمسة قبلها اثني عشرة معها ثلاثة بعدها « ، أهمها الطهارة ، ومن بينها تبخير المكان والحضور قلبا وقالبا. المريدون توارثوا الطريقة وأبواب الزاوية مفتوحة أمام كل منتم جديد عن المريدين قال لنا القيّم ، أنهم من أبناء المدينة الأصليين ، الذين توارثوا الانتماء إلى الطريقة عن أسلافهم ، الذين تناقلوا التقليد من جيل إلى الذي يليه ، وهذا لا يمنع من انتساب كل راغب جديد في ذلك ، فالأبواب مفتوحة أمام كل منتم جديد ، وعلى رأسهم الذين ينعتون الزاوية بالطّرقية ، وممارسة الشعوذة، فهم مدعوون لحضور نشاطاتها التي تمارس داخل بأبواب مفتوحة ، وهذا سر دوام نشاطها ،يضيف محمد الصالح ، مستشهدا بتعليمات شيخ الطريقة بوقبرين: « ادخل بين الذاكرين ولو كنت براني» أي غير منتم لها ، ومراتبها ثلاثة بالتحقيق، شريعة وطريق، وحقيقة وهبانية، أولها تعليمة ووسطها خدمة، وأخرها كرامة من الله وعناية « ، حسب دستور الطريقة في كتاب المنظومة الذي قام بتصحيحه وإعادة تصنيفه الشيخ عبد الحميد بن باديس ، لأنه كانت له صلة جد وثيقة بالزاوية، وآل باش تارزي ، ويظهر ذلك بحضوره الدائم كل اثنين وخميس وفي المناسبات الدينية التي تحييها الزاوية. إضافة إلى «أدعية المريد في شرح مسائل التوحيد» ، وبها 45 مسألة ، وكذا كتاب «عمدة المريد في بيان الطريق» ، هناك كتب و مدونات تبين حقيقة الطريقة وسرها وهي متواجدة على موقع الزاوية الرحمانية لمدينة قسنطينة ، ومن كتب الطريقة «المنظومة الرحمانية» التي كتبها شيخ الطريقة في قسنطينة وشرحها ابنه ، سيدى مصطفى الذي كان قاض ومفت على مذهب الحنابلة والمالكية ، والده كان بدوره مفت على المذاهب الأربعة في قسنطينة ، الذي كتب» المنحة الربانية في شرح المنظومة الرحمانية «المتكونة من 702 بيت ويحفظها المريدون ويتلونها في مختلف نشاطات الزاوية. لالة نسومر وقادة المقاومة شيوخ الزاوية الرحمانية القيّم أضاف أن الشيخ عبد الحميد بن باديس ، الذي داوم على زيارة الزاوية ، و اهتم بتراثها حارب بقية الزوايا التي عملت على زرع الجهل والشعوذة في الجزائر ، بعد أن حادت بالطرق الصوفية عن نهجها ،و يقول محمد الصالح داود ،المطلع على أسرار الزاوية منذ 30 سنة ، و هو وكيل لها ، مكلف بالمهام فيها ، بأن كل زعماء المقاومات الشعبية في الجزائر ، هم من شيخ الزاوية الرحمانية ابتداء من والد فاطمة نسومر. و أول مقاومة ضد الاستعمار في معركة سطاوالي في الجزائر العاصمة قادها ،حسبه ،مريدو الطريقة من منطقة متيجة ، ثم جاء من بعدهم قادة الثورة الذين ينتمي معظمهم للزوايا، أين درسوا القرآن الكريم، وهذا ما جعل ابن باديس يحارب كل الطرق ويستثني الرحمانية باعتبارها، المنبع الذي ارتوى منه زعماء المقاومات الشعبية، لأنها كانت الحاضنة للتربية التي شعارها في الزاوية: « ومن يصحب شيخا عارف المسالك ، يقيه في طريقه المهالك، يذكره ربه «. وهذا ما جعلنا نحافظ على الطريقة ولو بالعدد القليل الذي يأتي بالكثير ، وأحسن الأعمال أدومها، وإن قلّ،أكد الشيخ. الزاوية مفتوحة للصدقات والزيارات الزاوية مازالت مفتوحة للصدقات ، وهذا بمحافظة سكان المدينة على تقليد قديم ، بإطعام عابري السبيل ويظهر ذلك في إخراجهم لقصع الثريد و الكسكسي ، وكذا الشخشوخة، و»القرصة»،كل حسب قدرته، في المناسبات، وغير المناسبات، ويتم دعوة عابري الطريق إلى الأكل منها، وكثير منهم يلبي الدعوة، وهذه العادة متجذرة في قسنطينة القديمة ، ومازالت الكثير من العائلات تحافظ عليها وتمارسها، وتنقلها إلى أبنائها. وإضافة إلى ذلك يلتزم الكثيرون بزيارة ضريح مؤسس الزاوية و قراءة الفاتحة على روح الحاج عبد الرحمان باش تارزي المتوفي سنة 1806، وكذا الطريقة الرحمانية في قسنطينة، لأن مؤسسها سيدي عبد الرحمان الأزهري الجرجاري، المعروف ببوقبرين مدفون في جرجرة و بلكور ، بأمر من شيخه، أين أسس أول زاوية في رحبة الصوف في المكان المسمى بممر باش تارزي ، وأمام توسع نشاطها ، قرر التوسع و إضافة نشاط تعليم القرآن والصلاة وتعليم الكبار، وكذا تنظيم السبيل ، فبحث عن مقر ، فاشترى هذا في حومة اليهود آنذاك ، وبعقد ملكية مسجل ، وهذا ما جعل الزاوية تكمل رسالتها دون توقف ، وبها قبر مؤسسها و ابنه مصطفى، وبعض أفراد العائلة. فرق العيساوة تعبث بتراث المدينة يعيب محمد الصالح على الكثير من الفنانين في قسنطينة ، ممن تخصصوا في أداء فن العيساوة ، التي تعود في أصلها إلى الطرق الصوفية ، أنهم فتكوا بها بعد أن أخذوها من غير منابعها ، فأنشدوها خاطئة ، ودعاهم إلى التأكد من صحة مصادر قصائدهم ، حفاظا على تراث المدينة ، حتى ينقلوه إلى الذي يرثهم والمتلقي بشكل صحيح ، وأضاف أن الكثير ممن يعتبرون شيوخا لا يجيدون أداء قصائده، ويعيب عليهم تجاهل وعدم الاتصال بشيوخ الطريقة، ليتوارثوها صحيحة « لأن من يصحب شيخا عرف المسالك ، يقيه في طريقه المهالك «كما أكد ، وهذا ما يجعل الكثير من المشتغلين في المالوف ممن تحدثنا إليهم ،يعتبرون محمد الصالح «منجما» لهذا النوع من الكلمات و الحكم ، كما يطالب الوكيل بتوريث قصائد المديح صحيحة بأخذها من شيوخ المدينة. هذا ويلتمس وكيل ذات الزاوية السلطات المحلية ، بالإسراع في الشروع في أشغال الترميم التي حولت المكان إلى أطلال بعد أن عرت الجدران ، وكشفت الأسس من أجل أن تعود الزاوية إلى ممارسة دورها ، الذي أنشئت لأجله أول مرة ، لخدمة الدين والعباد ، وقد طال أمد الانتظار إلى سنة ونصف السنة. عبد المجيد باش تارزي أصغر مريد في العائلة لم يمنع عبد المجيد باش تارزي ، سنه وتعليمه الجامعي ومظهره المواكب للعصر ، وكذا هاتفه النقال الجد متطور، من الالتزام بالحضرة كل جمعة على طريق أجداده ، على الرغم من أنه يعمل كمستشار للمؤسسات الاقتصادية في مدرسة خاصة، وكمرب محترف للنحل في ديدوش مراد ، و أوضح لنا أنه الوحيد الذي انغمس في الطريقة من جيله بالعائلة ، وهذا لأنه منذ صغره كان والده وأخوه يصطحبانه إلى الزاوية، في المناسبات و لدى ممارستهما لمختلف النشاطات التي تقام فيها ، فدأب على ذلك ، واقتنع بصحة ما يمارس فيها ، والذي اعتبره رسالة ، من خلالها يتم المحافظة على عادات وتقاليد المدينة وتراثها، لأن البعض يحملون صورة سلبية ، عن هذه المؤسسات ، وهذا ما لم يعشه في حياته بين أحضان العائلة الجد محافظة. هذه الرسالة أوكلها لنفسه و يسعى لإيصالها ، من أجل الحفاظ على الهوية الوطنية ، التي كانت الطرق الصوفية التي نشأت، حسبه، في القرن الخامس عشر ، القلعة التي قاومت كل محاولات طمسها ، عبر القرون ، ويضيف أنه من خلال هذه الممارسات يحافظ على موروث العائلة، وتراث المدينة، على الرغم من أن الزاوية خاصة ،لكن لها قوانينها، التي تخدم المجتمع وتربي أفراده ، وهذا ما اقتنع به من خلال مطالعاته ، وخاصة عبر الانترنيت ، إضافة إلى أسباب روحية ودينية وثقافية. وقد اقتنع بأن كل ما يجري داخلها يصب في الطريق الصحيح ، وكمثال على ذلك يقول أن فضل سورة يس يوم الجمعة بعد العصر كبير جدا ، من باب أنها الصلاة الوسطى ، حسب الكثير من العلماء والمفسرين ، وكذا الأحاديث ، فهو وقت استجابة ، وهذا ما يجعل المريدين ينغمسون في الدعاء لالتماس المغفرة وصفاء الروح. عبد المجيد هاتفه محشو بقصائد الطريقة ، مسموعة ومكتوبة ، يحمل فيه أوراد وتسابيح وترانيم المريدين ، وهي رفيقته في حله و ترحاله وفي سيارته ، أينما انتقل. يختم حديثه بأن الكثير من الناس يتحاشون الطريقة ، عن جهل بتعاليمها و أهدافها ،لأن ما يردد في حضراتها ، قصائد تربوية تهدي إلى السمو بالروح للوصول إلى التوازن النفسي. الحديث ذو شجون معه وقد وعدنا بتزويدنا بتراث وكتب الطريقة على بطاقة ذاكرة للاطلاع على أسرارها.