الزبائن يهجرون محلات الألبسة الكلاسيكية بالقصبة فقدت محلات بيع الألبسة الرجالية بحي القصبة، وسط مدينة قسنطينة، بريقها الذي كان يخطف كل من وطأت قدماه مدينة الجسور المعلقة، و أصبح أصحابها يعانون من ركود تجاري حاد، على مدار العام و حتى في الأعياد و المناسبات، و لم يعد يقصدها إلا كبار السن الذين لا يزالون أوفياء لها، بعد أن كانت رائدة في هذا المجال و الوجهة الوحيدة و المفضلة لسكان قسنطينة و حتى الولايات المجاورة لها، ما حتم على عدد من التجار التوقف عن ممارسة هذا النشاط . النصر قامت بجولة استطلاعية عبر حي القصبة العتيق بوسط مدينة قسنطينة الشهير منذ القدم بمحلات بيع الألبسة الرجالية، خاصة بدلات الرجال الرسمية إلى جانب القمصان و السراويل الكلاسيكية و الجينز و الأحذية، بأسعار معقولة و و كانت قبلة لأبناء قسنطينة و حتى الولايات المجاورة لاقتناء ما يلزمهم من لباس خاصة ذوي الدخل المتوسط و حتى الضعيف. بمجرد أن سلكنا مدخل الحي المحاذي لمدخل شارع 19 جوان، لاحظنا أن حركة الراجلين ضعيفة و تختلف تماما عن الحركية الكبيرة في الشارع المجاور، و كأنه لا يقع بوسط المدينة ، كما أن أزقته و مسلكه أصبحت فضاء لركن السيارات و التوقف العشوائي ما يجعل المار يجد صعوبة في السير و التنقل، نظرا لعدم توفر الأرصفة بشكل شبه كلي، لكننا واصلنا جولتنا بين أزقة القصبة و زرنا محلاتها . لا تبيع السراويل «الممزقة» و تحافظ على موديلاتها الكلاسيكية لاحظنا منذ بداية جولتنا التي دامت ساعتين، بأن محلات الألبسة الرجالية التي كانت تعرف إقبالا كبيرا على مدار اليوم في سنوات مضت ، خالية من الزبائن ، ما عدا بعض المحلات التي تستقبل عددا قليلا من الزبائن، معظهم في العقد السادس من العمر. وجدنا أغلب التجار جالسين في مداخل محلاتهم، بعضهم يتبادلون أطراف الحديث و البعض الآخر يتصفحون الجرائد، و ما لفت انتباهنا أن هذه المحلات لا تزال محافظة على نفس موديلات الألبسة التي كانت تعرضها في السنوات الماضية، و لم تواكب الموضة المرتبطة بسراويل الجينز و الأحذية الرياضية و القمصان و غيرهم، و بقي أصحابها أوفياء للألبسة الكلاسيكية و حتى الشبابية المحتشمة ، فلا وجود هناك للسراويل الممزقة التي يلبسها شبابنا باسم مواكبة الموضة، و قد يكون ذلك أحد أسباب الركود التجاري الذي تشهده محلات القصبة. تُجار غيّروا النشاط وآخرون أغلقوا المحلات خلال جولتنا بحي القصبة العتيق الذي كان يضم أكثر من 30 محلا لبيع الألبسة الرجالية، سجلنا تقلصا ملفتا في عدد المحلات ، و أصبح لا يتجاوز 20 محلا، حيث غير عدد من التجار نشاطهم ، و استبدلوه بالأكل السريع أو بيع المواد الغدائية أو بيع الإكسسوارات و الحقائب النسائية، فيما فضل البعض الآخر التوقف عن النشاط نهائيا، حسب ما أكده لنا التجار الذين تحدثنا إليهم، و الذين أكدوا بأن عددا من زملائهم في المهنة توقفوا عن ممارسة هذا النشاط بشكل كلي بعد أن تكبدوا خسائر كبيرة، في ظل الارتفاع الفاحش لأسعار كراء المحلات التي بلغت 6 ملايين سنتيم في الشهر بالموازاة مع انخفاض قيمة الدينار. و أكد بعض من تمسكوا بمحلاتهم بأن زبائنهم اليوم أغلبهم من كبار السن. ترحيل سكان وسط المدينة و المراكز التجارية من بين أسباب عزوف الزبائن إن عملية الترحيل التي مست عدد ا كبيرا من أحياء مدينة قسنطينة العتيقة، تعتبر من بين أسباب نقص الحركية التجارية بحي القصبة ، حسب ما أكده للنصر صاحب محل بحي القصبة في الخمسينات من العمر، قائلا بأنه منذ نحو 5 سنوات أصبح حي القصبة شبه مهجور ، لا تقصده إلا القلة القليلة، ما دفع العديد من زملائه في النشاط إلى التوقف أو استبداله بآخر ، مضيفا بأنه دخل مجال بيع الألبسة الرجالية منذ أن كان يبلغ من العمر 20 سنة رفقة والده، و بعد أن وافته المنية ورث عنه هذه المهنة، نظرا لاطلاعه الجيد على كيفية إدارتها، حيث قال بأنه نشأ في حي القصبة الذي كان يمتاز بحركية تجارية كبيرة، خاصة في المناسبات، و لم يكن يجد حتى فرصة للجلوس لأخذ قسط من الراحة ، نظرا للحركية الكبيرة التي يعرفها محله و الحي عموما، «لقد كان يقصده الكثير من الزبائن من قسنطينة و من الشرق الجزائري ككل، خاصة سكيكدة و جيجل» ، مضيفا بأنه لا يمكن مقارنة طبيعة النشاط التجاري هذه السنوات بسنوات السبعينات و حتى التسعينات و بداية الألفية الثانية، إذ وصلت درجة الركود إلى حد مرور 5 أيام دون بيع قطعة واحدة ، مرجعا ذلك إلى توسع نشاط بيع الألبسة الرجالية و خلق عديد المراكز التجارية في بعض بلديات قسنطينةكالمدينة الجديدة علي منجلي . كبار السن وحنين أناقة الزمن الجميل صاحب محل آخر لبيع الألبسة الرجالية، قال لنا بأن محلات القصبة كانت معروفة بكونها قبلة للمقبلين على الزواج، حيث أن أغلبية شباب المدينة و كذا الولايات المجاورة، يقصدونها لاقتناء البدلات الكلاسيكية، و كان العريس يقصدها عادة رفقة أصدقائه ، و يختارون معا ما يناسبهم ليوم العرس، حيث كانوا يضفون جوا خاصا لدى زياراتهم للمحل ، و أضاف بأنه كان يساعدهم في اختيار ما يناسبهم من البدلات المعروضة و كذا في وضع ربطة العنق و غيرها ، في جو رائع، غير أن العرسان هجروه في السنوات الأخيرة. و رغم كل شيء فإن هناك زبائن ما زالوا أوفياء للمحلات التي تعودوا عليها ، و هم أشخاص متوسطي الدخل عموما تتجاوز أعمارهم 45 عاما، حسبه ، مضيفا بأن أسعار الألبسة المعروضة معقولة ، حيث يتراوح سعر سروال الجينز بين 170 ألف سنتيم و 330 ألف سنتيم، أما البدلات الرجال الكلاسيكية فسعرها بين 820 ألف سنتيم و مليون و 200 سنتيم، و أوضح محدثنا بأنه يعرض الألبسة المستوردة من الصين و تركيا إلى جانب المحلية، لكن نادرا ما يقصدوه الشباب لاقتناء البدلات الكلاسيكية للأفراح، و يعزفون عن شراء القمصان و سراويل الجينز ، باعتبارها غير مواكبة للموضة، مضيفا بأنه يمتنع عن بيع السراويل «الممزقة» و المصممة بشكل غير أخلاقي، على حد تعبيره، التي دخلت للسوق مؤخرا. أحد الزبائن الأوفياء لمحلات القصبة، و يبلغ من العمر نحو 75 سنة ، أكد لنا بأنه نشأ و ترعرع وسط المدينة و يعتبر حي القصبة وجهته المفضلة منذ الصغر لاقتناء الألبسة، لكنه ففوجئ بغلق عدد كبير من المحلات التي كان يقصدها . وقال زبون آخر في الخمسينات من العمر بأنه كان يرافق والده لهذا المحل منذ كان صغيرا لاقتناء الألبسة ، و لا يزال يقصده لحد الآن لشراء كل ما يلزمه من ملابس أو أحذية، قائلا : عندما كان مقبلا على الزواج اقتنى منه بدلته الكلاسيكية رفقة أصدقائه الخمسة، و لا يزال يتذكر جيدا تلك اللحظات السعيدة. زيارتنا لمحلات القصبة انتهت عند الساعة الرابعة و النصف تقريبا ، و قد لاحظنا توقف حركة الراجلين، فيما أغلقت أغلب المحلات أبوابها إعلانا عن انتهاء النشاط التجاري بالحي العتيق.