موظفون يقبلون على الدراسات العليا بحثا عن الراحة يخطط واحد من بين كل أربعة موظفين في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا، لمواصلة تعليمهم والالتحاق بالبرامج الدراسية لمرحلة ما بعد التخرج خلال العامين المقبلين، بهدف تحسين مستقبلهم المهني، وفقاً لدراسة أجريت حديثاً، وهو واقع ينطبق على الموظفين الجزائريين الذين باتوا يقبلون على مواصة الدراسة، بحثا عن رفع المستوى و الترقية، أو تمهيدا للالتحاق بوظيفة التدريس، هربا من ضغط العمل في قطاعاتهم المهنية المختلفة. أقسام الإعلام و اللغات و التخصصات التقنية الأكثر طلبا تستند نتائج الدراسة التي أجرتها حديثا، شركة «غولف تالنت» المتخصصة في مجال التوظيف عبر الإنترنت، إلى مسح شامل ضم 8آلاف موظف في 9 دول في أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وأظهرت أن 16بالمئة من الموظفين يخططون للالتحاق بالدراسات العليا، رغبة في تحسين فرص الترقية في العمل، فيما يسعى 17 بالمئة إلى استخدام شهادة ما بعد التعليم الجامعي في الحصول على وظيفة أفضل في مجال العمل ذاته، بينما يرى 10بالمئة أن الدراسات العليا تعد تمهيدا لخوض مجال عمل مختلف. ورغم أن هذه الدوافع ليست جديدة، إلا أن التراجع الذي يشهده سوق العمل في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، بسبب التراجع الشديد في سعر النفط و تأثيره على واقع العمل في العديد من المؤسسات الاقتصادية، كان له تأثير كبير في تعزيز التوجه نحو مواصلة الدراسة الجامعية في أوساط نسبة معتبرة من الموظفين، حسبما أكده أساتذة جامعيون و مسؤولون بيداغوجيون، و حتى موظفون، أشاروا إلى أن الحق في التدرج بالنسبة للمهنين الحاصلين على ترخيص الغياب لذات الغرض، مكفول قانونا في الجزائر . حميد بوشوشة أستاذ و نائب عميد كلية الإعلام بقسنطينة3 نستقبل سنويا ما يزيد عن 20 ملفا لمهنيين يعتبر الأستاذ حميد بوشوشة نائب عميد كلية الإعلام و الاتصال بجامعة قسنطينة3 صالح بوبنيدر، بأن الهدف من التحاق نسبة من المهنيين بالقسم لمواصلة التدرج الأكاديمي، هو التمهيد لممارسة التعليم لاحقا، وذلك لاعتقاد الكثيرين بأن التدريس الجامعي وظيفة أكثر أريحية، سواء من ناحية الراتب الشهري أو ساعات العمل، و كذا طبيعة الممارسة في حد ذاتها. كما يهدفون أيضا للحصول على الدكتوراه، باعتبارها شهادة تفتح الكثير من الأبواب، فالماستر مجرد خطوة للانتقال إلى الدكتوراه، لأن هذه الشهادة ، لا تعتبر معادلة للماجستير بالنسبة للوظيف العمومي، و بالتالي نادرا ما تسمح للموظف بالتدرج في التصنيف الوظيفي، عكس الدكتوراه. وتستقبل الكلية كل سنة ، حسبه، ما يزيد عن 20 ملفا، لموظفين هم في الأصل طلبة سابقون يرغبون في استكمال مسارهم الدراسي، غالبيتهم ، كما أشار، إناث وذلك كتحصيل حاصل لهيمنة العنصر النسوي على جموع الطلبة في الجامعات، مضيفا أن السبب وراء عودة المهنيين للجامعة، هو انتهاء عقبة مسابقة الماجستير القديمة، فالالتحاق بالماستر اليوم، يعتمد على دراسة ملفات المترشحين و تقييمها فقط، إذ تفرد الوزارة سنويا نسبة 5 بالمئة من المناصب المفتوحة لعدد من الفئات من بينهم الموظفين وذلك من خلال مرسوم تنظيمي خاص. فالجامعة ، كما قال، باتت تستقطب العديد من الموظفين، بفضل إغراء الوضعية المهنية وبدرجة أكبر برنامج العطل و غيرها، علما أن الكلية من جهتها، تفضل الاستعانة عادة بممارسين للمهنة، للعمل كأساتذة متعاونين أو متعاقدين، نظرا لتمكنهم من الجانبين التطبيقي و النظري معا. أحمد بلعور رئيس قسم هندسة النقل بجامعة قسنطينة حاملو شهادات الدراسة التطبيقية و المعمقة يبحثون عن الترقية يؤكد الأستاذ أحمد بلعور، رئيس قسم هندسة النقل بجامعة الإخوة منتوري، بأن إقبال الموظفين على الدراسة و التدرج يزيد كل سنة، خصوصا حاملي شهادة الدراسات التطبيقية المعمقة « دي أو آ»، و شهادة مهندس دولة ، إذ أن هذه الشهادة لا تصنف بنفس درجة الماجستير لدى الوظيف العمومي، و بالتالي فإن مواصلة الدراسة، تعد السبيل الوحيد لحملتها من الموظفين للحصول على ترقيات أو التدرج للتعيين في مناصب أهم و أرفع على مستوى المؤسسات الاقتصادية التي يعملون بها. وأوضح المتحدث، بأن القسم أحصى هذه السنة 14 طلبا، لمهنيين قدموا ملفاتهم للالتحاق بالماستر ، علما أن غالبيتهم ينحصرون في الفئة العمرية بين 35 حتى 39سنة. و الملاحظ، حسبه، هو أن نسبة من الطلبة الموظفين الذين اجتازوا مرحلة الماستر من قبل، أبدوا رغبتهم في التخلي عن وظائفهم السابقة، للتدريس في الجامعة ، لأن التدريس أقل ضغطا من العمل في القطاعات الاقتصادية. قيس بن عاشور صحفي سابق بجريدة «أوريزون» القطاع الاقتصادي يتداعى و التدريس أقل ضغطا قيس بن عاشور، صحفي سابق بجريدة « أوريزون» العمومية، و هو حاليا أستاذ بقسم اللغة الفرنسية بجامعة قسنطينة1، و يعد المثال الأدق لوصف هجرة موظفي القطاع الاقتصادي نحو الجامعة . يقول محدثنا، بأنه بدأ مزاولة الصحافة سنة 2007، وحصل سنة2009 على منصب ثابت كمراسل للجريدة من قسنطينة و مسؤول عن محتوى صفحة الشرق، لكنه وبعد سنوات من ممارسة المهنة، قرر التخلي عنها و الالتحاق بالتدريس الجامعي، بعد نجاحه في شهادة الدكتوراه. قيس أوضح بأنه لم يكتف بشهادة ليسانس في اللغة الانجليزية، بل التحق بقسم اللغة الفرنسية سنة 2009 ، و زاول الدراسة بالموازاة مع عمله كصحفي، قبل أن يستقيل مؤخرا، بحثا عن قطاع وظيفي أكثر أريحية، مشيرا إلى أن العمل في المجال الإعلامي مرهق جسديا و نفسيا، بسبب التوتر و ضغط العمل و كثرة التوجيهات و ضيق الوقت، كما أن القطاع الاقتصادي ، حسبه، أصبح متداعيا بسبب تبعات الأزمة المالية، و الموظف فيه هو أول المتضررين. بالمقابل فإن تجربته في مجال التدريس الجامعي، سمحت له باكتشاف حجم الضغط الذي كان يعاني منه كصحفي وتحديدا كمراسل، كما جعله يلمس الفرق بين العمل في القطاعين من ناحية الوضعية المهنية و انعكساتها على نفسية الموظفين و حتى حياتهم الخاصة. الدكتورة كريمة بوالجدري مختصة في الطب الداخلي الطب يعد الاستثناء الوحيد تعتبر الدكتورة كريمة بوالجدري مجال الطب استثناء، فالهجرة تكون عكسية حسبها، لأنه التخصص الوحيد الذي يضطر فيه الطبيب للتخلي عن الدراسة من أجل ولوج سوق العمل، أو اقتحام القطاع الاقتصادي، سواء تعلق الأمر بالعمل في القطاع الخاص مثلها، أو العام. السبب، حسبها ، تغير واقع الممارسة فقد كان سوق العمل من قبل يستوعب كل خريجي التخصص، نظرا لقلة عددهم، أما الآن فالطبيب يتخرج ليضطر للعمل بواسطة وكالة التشغيل مقابل راتب شهري لا يتعدى 7000دج، و هذا إجحاف كبير في حق الطبيب. هذا الوقع ، كما أشارت، ضاعف الطلب للالتحاق بمسابقة الأطباء المقيمين، فالطبيب إذا لم ينجح يمكنه أن يبقى طبيبا عاما ،وتبقى حظوظه في مواصلة الدراسة دائما موجودة ، لكنه في حال توجهه نحو الدراسة للتخصص، سيضيع جهد سنوات، لينتهي به الأمر مجبرا ، لأداء الخدمة العمومية و إنهائها قبل أن يتمكن من فتح عيادته الخاصة. بالمقابل، وحسب تجربتها الخاصة، فإن التدرج و مواصلة الدراسة، يعتبران عبئا إضافيا في بلادنا بالنسبة للطبيب، لأنه قد يتخلى عن النجاح في القطاع الخاص، و يضحي ليتكون و يتدرج ليجد نفسه مهضوم الحق في مسابقة الكفاءة، أو قد يكون أستاذا مساعدا أو بروفيسورا في مستشفى عمومي في وضعية مهنية سيئة. مع ذلك تقول الدكتورة، فإن الدراسة سلوك فطري عند كل طبيب، لأن التخصص يحتم على ممارسه البحث الدائم و الإطلاع المستمر على كل جديد. طلبة قسم الترجمة بجامعة قسنطينة إلغاء مسابقة الاعتماد و تعليق الماستر يفرضان التدرج يؤكد بعض طلبة قسم الترجمة بكلية اللغات و الآداب بجامعة قسنطينة1، بأن التدرج الدراسي، حل وحيد بالنسبة إليهم للحصول على وظيفة في مجال التخصص، أي تدريس مقاييس التخصص نفسه في الجامعة، لأن ممارسة مهنة مترجم في إطار قانوني واضح، أصبحت شبه مستحيلة منذ سنة 2012 ، أي منذ علقت وزارة العدل مسابقة اعتماد مترجمين ومنح تراخيص فتح مكاتب الترجمة، و حتى و إن كان المتخرج يحوز على الترخيص ، فانه سيكون مطالبا بإدراج شهادات في ملفه ، تثبت أن لديه ما يعادل 5 سنوات خبرة. من جهة ثانية، فإن قسم الترجمة حاليا، لا يفتح المجال لطلبة الدفعات السابقة «النظام الكلاسيكي»، بالالتحاق بالماستر وفق قرار المجلس العلمي للقسم، و عليه فان طلبة التخصصن يفضلون التدرج الدراسي، بدل اقتحام سوق العمل و ممارسة مهنة تندرج ضمن تخصصهم الجامعي، أي كمترجمين، إلا إذا اختاروا العمل في مجالات أخرى أو في وظائف لا تشمل تكوينهم.