مرّة أخرى يُغرق الإرهاب الدولي القارة العجوز في أجواء من الرّعب و الحزن، خلّفتها هجمات متعددة التفجيرات ضد مطار و ميترو الأنفاق بالعاصمة الأوروبية بروكسل الرمز السياسي و الدبلوماسي.الهجمات من هذا النوع التي تستهدف الأماكن العامة، تكون حصيلة ضحاياها ثقيلة و مؤلمة و انعكاساتها مباشرة على الحياة الإجتماعية و الإقتصادية لأوروبا التي تتقدم الحلف العالمي لمكافحة الإرهاب و مطاردته في مواقعه الأصلية.و يبدو أنّ التنظيم الذي تبنّى سريعا العملية المثيرة، يستجمع قواه ويعمل ضمن استراتيجية محكمة و توقيت مدروس للضرب كل فترة معيّنة و بقوة في مدينة أوروبية. وكان آخرها اعتداءات باريس في نوفمبر الماضي و التي خلّفت أكثر من 130 قتيلا و حالة لا توصف من الهلع و الفزع.و لاشك أن هجمات بروكسيل بالأمس تستهدف أيضا دولة مثل فرنسا التي تعتبر امتدادا سياسيا و أمنيا لدولة بلجيكا. ففرنسا التي ترفع لواء مكافحة الإرهاب ليس على أراضيها فقط، بل في عدة بلدان عربية مثل سوريا و ليبيا و في إفريقيا، أعلن رئيسها أن بلاده في حالة طوارئ قصوى و عقد مجلسا أمنيا لمواجهة تداعيات الجار بلجيكيا. و هجمات العاصمة الأوروبية بروكسيل هي رسالة واضحة من المدبرين الفعليين أن كل أوروبا مستهدفة بعمليات إرهابية مبرمجة لا ينفذها بالضرورة إرهابيون قادمون من وراء البحر، بل قد يتولاها إرهابيون نشأوا و ترعرعوا في أوروبا، ممّا يؤكد أن لأوروبا إرهابيوها و متطرفوها ، و بالتالي تتحمّل مسؤوليتها السياسية و الأخلاقية في تنامي هذه الظاهرة التي كان الأوروبيون يعتقدون أنهم بمنأى عنها. و في مثل هذه الظروف المأساوية و المروعة، سارعت الجزائر إلى إدانة اعتداءات بروكسيل بشدة و وصفتها بالإرهابية و الجبانة و الشنيعة. و أعربت وزارة الخارجية عن تضامنها مع مملكة بلجيكا وشعبها وتقدم تعازيها لعائلات الضحايا و تجدد رفضها للإرهاب و استعدادها لمواصلة التعاون مع جميع الفاعلين الدوليين من أجل استئصاله نهائيا. و أشار بيان الوزارة أنه يجب أن تأخذ هذه المكافحة الشاملة ضد الإرهاب بعين الإعتبار ضرورة معالجة الجذور التي تستمد منها هذه الآفة قدرتها على إلحاق الضرر. و لطالما عملت الجزائر، كبلد ذو تجربة رائدة في مكافحة الإرهاب على مدى أكثر من عشريتين، على جلب انتباه الأوروبيين و الأمريكيين كل مرّة، إلى مقاربات قاتلة تجاه ظاهرة الإرهاب المتصاعدة، إضافة للإنعكاسات السلبية للسياسة الغربية المنتهجة تجاه العالمين العربي و الإسلامي و قضاياه و التدخل السافر في شؤونه الداخلية و الإنحياز الأعمى للكيان الصهيوني. و لعل الخطأ الكبير الذي ارتكبه الغرب، هو لمّا راهن على جماعات مسلّحة و منحها غطاء سياسيا و شرعية التحرك بحرية، من أجل التخلص من آخر الديكتاتوريين و إحلال الديمقراطية في بلدان مثل سوريا و ليبيا، و غفل عن متابعة أمنه الداخلي معتقدا أنه بعيد عن الخطر الإرهابي. و بالتالي يتحمّل مسؤولية التلاعب بالإرهاب، أي محاربته في مالي و توظيفه في سوريا، مع أن الإرهاب هو نفسه في أي مكان و هو ليس غبيّا كما يعتقد مسؤول يبحث عن الوهج الإعلامي المفقود و ثان يبدو شارد الذهن و ثالث يتشفّى فيهم لغبائهم. أوروبا و هي تكفكف دموعها و تستجمع قواها ، وجدت نفسها اليوم وجها لوجه في محاربة إرهابييها و متطرفيها الذين لم ينزلوا من السماء و لم يأتوا أو يتسلّلوا من العالمين العربي و الإسلامي. و الغرب الذي عقد لواء الحرب على الإرهاب حسب تصريحات مسؤوليه السياسيين الذين لم يعد يوثق في قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم، مطالب بمراجعة سياسة الإندماج الداخلي للأجانب وإعتماد مقاربة جديدة في فهم و معالجة الجذور التي تستمد منها آفة الإرهاب قدرتها على إلحاق الضرر بشكل رهيب و متصاعد.