تأتي الجزائر في المرتبة الثامنة عالميا في إنتاج زيت الزيتون رغم أننا نملك المساحة الأوسع والأراضي الأجود في منطقة المتوسط الشهيرة بالزيتون ، ويمكننا بكل سهولة احتلال الريادة لو تخلينا عن عادات الفلاحة المعاشية وبيع الزيت على حواف الطرقات. من غير المقبول أن يبلغ سعر اللتر الواحد من زيت الزيتون في بلدنا عتبة ألف دينار، مثلما هو متوقّع هذا الموسم، والجزائر موطن الشجرة المباركة، الرقم لم يحدد على أساس عوامل طبيعية أدت إلى تراجع الإنتاج فحسب، بل لأن جني الزيتون يعد مصدر عيش للكثير من العائلات الفقيرة، لكن المشكل هو أننا لا نزال نتعامل مع الزيتون كشجرة مهملة نتذكرها عند القطاف. كما أن عمليات العصر لا تزال تخضع لأدوات تعد قديمة مقارنة بما يحصل عند جيراننا، أين يعتبر الزيت من أهم الصادرات، للأسف تذهب نسبة كبيرة من الإنتاج للاستهلاك العائلي ويحفظ في شكل مؤونة، إلى درجة أن هناك من سكان مناطق جبلية من يحتفظون ببراميل للإستعمال اليومي على مدار السنة وما يسوّق، إما هو فائض عن الحاجة، أو نصيب ورثة يقطنون المدن. زيت الزيتون عندنا يقتنى عبر سلسلة تبدأ من المحيط القريب للعائلة ثم العمارة فالحي وحتى مقر العمل، فنجد المادة تباع في قارورات بلاستيكية مستعملة، بعضها يجمع من المزابل، وتنقل من مكان إلى آخر وعادة ما تخزن في أماكن غير ملائمة قبل أن تصل إلى المستهلك بسعر غير منطقي. كما نجد الباعة منتشرين على حواف الطرقات يعرضون كميات كبيرة من المادة ، منها ما هو ممزوج بمواد أخرى للرفع من احتمالات الفائدة، المعاصر أيضا تسوّق وبنفس الطريقة تقريبا ولكن بأسعار أكبر أحيانا. وهنا يتضح الخلل بين سلسلتي الإنتاج والتسويق ونفهم لماذا لا نزال غير قادرين على بلوغ المرتبة التي يفترض أن نحتلها لإعتبارات لها علاقة بسخاء الطبيعة لا أكثر. المساحة المغروسة حاليا بالزيتون في بلادنا تقدر ب300 ألف هكتار معظمها يقع في مرتفعات ممتدة ما بين وسط وشرق البلاد، لكن كمية الإنتاج الذي يسوّق غير معروفة، وأغلبه يأتي من خارج المجال الجغرافي للزيتون، لوجود تجارب ناجحة بالجنوب والغرب ومناطق السهوب ، أدت إلى تكثيف هذا النوع من الأشجار، ولكن بقدر أدنى مما هو مطلوب. شجرة الزيتون التي احتمى بها المجاهدون في عهد الاستعمار و لجأ إليها السكان في العشرية السوداء لمقاومة الجوع وتعد ملاذا في الكوارث وحالات العزلة، يمكنها أن تعوّض البترول وبسهولة، لكن للأسف ثقافة الاتكال على التمويل العمومي تجعل صاحب شجرة معمرة يطالب بمساعدته على تجديدها، ويتوقع دعما في الجني والتعبئة والتسويق، رغم أن أجدادنا اعتمدوا على عرقهم لتشكيل هذا الثراء المهدد اليوم. ما نحتاجه هو العودة إلى الفلاحة بكل ما تتطلبه من تعب و صبر ، لأنه لا جني دون غرس، فالزيتونة معطاءة وغير متطلبة، تحتمي بالجبال ولها من العمر ما يغنينا عن هزات سوق النفط، لكن ثمارها تتطلب الجدية والإيمان بالعمل وتحتاج إلى فكر مقاولاتي يحد من النزيف الحاصل على الحدود، ويكفي أن نعلم أن زيت الزيتون الجزائري اليوم يهرب ويعاد تسويقه على أنه إسباني ومغربي وتونسي ليعود إلينا في قارورات أنيقة، بينما لا يزال هناك من يمد يده طلبا للمال العام وينسى أن العمل هو الحل.