تلاميذ يعوّضون دروس الدعم بحصص الحساب الآسيوي لتعلم الرياضيات حوّل العديد من الآباء و الأمهات بقسنطينة اهتمامهم إلى نوع مبتكر و جديد من برامج تطوير القدرات الذهنية لأبنائهم الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و 7 سنوات، هذا البرنامج يعمل على تحفيز ذكاء الطفل و تطوير قدراته على إجراء عمليات الجمع و الطرح و القسمة، من خلال تلقينه طرق الحساب الآسيوية القديمة، و قد اعتمد في الجزائر قبل سنوات، إلا أن الاهتمام به لم يبرز سوى خلال السنتين الأخيرتين، بعد أن أصبحت مادة الرياضيات هاجسا يؤرق الأولياء و يقف في طريق نجاح أبنائهم. يعرف هذا النظام التعليمي، التدريبي و الترفيهي عالميا باسم برنامج الذكاء العقلي و الحساب الذهني، و يعتمد بالأساس على آلتين آسيويتين هما "السوروبان الياباني" و "الآباليس التايلاندي"، وهما عبارة عن آلتين تقليديتين يدويتين لا يتجاوز طول الواحدة منهما 31 سنتيمترا، حيث تتمثل الآلة في مستطيل مجهز بحلقات و دوائر تستخدم في الحساب و توفر المرونة اليدوية اللازمة للقيام بعمليات العد، استنادا إلى مجموعة من الأرقام التي يتم جمعها و طرحها ، وفق مبدأ عام، تلقائيا، و هي تقنية قديمة جدا في آسيا، اعتمدت في الجزائر لأول مرة من طرف الدكتور طارق بن مخلوف سنة 2010. تراجع المستوى وراء الإقبال على" السوروبان" في قسنطينة يلاحظ بأن عدد المدارس التي توفر حصص تعلم الحساب الآسيوي، باتت تعرف رواجا و اهتماما متزايدا من طرف الأولياء الذين وجدوا فيها بديلا عن الدروس الخصوصية أو دروس الدعم في مادة الرياضيات، وذلك على اعتبار أن تكلفة التسجيل في هذه المدارس مقبولة و تعد مناسبة أكثر، مقارنة بالدروس الخصوصية، وذلك حسب ما علمنا خلال جولة قادتنا لإحدى هذه المدارس الموجودة على مستوى بلدية الخروب، أين أكد لنا طاقم التدريس بأن الإقبال كبير جدا من طرف التلاميذ، خصوصا في الطور الابتدائي و السبب راجع، حسبه، إلى النتائج الإيجابية التي حققها البرنامج الذي يركز على محاور رئيسية في عملية تنشيط ذكاء الطفل، أولها تطوير و تقوية الذاكرة، زيادة التركيز،إضافة إلى تنمية الإبداع و زيادة الثقة بالنفس، فضلا عن تقوية مهارات الحساب الذهني و التخيل. عملية تدريب التلاميذ، حسب أحد أساتذة المدرسة، الذين تلقوا تدريبا خاصا في إطار دورات تكوين مكثفة أشرف عليها الدكتور طارق بن مخلوف، تعتمد في البداية على تقوية قدرة الطفل على إجراء عمليات الضرب و طرح و الجمع و القسمة عن طريق آلة السوروبان، وهو النشاط الذي ينمي ذاكرة و ذكاء التلميذ الذي سيطور قدراته في الحساب خلال مراحل قادمة، ليصبح أكثر سرعة في إنجاز العمليات وحتى أسرع من الآلة الحاسبة، قبل أن ينتقل إلى طور آخر وهو الاعتماد على ذاكرته لإنهاء العمليات الحسابية، حتى دون الاعتماد على الآلة. محدثنا قال بأن الأولياء باتوا أكثر اهتماما بتسجيل أبنائهم في صفوف المدرسة بسبب هاجس تراجع مستوى التلاميذ في الرياضيات في السنوات الأخيرة، فالكثير من مرتادي المدرسة هم أطفال كانوا يعانون في البداية من الخوف من مادة الحساب، حتى أن بعضهم كانوا يكرهونها، لكنهم تمكنوا من تجاوز هذا الحاجز مع بداية اندماجهم في الدروس التي تختلف طريقة تقديمها عن الأسلوب التقليدي، نظرا لتميز الآلات المستخدمة في التدريب، و اعتمادها على كل الحواس، بما في ذلك اللمس و السمع و الرؤية. نشاط ذهني ترفيهي مطلوب خلال العطل عدد من التلاميذ الذين سألناهم عند مدخل المدرسة عن طبيعة برنامج الذكاء و التفوق الذهني و كيف استفادوا منه، أخبرونا بأن أولياءهم ألحقوهم به بسبب اهتمامهم بمادة الرياضيات، و رغبتهم في أن يطوروا قدراتهم فيها، خصوصا، موضحين بأن الأمر يختلف عن المدرسة، لأن التلميذ لا يكون مطالبا بإتباع برنامج معين، بقدر ما يحصل على المساعدة اللازمة لفهم عمليات الحساب ليتمكن لاحقا من حلها، وهو ما انعكس إيجابا على مردودهم الدراسي، حيث أشارت تلميذة إلى أنها باتت قادرة على حل المسائل الرياضية في وقت أقصر مقارنة بمرحلة سابقة، أما السر وراء حبها لحصص التدريب، فيكمن في آلة الحساب التي لا تختلف من حيث المبدأ عن مبدأ بعض اللعب. نجية وهي سيدة من حي واد حميميم بالخروب، قالت بأنها سمعت عن البرنامج من إحدى قريباتها، فقامت في العام الماضي بتسجيل ابنها البكر أكرم، صاحب الثماني سنوات في أقرب مدرسة، وقد لاحظت فرقا كبيرا في مستواه في مادة الحساب، كما لمست زيادة في التركيز لديه و قوة في الذاكرة، وهو ما شجعها هذا العام على تسجيل ابنتها الثانية في ذات المؤسسة، بالرغم من أنها لم تتجاوز بعد سن الخامسة. و أضافت المتحدثة بأن هذا النشاط لا يعد فقط ذهنيا تعليميا، بل هو ترفيهي في حد ذاته، لأن التعامل مع مادة الحساب يكون مختلفا ومسليا بفضل آلات الحساب التقليدية ذات الألوان الزاهية، و الدروس أو الحصص الأسبوعية تساعدها على تخصيص وقت لنفسها خلال العطل، لأن أبناءها ينشغلون بالتعلم و بالتالي فإنها تحظى بمساحة خاصة إلى غاية عودتهم إلى المنزل.