دهاليز لا تدخلها أشعة الشمس و بشر يعيش مع الأفاعي و الجرذان سمعنا عن معاناتهم أكثر من مرة عندما كانوا يخرجون إلى الطريق أو يحتجون أمام البلدية و الدائرة و اعتقدنا أكثر من مرة بأن ما يطالبون به لا يختلف عن مطالب و انشغالات باقي الأحياء الشعبية العتيقة عبر مدن و قرى ولاية قالمة الماء ، الغاز ، الطرقات ، الأرصفة ، الإنارة العمومية و شيء من الكماليات و محاسن الحضارة العمرانية الجديدة ،هكذا كنا نعتقد عقب كل احتجاج يقوم به أهالي روود الحواس الحدائق و البوسيسي بوادي الزناتي القديمة التي أتت عليها عوامل الزمن و حولتها الى هياكل عمرانية متداعية . أخيرا عرفنا لماذا يبالغ هؤلاء في الاحتجاج عندما دخلنا الى مقابر الأحياء رفقة والي الولاية الذي يعد أول مسؤول محلي رفيع يتوغل في قلب المعاناة الحقيقية التي يعيشها سكان الحدائق ، البوسيسي و روود الحواس الذين أصروا عل أن تكون الزيارة من بيت الى بيت و من زنقة الى زنقة كما ردد بعض الشباب في ما يشبه إستراتجية المسح الشامل التي أطلقها الزعيم الليبي منذ أيام و كان لهم ما أرادوا انتقلنا من بيت الى بيت و من زنقة الى زنقة و وقفنا على ما يشبه المأساة الإنسانية التي تسببت فيها المجالس المتعاقبة على البلدية العريقة كما قال السكان الذين فتحوا أبواب أكواخهم على مصراعيها و طلبوا من الجميع الدخول دون استئذان للوقوف على مأساة بشر يعيش داخل دهاليز مظلمة يصارع الأمراض و الجرذان و الأفاعي وسط النفايات و مياه الأمطار و أزقة عجزت عن تمرير جثامين الموتى الذين وافاهم الأجل بين جدران الطوب دون أن ينعموا بسكن يحفظ كرامتهم و يزرع البسمة على وجوه أطفالهم الذين ولدوا و كبروا هنا بعيدا عن ضوء الشمس . يقول السكان بأن الأحياء المذكورة يعود الكثير منها الى مرحلة الاستعمار و تشكل حاليا قلب مدينة وادي الزناتي التي بدأت في التوسع نحو الغرب و الجنوب أين ظهرت الأحياء الجديدة التي أفرغت المدينة القديمة من سكانها تقريبا و لم يبقى إلا أهالي الحواس ، الحدائق و البوسيسي الذين وجدناهم عند المداخل الرئيسية ينتظرون ما سيقوله أصحاب القرار في هذا اليوم الذي خرج فيه كل الأهالي لاستقبال الضيوف و دعوتهم الى زيارة ما أسموه بمقابر الأحياء التي كشفت عن أسرارها بكل وضوح و لم تعد قادرة على حجب الحقيقة و إخفاء وجهها الأسود عن الآخرين ، عائلة من10 أفراد بغرفة لا يدخلها ضوء الشمس دخلنا حي مصطفى بن بوالعيد أو روود الحواس كما يسميه الزناتية لم يتمكن الوفد ألولائي من عبور الأزقة الضيقة و اضطر رجال الأمن الى تخفيف الحركة و تقليل عدد المرافقين لوالي الولاية الذي دخل العديد من الأكواخ و وقف على حقيقة الوضع هناك عائلات يتراوح عدد أفرادها من 5 الى 10 أفراد تعيش داخل أكواخ من غرفة واحدة مغطاة بقطع البلاستيك و صفائح الترنيت في أحسن الأحوال جدرانها من الطوب المتآكل توشك على السقوط و دورة مياه تتحول الى مطبخ أحيانا و أحيان أخرى الى مكان لتخزين مياه الشرب و حفظ الملابس قبل الغسل . أغلب البيوت بأحياء الحواس و الحدائق شبيهة بالدهاليز لا تتوفر على نوافذ و لا يدخلها ضوء الشمس على مدار السنة يعيش سكانها على نور الكهرباء ليلا و نهارا وسط رطوبة عالية سببت الكثير من الأمراض الصدرية و الجلدية للصغار و الكبار الى جانب أمراض أخرى كالسكري و القلب وهي نتاج المعاناة و الظروف المعيشية الصعبة كما قال سكان الحواس الذين طالبوا والي الولاية باتخاذ قرار عاجل لترحيلهم الى سكنات جديدة و تخليصهم من العذاب. النساء اللواتي خرجنا لمقابلة الوالي أكدن بأن أهالي الحواس قد فقدوا كرامتهم و إنسانيتهم و أصبحوا أقرب الى مجتمع الحيوانات التي تعيش في مستودع واحد و قالت إحداهن بأن بناتها و أبناءها يقتسمون غرفة نوم واحدة إنه العار ،و أضافت أخرى بأن أبناءها أصبحوا يستحون من دخول غرفة أخواتهن حيث أجبرتهم الظروف على المبيت بالمقاهي و ورشات البناء و محطات الخدمات، و يضم حي روود الحواس نحو 153 عائلة البعض منها يقيم هنا منذ 60 سنة . عندما يتعايش البشر مع الأفاعي و الجرذان انتقلنا من مصطفى بن بوالعيد الى حي الحدائق المجاور و الذي يمثل قلب مدينة وادي الزناتي العتيقة ، حاله لا يختلف كثيرا عن سابقه أكواخ من الطوب و صفائح الزنك أمراض أقعدت الكبار والصغار تسربات لمياه الأمطار و بشر يعيش مع الأفاعي و الجرذان التي تسكن البالوعات و أنابيب الصرف المتآكلة التي تختلط مياهها القذرة بمياه الشرب من حين لآخر حسب السكان الذين قالوا بأن حي الحدائق سيبقى وصمة عار في جبين المسؤولين الذين تعاقبوا على وادي الزناتي منذ الاستقلال و الى اليوم . و قد تحولت أنظمة الصرف المتآكلة بحي الحدائق الى مصدر للروائح الكريهة و خطر يهدد حياة الأطفال الذين حرموا من اللعب بأزقة الحي التي ضاقت بأهلها أحياء و أمواتا . دخلنا بعض الأكواخ بعد إلحاح من أصحابها و هذه صور حية للمعذبين بأقدم حي سكني بوادي الزناتي ،عائلة صم فرحاة 10 أفراد و غرفتين واحدة للأبناء و أخرى مساحتها 4 أمتار مربعة للأب و الأم ،عائلة شويب عبد الحفيظ 7 أبناء و بنات يقتسمون غرفة واحدة ،عائلة عياد صالح 7 أفراد كوخ مهدد بالانهيار روائح و تسربات للمياه،عائلة ولباني أحمد 4 أفراد منهم طفلة معوقة و أم مصابة بالسكري يعيشون في غرفة واحدة ، و قد سمعنا بحالات أخرى لم نتمكن من الوصول إليها حيث انتقلنا الى حي 17 أكتوبر أو ما يعرف هنا بحي البوسيسي الواقع بالضاحية الشمالية للمدينة استفاد بعض سكانه من مشروع البنك العالمي منهم من ودع المعاناة و منهم من ينتظر منذ 10 سنوات بعد أن دخل المشروع مرحلة الركود . تأجير قاعات الحفلات لإقامة مراسم العزاء تعاني أزقة الحواس و الحدائق من الضيق و الانحصار الشديد حيث لا يكاد المرء يمر دون أن يلتصق بجدران الطوب ،وضع أجبر السكان على كراء قاعات الحفلات لإقامة مراسم العزاء عندما يتوفى أحد أبناء الحي و قالوا بأنهم يجدون صعوبة كبيرة عند إخراج جثامين الموتى من الأكواخ بسبب ضيق الأزقة و انتشار المياه القذرة و البالوعات المفتوحة. و قد تحدث السكان عن الحرائق التي تنشب من حين لآخر بسبب اشتعال العدادات و خيوط الكهرباء داخل أحياء الحواس و الحدائق حيث و جدنا بعض الأكواخ بدون كهرباء بسبب الاعطاب التي تتعرض لها شبكة التوزيع المتداخلة. أكثر من 1000 وحدة سكنية جديدة للقضاء على بؤر المعاناة و أمام الوضع المتردي الذي تعرفه الأحياء المذكورة تقرر تخصيص أكثر من 1000 وحدة سكنية جديدة لإعادة إسكان كل العائلات المسجلة ضمن إحصاء 2007 الخاص بالبرنامج الوطني للقضاء على السكن الهش و قال والي الولاية بأن أحياء البؤس و الشقاء لن تبق بمدينة وادي الزناتي وأن الأمر يحتاج الى قليل من الصبر الى غاية إنجاز المساكن الجديدة التي أنتظرها أهالي روود الحواس الحدائق و البوسيسي منذ فجر الاستقلال كما قالوا و كلهم أمل في تغيير الوضع الراهن الذي تسببت فيه لجان التوزيع المتعاقبة حسب ما قال السكان الذين تحدثوا عن سكنات اجتماعية استفاد منها أصحابها و قاموا ببيعها أو تأجيرها في وقت يعاني سكان الصفيح من البؤس و الشقاء منذ أكثر من ستين سنة.