سقوط سريع لطرابلس ومرحلة ما بعد القذافي بدأت أثار السقوط السريع لعاصمة القذافي المحصنة طرابلس، دهشة واستغراب الكثيرين، خاصة وأن العقيد كان قد ركز معظم قواته في المدينة وعلى مشارفها، وهو ما يفسّر ربما التخبط الذي وقعت فيه القوات الحكومية والتسلل السريع للمتمردين لأحياء في قلب العاصمة، وتمكنهم من السيطرة على العديد من الأحياء والمباني الإستراتيجية منها ثكنات عسكرية وآخرها مبنى التلفزيون الرسمي. ما أدى إلى وقف بث كل القنوات الحكومية، كما تمكنوا من اعتقال شخصيات بارزة منهم أبناء القذافي نفسه، العملية التي أطلق عليها "فجر عروس البحر" والتي تم التخطيط لها طويلا لم تكن لتنجح لولا الضربات المكثفة التي شنّها حلف الناتو طيلة أشهر والتي أنهكت دفاعات طرابلس، كما رافقتها حرب نفسية شرسة من خلال حملة إعلامية متواصلة سيما من قبل بعض القنوات الفضائية العربية. وقد استمرت أمس المواجهات العنيفة بالأسلحة الخفيفة بين قوات القذافي ومقاتلي المعارضة في عدة أحياء إستراتيجية من العاصمة التي دخلها المتمردون منذ يومين ومنها الشارع الذي يتواجد فيه فندق يقيم به صحافيون أجانب . شهود عيان قالوا أن مقاتلين من قوات القذافي مسلحين ببنادق كلاشنكوف تمركزوا أمام فندق "ريكسوس" وتبادلوا إطلاق النار مع المتمردين، ذات المصدر قال أن الصحافيين المتواجدين داخل الفندق أخرجوا بطانيات بيضاء كتبوا عليها كلمة "صحافة" للدلالة على وجودهم في الفندق ولتفادي استهدافهم، فيما قال موظفون بالفندق أنهم تلقوا اتصالات هاتفية من أشخاص يتوعدون باستهدافه لأنه يضم مسؤولين رسميين، وكان بعض ممثلي النظام الليبي ينزلون فيه، فيما لا يزال عناصر حراسة مسلحون وبعض الموظفين متواجدين داخله، وقالت مصادر أخرى أن رئيس المخابرات الليبية عبد الله السنوسي وصل بعد ظهر أمس إلى فندق ريكسوس، بعد أن كان منزله في العاصمة تعرض قبل بضعة أيام لقصف من حلف شمال الأطلسي، وقد تحدث إلى الصحافيين متهما المخابرات الغربية والحلف الأطلسي بالعمل مع القاعدة لتدمير ليبيا، وأضاف السنوسي أن ليبيا "لن تحكمها أبدا عصابات إرهابية". وأفاد شهود أن مقاتلي المعارضة قطعوا العديد من الطرق الرئيسية في طرابلس وأن لا أحد يجرؤ على الخروج، فيما أكد مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي أن المعارضة تسيطر بصورة شبه كاملة على العاصمة طرابلس، فيما قالت مصادر صحفية أن أحد أبناء القذافي وهو خميس قد توجه على رأس قوات إلى وسط طرابلس، دون المزيد من التفاصيل. من جانبها ذكرت قناة "ليبيا-الأحرار" أن أعدادا كبيرة من مقاتلي المعارضة يتواجدون في شارع الجمهورية بالعاصمة، ودعت الأهالي إلى التزام البيوت إلا للضرورة، لتجنب ضربات الناتو التي تستهدف مواقع في جنوب العاصمة حيث باب العزيزية مقر القذافي، وتكلمت تقارير أخرى عن وقوع معارك كرّ وفر شرسة منذ صباح أمس حول مقر إقامة القذافي، وأكدت وجود قناصة تمركزوا فوق الأسطح والجسور مؤكدة أن أغلبهم كان يلقي السلاح ويستسلم للمعارضة، وذكرت مصادر أخرى أن دبابات خرجت من باب العزيزية وقامت بقصف عدة مواقع. وفي تطور لافت يظهر تقدم المعارضة السريع واستيلاءها على المزيد من المواقع، تمكن المتمردون من السيطرة على مقر التلفزيون الرسمي في طرابلس، حيث انقطع بث القناة التلفزيونية الرسمية، وقال متحدث باسم المعارضة أن المتمردين اقتحموا مبنى التلفزيون بعد قتل الجنود الذين يطوقونه، وبسطوا سيطرتهم عليه. من جهة أخرى قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) الكولونيل ديف لابان أمس، أن الولاياتالمتحدة لا تعتزم ارسال قوات برية إلى ليبيا للمساعدة في أي عمليات دولية لحفظ السلام بعد سقوط معمر القذافي، وأضاف لابان أن من المتوقع أن تستمر عمليات المراقبة الأمريكية فوق ليبيا في إطار بعثة حلف الأطلسي خلال الأيام القادمة. وفي مؤتمر صحفي عقده في بنغازي أمس، قال رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل أنه قد يستقيل في المرحلة المقبلة في حال صدور تصرفات من مقاتلي المعارضة خارجة عن أوامر قياداتهم، معبّرا عن رفضه لأي إعدامات خارج القانون مهما كان حجم الجرائم، ودعا قيادات المعارضة لاحترام التزامهم بالأوامر، وقال أنه على كل متضرر أن يحتفظ بأدلته لتقديمها إلى القضاء وأنه سيوفر كل الضمانات للمتهمين للدفاع عن أنفسهم، وأضاف عبد الجليل أن الأحكام الصادرة ستكون خاضعة "للعفو والصلح والتنفيذ أيضاً"، ودعا إلى الحفاظ على الممتلكات معتبرا أن أمام ليبيا تحديات كبيرة وأن على الشعب الليبي أن يدرك أن المرحلة القادمة لن تكون سهلة.