جلسة رقية تنتهي بوفاة امرأة خنقا بسكيكدة عالجت، أمس، محكمة الجنايات بمجلس قضاء سكيكدة، قضية غريبة ومعقدة من نوع خاص، تعرض لأول مرة عبر القضاء بالقطر الوطني، أثارت اهتماما و جدلا كبيرين لدى الرأي العام المحلي، بطلها المسمى (أ.ح) يمتهن الرقية متابع بجناية القتل العمدي مع سبق الإصرار، ومخالفة اتخاذ مهنة العرافة، والتنبؤ بالغيب، راحت ضحيتها سيدة في الخمسينات من العمر تدعى (م. ب) بمدينة الحروش. و قد قضت المحكمة بإدانة المتهم بسنة سجنا موقوفة التنفيذ، بعد توصل هيئة المحكمة بقناعة تقضي بإعادة تكييف التهمة إلى جناية الضرب و الجرح العمدي المؤدي إلى الوفاة دون قصد إحداثها، بينما التمس النائب العام تسليط عقوبة 20 سنة سجنا، و اعتبر التهمة ثابتة في حق المتهم. المتهم ألصق التهمة بالعالم الآخر تتلخص القضية في كون الضحية المتوفاة تعاني من اضطرابات نفسية وعقلية منذ زواجها منذ 21 سنة، وكان زوجها يعرضها باستمرار على الرقاة الشرعيين، لكنه توقف عن ذلك منذ عامين، وأصبح يعرضها على طبيب مختص في الأمراض العقلية. وبتاريخ الواقعة، أخبرته كل من زوجته (م.ب)، و ابنة أختها (س.ب) بأنهن سيحضران الراقي المسمى (أ.ح) الذي يعد من أقربائه، فعارض زوجها الأمر لكونه يعرفه جيدا، و لا علاقة له بالرقية الشرعية، وأمام إصرار زوجته، قام بانتظاره رفقة أفراد العائلة، لكنه تأخر، ما جعله يغادر المنزل لارتباطاته بأمور أخرى، وبعد مرور حوالي ساعة ونصف من الزمن وبالتحديد الثالثة زولا، رجع إلى منزله ليتفاجأ بعدم وجود أي فرد من العائلة، والأبواب مفتوحة، فحاول الاتصال بزوجته ليرد عليه ابنه (ز) بعبارة (يما خنقها الراقي)، ونحن في المستشفى ليتوجه هناك أين وقف على حقيقة وفاة زوجته. جاء ليعالج ابنة أختها فدخلت في نوبة هستيرية أثناء المحاكمة نفى المتهم الجرم المنسوب إليه، مؤكدا على أن تنقله لمنزل قريبه كان من أجل رقية المسماة (س.ع)، و كان ذلك بطلب منها، و بشروعه في رقية الماء، و قراءة القرآن جهرا، وبصوت مرتفع، بدأت تظهر أعراض المس على أختها (ن)، ما جعله يتوجه لها ويشرع في رقيتها، وفي تلك الأثناء، أصيبت الضحية (م.ع) بحالة هستيرية، وأخذت تجري في أرجاء المنزل وهي تصرخ، عندها قرر رقيتها للتخفيف من مرضها، مؤكدا على أنه وضع سبابته، و إبهامه في أسفل ذقن المرحومة، و لم يستعمل إطلاقا يديه في رقبتها، و لما شاهد الدم و السائل الرغوي يخرج من فمها، تركها، و قام بإسعافها، ثم اتصل بالحماية لنقلها إلى المستشفى، و لم تكن له أية مسؤولية في وفاتها. ابن الضحية المسمى (ز) الذي غاب عن جلسة المحاكمة، كان قد صرح عند قاضي التحقيق بأن الراقي حضر لمنزلهم من أجل رقية ابنه خالته (س.ع) بطلب منها، وعند شروع الراقي في رقيتها تفاجأ الراقي بشقيقتها الصغرى (ن.ع) تصاب بالذعر، و الخوف الشديدين، ما جعل الراقي يشرع في رقيتها هي الأولى، و قبل أن ينهي رقيته، شاهد المرحومة والدته تدخل في نوبة هستيرية بالصراخ، والجري داخل المنزل، فقرر الراقي رقيتها فوضعها فوق السرير، واضعا منشفة على عينيها، ومنشفة أخرى فوق رقبتها، وثالثة داخل فمها، وباشر في رقيتها بقراءة آيات قرآنية، لتدخل والدته في نوبة هستيرية مرة ثانية، فطلب منه الراقي مسك يديها، وطلب من المسمى (ر.ص) زوج ابنة خالته أن يمسك رجليها، قبل أن يقوم الراقي بخنق والدته بواسطة المنشفة، ما جعلها تطلب منه تركها لكنه رفض مؤكدا لهم على أن الجني هو الذي يطلب ذلك، و ليس بمحض إرادتها.و يضيف ابنها بأنه جدد طلبه للراقي بأن يترك والدته، خاصة لما شاهد الدم يخرج من فمها، لكن المتهم رفض، مما جعل والته تدخل في غيبوبة، عندها تركها، و حاول إفاقتها لكن دون جدوى، فاتصل بالحماية المدنية لنقلها للمستشفى بعد حوالي نصف ساعة، لكن أمه كانت قد فارقت الحياة. الطبيب الشرعي يؤكد أن الوفاة ناتجة عن اختناق باليد و صرحت المسماة (س. ب)، بأنها هي من اتصلت بالراقي من أجل رقيتها، وليست بطلب من خالتها المرحومة، مضيفة بأن الراقي قام برقية أختها (ن) ثم انتقل إليها، وبعدها إلى المرحومة بعد أن لاحظ تدهور حالتها، ولما شرع الراقي في الرقية كانت خالتها المرحومة تنطق عبارات باللغة الإنجليزية على لسان المس الذي يسكنها، من خلال النطق باسمه ومسقط رأسه بأمريكا، نافية أن يكون الراقي وضع يديه في رقبة خالتها و إنما كان يضع السبابة، و الإبهام و هو جالس. مؤكدة على أن والدتها هي من قامت بإسعاف الضحية بعد خروج الرغوة و الدم من فمها، وليس الراقي المتهم. على عكس شقيقة المرحومة التي جاءت تصريحاتها متناقضة لما سبق و أن أدلت به أمام الضبطية القضائية، وتركز سؤال القاضي للشهود عن حقيقة وضع الراقي لمنشفة ثالثة في فم الضحية أثناء الرقية، و كذا استعماله لقبضة يديه في الخنق، كما جاء في تصريحات ابن الضحية لقاضي التحقيق. أما الطبيب الشرعي، فقد صرح في شهادته أمام المحكمة، بأن أسباب الوفاة ناتجة عن مضاعفات الاختناق العنيف باليد، نتيجة لخروج سائل رغوي من الأنف، و تسجيل زرقة على مستوى أطراف الأصابع، و وجود سائل الرغوي في القصبة الهوائية، و آثار عنف في الجهة الداخلية للعنق، وعلى الجهتين اليمنى، و اليسرى بصورة عميقة. دفاع المتهم ركز في مرافعته على انعدام أركان تهمة القتل العمدي مع سبق الإصرار، لكون المتهم لم يكن له أي عزم أو إصرار على قتل الضحية، لان ابنة شقيقتها هي التي اتصلت به من أجل رقيتها، ولم يكن يعلم بأنه سيقوم برقية المرحومة، و اعتبر تصريحات ابنها بغير المنطقية، و ربما ناتجة عن تأثره بصدمة وفاة والدته، وكان ينبغي على العائلة عرض الطفل على أخصائي نفساني للعلاج، وبالتالي لا يمكن الأخذ بتصريحاته. كما أكد الدفاع على أن تقرير الطبيب الشرعي كان هزيلا، و يحمل في طياته تناقضات، فمن غير المعقول أن يقوم الراقي بخنق الضحية ولا يترك آثارا على الجثة، و كذا خلوه من تحديد تاريخ الوفاة، علاوة على أن تهمة العرافة غير متوفرة في قضية الحال، لكون المتهم لم يستعمل طلاسم، و إنما مناشف لستر عورة المرحومة. و قالا بأن الوفاة كانت حادثت مؤسفة، و تزامنت مع عملية الرقية، و طالب بإعادة تكييف التهمة من جناية القتل العمدي مع سبق الإصرار ومخالفة اتخاذ مهنة العرافة و التنبؤ بالغيب، إلى جناية الضرب، و الجرح العمدي المفضي إلى القتل دون قصد إحداثها، و أضاف بأن موكله ليست له أي علاقة بالوفاة، و اعتبرها حادثا مؤسفا تزامن مع عملية الرقية.