يرى البروفيسور بلقاسم حبة الباحث الجزائري في الالكترونيات الدقيقة بالولاياتالمتحدةالأمريكية، أن بإمكان الجزائر تطوير الصناعات الالكترونية شرط تمويل الشباب من حاملي الأفكار المبتكرة و المشاركة مع الخواص في تسويق منتجاتهم، كما اقترح ابن مدينة المغيّر وصاحب أزيد من ألف براءة اختراع، إدخال التكنولوجيا في المناهج التعليمية ببلادنا، مضيفا في حوار خص به "النصر" بعد تكريمه بوسام العالم الجزائري لسنة 2015، بأنه لا يفكر حاليا في العودة للجزائر، كما أنه لم يتلق دعوة رسمية في هذا الشأن. مع العلم أن هذا الباحث الذي حقق انجازات علمية هامة على الصعيد الدولي، قد تحصّل نهاية الأسبوع على جائزة مؤسسة " وسام العالم الجزائري" في طبعتها الثامنة و تمّ تكريمه بحضور شخصيات علمية مرموقة . حاورته: ياسمين بوالجدري حدثنا عن بداية مساركم العلمي بالجزائر و كيف تمكن خريج الجامعة الجزائرية أن يصنع له مكانة مرموقة بين علماء الولاياتالمتحدةالأمريكية و العالم؟ وُلدت سنة 1957 بمنطقة المغير التابعة لولاية الوادي، زاولت تعليمي بالجزائر و تخرجت سنة 1980 من جامعة العلوم و التكنولوجيا هواري بومدين بالجزائر العاصمة، بالحصول على شهادة التعليم العالي في الفيزياء الصلبة، بعد ذلك حصلت على منحة للدراسة في جامعة سياتل بالولاياتالمتحدةالأمريكية ثم درست بجامعة ستانفورد بكاليفورنيا و نلت 3 شهادات في علوم المادة و الفيزياء التطبيقية، عقب ذلك عملت لسنتين بأحد مخابر البحث بنيويورك، قبل أن أعود سنة 1990 إلى بسكرة أين درست لثلاثة أشهر غادرت بعدها أرض الوطن. هاجرت بسبب الظرف الأمني و نقص وسائل البحث العلمي بين 1991 و 1996 شغلت منصب نائب مدير في مخبر بحث في اليابان، و منذ سنة 1996 أتقلد مناصب مسؤولية في شركات "رامبوس" و "غوغل" و "أنفينساس".. حصلت على 350 براءة اختراع بالولاياتالمتحدةالأمريكية و أكثر من 1100 براءة اختراع بالعديد من دول العالم، كما صُنفت سنوات 2012، 2014 و 2015 في قائمة المائة مخترع الأكثر إنتاجا في العالم.. ما وصلت إليه لم يكن سوى نتيجة صدفة و حظوظ مع قليل من المثابرة و بتوفيق من الله. ما الذي جعلكم تغادرون أرض الوطن بعد أشهر قليلة من التدريس بجامعة بسكرة؟ بالفعل بقيت في الجزائر لمدة 9 أشهر و درست لثلاثة أشهر بها، ثم عدت مجددا للخارج باتجاه اليابان أولا.. للأسف عدت للجزائر في توقيت سيء ، لأن البلاد كانت تشهد حينها وضعا أمنيا جد حرج، كما كنت أقيم وقتها على مسافة 125 كيلومتر عن الجامعة، و لم يمكن ممكنا القيام بهذه الرحلة كل يوم، إضافة إلى أن جامعة بسكرة لم تكن تتوفر أبدا على تجهيزات تسمح بالبحث العلمي في ذلك الوقت. الباحث الجزائري لا يتغير في الخارج بل يجد البيئة المناسبة لماذا لا يبرز الباحث الجزائري إلا عندما يغادر الوطن ؟ سؤال مهم جدا، في الواقع الفرد الجزائري لا يتغير بمجرد خروجه من بلده، لكنه و ببساطة يجد البيئة المناسبة لممارسة معارفه و البرهنة عليها.. الجزائري لا يختلف عن باقي الجنسيات فهو ليس الأحسن و لا الأسوأ، بل يكون أكثر عطاء عندما تتوفر الظروف المناسبة، لذلك أنا متأكد من أنه إذا توفرت الظروف ذاتها بالجزائر سوف نحصل على نفس النتائج، و هذا أمر لا يحدث فورا بل يتطلب عشرات و عشرات السنوات، لذلك علينا المضيّ بتمهل من أجل الوصول إلى هذه الشروط. تمتلكون أكثر من ألف براءة اختراع في التكنولوجيا و الالكترونيات الدقيقة، و أحدثتم ثورة في هذا المجال بالمساهمة في اختراع الكاميرات الدقيقة للهواتف النقالة و المشاركة في تطوير جهاز "البلاي ستايشن" ل "سوني"، هل تحضرون حاليا لاختراع جديد، و هل بالإمكان إطلاعنا على تفاصيله؟ أي منتج هو نتيجة عمل آلاف المساهمين و آلاف المخترعين، و قد كان لي مساهمة صغيرة في الاختراعات التي ذكرتها، و في الوقت الراهن أنا بصدد العمل على بعض الأبحاث التي لا يمكنني التطرق إليها بالتفاصيل، كل ما يمكنني قوله هو أني أشتغل على اختراع في مجال الأبعاد الثلاثية للإلكترونيات الدقيقة، من أجل تحسين وظيفة الشرائح الالكترونية و تقليص حجمها أكثر. براءات الاختراع التي حصلتم عليها مسجلة في مراكز أبحاث بالولاياتالمتحدةالأمريكية و بدول أوروبية و حتى آسيوية، ألا تفكرون في تطوير اختراع مسجل بالجامعات الجزائرية؟ أم أن ذلك صعب في الوقت الراهن؟ لا نقدم على براءات اختراع من أجل الظهور و التباهي، الأمر يكلف أموالا كثيرة و يستهلك الوقت أيضا.. براءات الاختراعات التي حققتها ممولة من قبل الشركة التي أشتغل معها و الهدف منها هو خدمة هذه الشركة لكي تنجح، لذلك فإن البراءات توضع في البلدان التي تصنعها في شكل منتج، و في الحقيقة اختراعاتي لم توضع في الجزائر و في كامل القارة الأفريقية و ببلدان كثيرة أخرى، لأن هذه البلدان لا تتوفر على صناعة و إنتاج الالكترونيات الدقيقة. بالنسبة للجزائر يمكن أن تسجل بها براءات اختراع بمجرد تطوير صناعة الالكترونيات الدقيقة بشكل جيد و ضمان الحماية القانونية اللازمة لهذه الاختراعات. أشتغل على اختراع في الأبعاد الثلاثية للشرائح هل هناك إمكانية لاستقراركم نهائيا بأرض الوطن و هل تلقيتم عروضا أو تحفيزات معينة لتقديم خدماتكم العلمية للجزائر؟ حاليا أنا في أوج عطائي المهني و لا زلت أعمل على تطوير حياتي، كما أن أبنائي يدرسون بين الثانوية و الجامعة و لا يمكنني تركهم خلفي في حالة العودة للجزائر، و لا حتى تحويلهم من الجامعات الأمريكية إلى الجامعات الجزائرية، لذلك أعتقد أن الوقت غير مناسب الآن للعودة و الاستقرار بأرض الوطن.. بمجرد إنهاء أبنائي لمسارهم الدراسي يمكن أن تكون لي إجابة أخرى عن هذا السؤال. لم أبتكر بالجزائر لغياب صناعات في الالكترونيات الدقيقة بالنسبة لسؤالك حول ما إذا تلقيت تحفيزات لتقديم خدماتي العلمية للجزائر، لم يتم الاتصال بي من طرف الهيئات الجزائرية، و أنا أيضا لست بصدد البحث في هذا الأمر. تشير أرقام كُشف عنها مؤخرا إلى أن حوالي 11 بالمائة فقط مما تنتجه مخابر البحث عندنا ذات جدوى اقتصادية، فما الحلول التي تقترحونها لكي يرتقي البحث العلمي بالجزائر إلى ما هو موجود في الغرب؟ وضعية البحث العلمي بالجزائر معروفة للجميع، و لتحسينها يجب أولا تحسين بيئة البحث العلمي، و تمويل المخابر و رعاية الأساتذة. علينا ألا نقوم بالبحث العلمي فقط من أجل البحث، و يجب على الدولة و الخواص البدء في تمويل الأفكار المبتكرة و خاصة المؤسسات الشبانية الناشئة، التي بمقدورها المساعدة في حل مشاكل المجتمع، فقد لاحظت أن الخواص غائبون تماما عن لعب دورهم في هذا الشق. لم أتلق دعوات للعودة و لا أفكر في ذلك حاليا المشكلة الأخرى و هي الأهم و الأصعب برأيي، تكمن في الشركات الوطنية و الخاصة التي عليها أن تكون جاهزة لشراء ما تنتجه المؤسسات الناشئة، و هي نقطة يعاني منها جميع أصحاب المؤسسات الشبانية الذين تحدثت إليهم، و بالتأكيد إن لم يكن هناك مشتر للمنتج لن يكون هناك ممول للمؤسسة، و النتيجة مؤسسات و مخترعون و مقاولون تملّكهم اليأس، و هنا المشكلة. هل هناك تخصصات في التكنولوجيا و الالكترونيات لم تدمج بعد في الجامعة الجزائرية؟ لا أعتقد أنها مسألة تخصصات غير مُدمجة، فالأساتذة و المخترعون قادرون على تدريسها، ربما ينقصهم تكوين تطبيقي معمق، لكن ما يلزمهم أكثر برأيي، هو البيئة المناسبة لخلق أفكار مبتكرة و القدرة على تحويلها إلى منتجات مبتكرة، ثم تمويلها و تسويقها، و دون ذلك سنظل ندور دائما داخل حلقة مفرغة. يجب تحسين بيئة البحث العلمي ببلادنا يرى الكثيرون بأن استعمال الجزائريين للتكنولوجيات الحديثة أخذ اتجاها خاطئا، وقلّما يكون لأغراض علمية أو بحثية، ما رأيكم؟ في الواقع لست مختصا في علم الاجتماع، لكن الاستعمال الصحيح للتكنولوجيا في البحث و تطوير الأفكار و التطبيقات، يأتي إذا كان هناك عمل على ذلك، فإذا لم يكن هناك طلب على الأفكار المبتكرة و الجاهزة للتسويق من طرف أفراد المجتمع، لا يجب علينا أن نتوقع غير ذلك. ربما إن أدخل الأساتذة و المسؤولون التكنولوجيا أكثر في المناهج التعليمية، سوف نرى تغييرا. المخترعون في الجزائر ينقصهم التكوين التطبيقي لاحظت أيضا أن تدفق الأنترنت ضعيف جدا بمناطق عديدة من الوطن، و هذا يشكل أيضا عقبة أمام الاستعمال الأمثل للتكنولوجيا، زيادة على أننا لا زلنا نعمل بنظام الجيل الثالث متأخرين على جميع جيراننا. شهدت الولاياتالمتحدةالأمريكية مؤخرا حادثة اعتقال طفل عربي اشتبه في أن الساعة التي اخترعها عبارة عن قنبلة.. بحكم أزيد من 20 سنة قضيتموها بهذا البلد، ألا ترون بأن ما حصل لأحمد يعكس استمرار توجس الغرب من كل ما هو عربي؟ أفضل عدم تقديم رأيي في هذا الخصوص، لكن ما يمكنني قوله هو أني أعيش في منطقة من الولاياتالمتحدةالأمريكية يقطنها عدد كبير من المهاجرين، و بالنسبة لي و لعائلتي لم نكن عرضة لأي موقف مشابه.