استغرب يوم أمس، العشرات من سكان حي 08 ماي 1945، بمدينة برج بوعريريج، اكتشاف مفرغة عشوائية لمختلف أنواع القمامة و النفايات داخل منزل عجوزين مسنين ، تبيّن أن متسوّلة استغلت مساعدتها لهما و إقامتها معهما لسنوات، لتحويل مسكنهما إلى مكان لجمع و تخزين كل ما تجنيه . و قد تضافرت جهود مصالح الحماية المدنية و أعوان النظافة التابعين لأربع ورشات في إطار مشاريع الجزائر البيضاء، لإخراج قناطير من القمامة و النفايات و الأثاث القديم، من داخل المنزل، بعد تحرك الخلية الجوارية للتضامن على مستوى مديرية النشاط الاجتماعي، لمساعدة العجوزين على الخروج من وضعية معيشية مزرية استمرت لسنوات على بعد خطوات من منازل الجيران الذين اقتصرت مساعداتهم على تقديم الأكل و الرعاية الطبية . قناطير من النفايات مكدسة وسط المنزل تنقلنا إلى المكان بعدما تلقينا اتصال في حدود منتصف النهار، من قبل بعض السكان، أخبرونا فيه بوجود آليات للشحن و أعوان الحماية المدنية بالقرب من مسكن العجوزين الواقع بحي 08 ماي المعروف محليا بتسمية «الباطوار» و الذي يعد من بين أعرق الأحياء المتواجدة بمدينة البرج بجوار خط السكة الحديدية، و بمجرد وصولنا إلى المنزل وجدنا عشرات الأعوان التابعين للحماية المدنية و كذا أعوان النظافة، و هم منهمكين في إخراج القمامة و الأثاث القديم بواسطة النقالات الحديدية و على أكتافهم، إلى خارج المنزل أين يتم تحميلها باستعمال آلية للشحن على متن شاحنات و تنقل بعد ذلك إلى المفرغة العمومية. دخلنا إلى المنزل أين وجدنا العجوزين، شيخ « خ.علي « من مواليد 1925 و زوجته البالغة من العمر 70 سنة، داخل غرفة تحتفظ بالكثير من الأثاث القديمة و الأفرشة البالية، كانت العجوز تشكو من ضيق في التنفس أو كما كانت تقول بالعامية « راني مخنوقة»، فيما كان شيخها يطالب بانتقاء الأشياء التي يتم التخلص منها و الاحتفاظ بالأثاث و بعض المعدات التي كان يعتقد أنها مفيدة، اقتربنا منه لمعرفة المزيد عن ظروفه المعيشية، و حاولنا الحصول على أكبر قدر من المعلومات غير أنه اكتفى بالكشف عن دخله المحدود جدا و الذي لا يكفي بحسبه لتوفير قوت يومه مع زوجته، و عجزه عن توفير ضروريات الحياة و تكاليف الدواء، مشيرا إلى تحصله على منحة تقاعد تقدر بحوالي 07 آلاف دينار، و بقائه على هذا الوضع من سنوات، ليتزايد حالهما سوء خلال العامين الأخيرين بعد تدهور وضعهما الصحي و عجز زوجته المسنة التي وجدناها مقعدة و مستلقية على بطانية. و لعل ما جذب انتباهنا داخل المنزل زيادة على كميات القمامة و النفايات، هو نشاط أعوان الحماية المدنية و أعوان النظافة، الذين تحدثوا معنا بنوع من الدهشة و الاستغراب، مشيرين إلى أنهم وجدوا قناطير من الألبسة الرثة و دلاء الزيت القديمة و الدلاء و القارورات البلاستيكية و أكوام الأحذية الجلدية و المطاطية، و كمية معتبرة من الخردوات و الأثاث القديم، كلها كانت تملأ أرجاء المنزل الذي لم يبق منه سوى غرفة صغيرة يعيش وسطها العجوزان ، و يستقبلان فيها ضيوفهما من أبناء الحي و كذا ابنهما بالتبني في بعض الأحيان . متسوّلة حوّلت منزلهما إلى مفرغة فوضوية و أشار المشرفون على عملية تنظيف المنزل المكون من طابق أرضي و بناية في الطابق الأول غير مكتملة السقف، و بناية قديمة مجاورة مكونة من غرفتين بالقرميد، أنهم قاموا بإخراج كمية كبيرة من النفايات و الأثاث القديم، ما استدعى الاستنجاد بآليات الشحن و الحفر و الشاحنات لنقلها إلى المفرغة العمومية، مؤكدين نقل 08 حمولات لشاحنات نقل القمامة، و لازالت العملية مستمرة لتنظيف الطابق الأول . و بينما أنهى الأعوان تنظيف الطابق الأرضي للمنزل، تمكنا من رؤية أكوام القمامة المكدسة في الطابق الأول و كذا بالغرفتين المجاورتين، و قادنا الفضول إلى التساؤل عن مصدر هذه النفايات، سيما و أنها تتكون من أغطية رثة و ملابس مستعملة و بقايا الأحذية الجلدية و المطاطية و أجهزة إلكترونية قديمة و أثاث خشبي قديم و حقائب و غيرها من النفايات البلاستيكية، كان بالقرب منا أحد الشبان القاطنين بالحي، أشار إلى أن العجوزين استنجدا في وقت سابق بامرأة متسولة كانت تقطن معهما بالمنزل و تساعدهما في توفير الأكل و قضاء حاجياتهم، و استغلت الوضع لجلب مختلف الأغراض و المحتويات التي تجنيها من عائدات التسول و تقوم بتكديسها داخل المنزل، و غادرت بعدها المكان من دون رجعة تاركة ورائها أكوام و قناطير من النفايات و الخردوات التي لا تصلح لأي استعمال. وعود بالتكفل بالعجوزين و منحهما إعانة لترميم المنزل و تصادف تواجدنا ووصول مدير النشاط الاجتماعي و مدير الحماية المدنية إلى منزل العجوزين، أين تم الاتفاق على إعفاء الأعوان ( ضابط و 25 عونا) الذين اشتغلوا لساعات و تمكينهم من الراحة، على أن تتم مواصلة عملية التنظيف اليوم الخميس لإخراج النفايات المتواجدة في الطابق الأول، و أكد مدير النشاط الاجتماعي على أن مصالحه تلقت تبليغا من قبل مواطنين يفيد بالوضعية المعيشية المزرية للعجوزين، ما استدعى تكليف الخلية الجوارية للتضامن بفتح تحقيق اجتماعي للاطلاع على الوضعية، و بعد وقوفها على الحالة «الكارثية» قامت في بادئ الأمر بتوفير الرعاية الطبية و النفسية، ليتم بعدها اتخاذ قرار تنظيف المنزل من النفايات بالتنسيق مع مصالح الشؤون الاجتماعية بالبلدية و مديرية الحماية المدنية، كما أكد المدير تلقي وعود من طرف سلطات البلدية لمنح إعانة لترميم المنزل وأخرى من طرف محسنين كان احدهما حاضرا بالمكان لتجهيز المنزل، بالإضافة إلى تكليف مساعدة اجتماعية برعايتهما مستقبلا و تمكينهما من العلاج المجاني. و أشار بعض السكان إلى التبليغ عن الحالة بعدما أصبحت تلك النفايات تمثل تهديدا على صحة العجوزين ناهيك عن مخاطرها البيئية و الصحية على سكان الحي . من جانبهم أشار بعض الشباب من القاطنين بالحي على غرار ميلود و رياض أنهم يكنون محبة كبيرة للعجوزين، خاصة العجوز المسنة التي قالوا عنها أنها كانت كريمة إلى أبعد الحدود و تشعر بسعادة كلما يزورونها، خاصة خلال السنوات الفارطة التي تعبت فيها و أصبحت مقعدة، و أكدوا على تكفل الجيران بتوفير الأكل للعجوزين في كل يوم غير أنهم عجزوا عن إقناعهما بتنظيف المنزل من النفايات إلى أن تدخلت مديرية النشاط الاجتماعي و سلطات البلدية.