على الرغم من العدد الكبير للجزائريين المقيمين في الخارج إلا أن تحويلاتهم من العملة الصعبة نحو البلاد تبقى قليلة مقارنة بجيراننا يمينا ويسارا، ومقارنة بدول أخرى في المنطقة. فرقم ملياري دولار مهم لكنه يبقى مقارنة بحجم الجالية الوطنية المقيمة بالخارج رقما متواضعا، لأن عدد أفراد الجالية التونسية لا يساوي ربما نصف عدد الجزائريين لكنهم استطاعوا تحويل قيمة 2.3 مليار دولار في سنة 2015 نحو الداخل، مقابل ملياري دولار لجاليتنا، هذا دون الحديث عن المغاربة الذين أدخلوا 6.4 مليار دولار في ذات السنة، أو المصريين الذين تمكنوا من مساعدة بلدهم ب 19.7 مليار دولار في نفس الفترة كذلك. مثل هذه المعطيات تؤكد أن ثمة خلل ما، في هذا الموضوع، وعليه لابد من النظر في الكيفية المثلى التي تسمح للجزائريين بمساعدة بلدهم بشكل أوسع و أكبر في المستقبل وبخاصة في الظروف الحالية، لأنه لا يوجد مهاجر في العالم لا يعمل من أجل تحويل الثروة التي يحصل عليها نحو بلده الأصلي. فكثير ما اشتكى أفراد الجالية الوطنية في الخارج من ثقل التعاملات البنكية وعمليات التحويل هنا في الجزائر، وربما هو السبب الذي دفع بالكثير منهم إلى الإحجام عن إدخال كميات معتبرة من الأموال نحو الجزائر والاكتفاء بالقليل منها الموجه لسد حاجيات معينة، وليس أفراد الجالية فقط من اشتكوا من النظام البنكي الوطني المتأخر مقارنة بما هو موجود في العالم اليوم، بل هناك أجانب أيضا وأصحاب شركات مستثمرة هنا اشتكوا منه، كما اعترف المسؤولون في الحكومة أكثر من مرة بأنه يجب تطوير وعصرنة هذا النظام، لكن إلى متى نبقى نشخص ولا نعالج؟ في مجال المال من السهل جدا تفسير سلوكيات المتعاملين ، لأنها تقوم على مبدأ بسيط هو الربح والخسارة، وبما أن فئة عريضة من مهاجرينا عزفت عن إدخال أموالها نحو البلاد بالشكل المطلوب، فلا شك أنها لم تجد ما يساعدها في هذا المجال، أو أنها تعاني من بطء في الإجراءات، وهامش قليل في الربح الناتج عن التحويل. وهنا من واجب الحكومة العمل على تسهيل المهمة أمام هؤلاء لأن بإمكانهم تقديم مساعدة كبيرة للبلد وبخاصة في ظل الظروف الحالية التي نمر بها جميعا، نعم في بلدان أخرى مجاورة لنا وغيرها تضع الحكومات تسهيلات كبيرة أمام مهاجريها، وتجد الطريقة المثلى التي تجعلهم يصرفون أموالهم داخل بلدهم الأصلي وليس في بلد آخر يستفيد منها. وهناك عدة طرق لجلب أموال مواطنينا في الخارج عبر تسهيلات سواء خلال التحويل وتخفيف الإجراءات وتبسيطها، أو فيما تعلق بهامش الربح، أو خفض أسعار تذاكر السفر وتوفير وسائل التنقل نحو البلد خاصة في موسم الصيف و أثناء العطل، وتوفير الهياكل الخاصة بالاستقبال، وتخفيف إجراءات الاستيراد وغيرها. هذه أمثلة بسيطة يمكن من خلالها تشجيع أي مهاجر على صرف الأموال التي يتحصل عليها في أوربا وغيرها داخل بلده وليس في مكان آخر في هذا العالم، ولكي لا يلجأ إلى سوق السكوار للعملة الصعبة كي يصرف أمواله هناك. يمكن لجاليتنا في الخارج أن تحول أكثر من ملياري دولار سنويا بكثير، فهي أكبر جالية عربية في أوربا وفي فرنسا خاصة، ولابد من تنظيمها في شكل لوبيات حقيقية تنفع البلاد ليس فقط في مجال تحويل العملة الصعبة، بل أيضا في المجال السياسي وصناعة الرأي العام والتسويق للثقافة الوطنية، وللمواقف السياسية الكبرى التي تتخذها الجزائر.