عندما يصنع الماضي الحاضر و تختفي قيم من شريط الزمن سلط المخرج سليم حمدي في فيلمه «عرفان» الذي عرض على جمهور وهران في آخر يوم من فعاليات الطبعة 11 لمهرجان وهران للفيلم العربي، الضوء على وضعية المرأة الجزائرية بين الماضي والحاضر، ولو أن هذا العمل ذو صبغة تاريخية، إلا أنه يروي قصة شهيدة على لسان مجاهدة و بتوقيع شابة. وأوضح المخرج الجزائري سليم حمدي للنصر، أن فيلمه «عرفان» ، رغم أن موضوعه منبثق من قصة إحدى قريباته و هي المجاهدة يمينة نعيمي ، إلا أنه يعبر عن عشرات حالات لصناع الثورة التحريرية الذين لا يزالون في الظل ولم ينصفهم المسؤولون، و قد فارقت الحياة الحاجة يمينة قبل أن تحضر تحقيق حلمها و هو تجسيد قصتها بالصوت و الصورة. و يركز هذا العمل السينمائي الذي عرض على الجمهور لأول مرة، على نضال المرأة بمختلف أشكاله ، من مرافقة الثوار في الجبال إلى تحدي الإستعمار في المدن، إلى غاية مواجهة المجتمع في الحاضر، ويعكس أيضا الإختلال في القيم بين الماضي والحاضر في المجتمع الجزائري، خاصة في ما يتعلق بالمرأة، فهي كانت تحظى بحرية الاختيار والقرار، مثل فطيمة الممرضة التي قررت الإلتحاق بالثوار وساندها أهلها وثمنوا قرارها، وأختها يمينة التي كانت تتنقل من مكان إلى آخر ، دون أن يعاتبها أحد على غيابها عن المنزل، رغم أنها كانت تقوم بأعمال فدائية وتنسق مع الثوار وما لهذا العمل من خطورة عليها وعلى أسرتها. و اليوم في جزائر الاستقلال، تم تضييق حرية المرأة التي جسدها المخرج في مياسة الشابة المحجبة والتي تواجه ملاحظات عائلتها عندما تتأخر في العودة إلى البيت، فرغم أن والديها متفهمان، لكنهما يأخذان بعين الاعتبار أحاديث الجيران وسكان الحي و المجتمع، مما جعل مياسة التي أدت دورها الممثلة مليكة بلباي، تسأل الحاجة يمينة عن سر تغير العديد من القيم في المجتمع، خاصة المتعلقة بحرية المرأة. الفيلم هو فعلا «عرفان» لجميل جيل أدى ما عليه ، و بالمقابل الجيل الحالي يعيش فراغا اجتماعيا، ولا يؤمن بأي شيء ، ويتخبط في متغيرات لا يفقه سبب وجودها، وهو الإشكال المطروح ، مثلما أضاف المخرج. وبالعودة لأول عمل سينمائي للمخرج سليم حمدي، فإنه يحكي قصتين في آن واحد، حيث أكد المخرج أنه من الصعب أن نروي أحداث قصتين في عمل واحد و أحداثهما غير مرتبطة ببعضها البعض، وهما قصة الشهيدة فطيمة و دور المرأة خلال الحرب التحريرية، وقصة أختها يمينة التي أدت دورها الفنانة القديرة شافية بوذراع، والتي ظلت على قيد الحياة و تتمنى أن تروي قصة أختها البطلة لجميع الجزائريين و كذا قصة حفيدها أحمد وأصدقائه والشابة التي يحبها ويعجز عن الزواج بها. رغم أن أحمد وأصدقاءه تعبوا من أجل إسعاد الحاجة يمينة وتحقيق رغبتها وتصوير شهاداتها حول أختها الشهيدة فطيمة، و نقل تلك الشهادات للجمهور العريض، سواء عبر شاشة التلفزيون أو في ساحة البلدية، إلا أنهم واجهوا عراقيل كبيرة منعتهم من تحقيق حلم الجدة، فبالنسبة للتلفزيون اعتبروا الفكرة ملغاة بالنظر للصعوبة الكبيرة في الوصول لمسؤوليه و إقناعهم بالفكرة. علما بأن الحادثة وقعت قبل فتح المجال للقنوات الخاصة، أما بساحة البلدية فرغم ترخيص وزارة المجاهدين وموافقة المير، إلا أن رئيس مصلحة في البلدية ونظرا لعدم قضاء مصلحته الشخصية من وراء عرض الفيلم، سعى لوضع مجموعة من العراقيل لمنع العرض في ساحة البلدية، وتبخرت مساعي أحمد وتبخرت معها أحلامه في الزواج والعمل والإستقرار، لولا تدخل والد مياسة الذي أعاد إليه بصيص الأمل. وقال المخرج في رده على أسئلة الجمهور بقاعة سينما المغرب، بعد عرض الفيلم، أن التصوير كان ينتقل من الأبيض والأسود لمحاكاة الماضي، و اعتبره قيما و ليس فقط ألوانا، لأن فترة الحرب التحريرية هي فترة قيم ، مثلما أبرز، بينما التصوير بالألوان، يعكس الحاضر، مضيفا بأن عملية الانتقال بالكاميرا بين الماضي والحاضر، ضرورية لأنه لا يمكن معالجة الحاضر إلا من منطلق الماضي، فالأمر متوقف عند من يحكي عن الماضي برؤية خاصة، مشيرا أن تاريخ الثورة التحريرية هو موروث جماعي لكل الجزائريين، لكن كل شخص يراه من منظوره الخاص، مبرزا أيضا أن الفيلم أنجز بناء على شهادات حية للوقائع التاريخية التي تناولها، خاصة شهادة الحاجة يمينة التي كانت مصدرا مهما في كتابة سيناريو العمل، وتأسف المخرج لعدم حضورها العرض، لأنها توفيت السنة الماضية.