الإعلام يدور في حلقة مفرغة والحلّ في المهنية وتغيير طرق التمويل يرى الصحفي وأستاذ الإعلام بجامعة البليدة02 عبد الكريم تفرقنيت في هذا الحوار الذي خص به النصر بأن الإعلام الجزائري لم يساير الحراك الشعبي في بدايته وحاول التدارك لاحقا، وذلك نتيجة الظروف والعوامل التي كان يعيشها الإعلام الجزائري قبل 22فيفري، وهذه الظروف جعلته يبقى بعيدا عن الحراك في بدايته، كما ذكر في هذا الحوار بأن الحراك الشعبي والتغيير يجب أن يشمل قطاع الإعلام حتى نرتقي إلى إعلام موضوعي واحترافي. حاوره: نورالدين عراب النصر: كيف تقيّم تعاطي وسائل الإعلام الوطنية مع الحراك الشعبي؟ تفرقنيت: حراك 22فيفري لم يجد رد فعل مباشر من طرف وسائل الإعلام، ولم تكن هناك تغطيات مباشرة من طرف الصحافة الوطنية في ذلك اليوم، ولاحظنا أن أغلب القنوات بما فيها القنوات الخاصة قد لم ترافق الحراك في يومه الأول، وحاولت الاستدراك لاحقا عن طريق بعض المحاولات، وفي الأيام الموالية لاحظنا ظاهرة غريبة تعتبر حدثا تاريخيا سيبقى في الإعلام الجزائري، وهذه الظاهرة هي أنه لم ينقل ويقدم خبر ووقائع الأحداث التي تجري في الجزائر من طرف بعض القنوات التي لا تبعد مقراتها عن الشوارع التي كانت فيها المسيرات سوى ببعض الأمتار فقط، وهذا الفعل لا إعلامي ولا صحفي ولا مهني ولا احترافي كان بسبب تراكمات عديدة، و يجرنا هذا إلى الحديث عن واقع ووضعية الإعلام في الجزائر، يعني عندما ننظر إلى اليوم الأول من الحراك نفهم الوضعية ونفهم الحالة والوضع الذي يعيشه الإعلام الجزائري بصفة عامة، سواء المكتوب أو المرئي والمسموع ، وهذه التراكمات كانت لسنين سابقة، ولعدة أسباب منها مهنية، اقتصادية، مالية، ومنها أسباب سياسية وثقافية وغيرها. وإذا تحدثنا عن القطاع الحكومي في الجزائر، وجدناه أنه قطاع مرتبط بالحكومة يطبق سياسة الحكومة، ويقوم بالتعتيم والتغطية بمفهوم الإخفاء عن الأحداث التي لا تتماشى مع خطة وسياسة الحكومة تحت غاية وتبرير دفتر الشروط، والقطاع الحكومي، لا يقدم خدمة عمومية في الجزائر، بحيث الخدمة العمومية تعني أن تخدم الشعب والمجتمع ولا تخدم الحكومة فقط أو المعارضة. هذا عن القطاع العمومي أم القطاع الخاص فهو الآخر لم يقم بالتغطية في ذلك اليوم لأحداث وقعت أما بيته وكأن القطاع الخاص أصبح هو الآخر قطاعا حكوميا في يوم أحداث 22فيفري، وطبعا حاول القطاع الخاص أن يتدارك الوضع خلال الأسابيع اللاحقة، ويمكن تبرير هذا الواقع الذي ميز تعامل القطاع الخاص مع الحراك، بالظروف الخاصة التي نشأت فيها الصحافة الخاصة في الجزائر بعد دستور 1998، بحيث نشأت الصحافة الخاصة بطريقة قيصرية، ولم تنشأ بطريقة عادية طبيعية، بحيث كان ميلادها بدعم الحكومة عن طريق تقديمها لأجور الصحفيين في القطاع العمومي لمدة 30 شهرا، ومساعدتهم على عدم دفع مستحقات الطباعة لمدة 05سنوات، إلى جانب امتيازات أخرى مختلفة مالية، اقتصادية قدمت لهم لإنشاء عناوين صحف خاصة، وهذه الولادة القيصرية غير طبيعية أبرزت عامل لا يزال يطارد الصحافة الخاصة إلى اليوم وهي أنها أنشئت من طرف الحكومة، وينبغي عليها أن تكون في خدمة الحكومة، هذه الرسالة لا تقال بصيغة واضحة. أما الصيغة الأخرى للإعلام الجزائري فتخص رجال الأعمال الذين دخلوا مجال الصحافة المكتوبة ثم السمعي البصري، لكن الحقيقة هي أن رأس المال « جبان» بالنسبة للصحافة الجزائرية و رجال الأعمال لا يستثمرون بطريقة اقتصادية ثقافية في مجال الصحافة، بل يريدون الربح السريع، وهو ما حدث أيضا مع القنوات الخاصة التي سارت على خطى الصحافة المكتوبة، ونقلت صحفيين من تلك الجرائد إلى القنوات الخاصة، لكن لم يتم الاستثمار في هذه القنوات وكانت تنتظر مساعدات من طرف الحكومة، وهو ما لم يحدث والحكومة لم تقدم مساعدات لها، بل وزعت الإشهار بمكيالين لعدم وجود قانون للإشهار في الجزائر يضبط هذه المادة التي تمول الإعلام، وتمويل الإعلام يجب أن يكون من الإشهار وأمور أخرى أو عناصر تمويل أخرى، لكن ذلك لم يحدث وأصحاب الجرائد والقنوات لم يجتهدوا في إيجاد طرق تمويل أخرى وبقوا دائما ينتظرون التمويل عن طريق الإشهار والإعانات من الحكومة، وهذا من حق هؤلاء كما من حقهم أن يكون قانون للإشهار الذي تم اعتماده وتمريره في المجلس الشعبي الوطني ثم مجلس الأمة، لكنه لم ير النور، ولا نعرف لماذا لم يصادق عليه مجلس الأمة. النصر: هل تعتقد بأن الحراك الشعبي ساهم في إحداث تغيير في قطاع الإعلام؟ تفرقنيت: نتيجة للحراك تحاول حكومة بدوي الحالية أن تضع إجراءات جديدة لتوزيع الإشهار، وتحاول تخفيف هذه التراكمات المرتبطة بالإشهار والتمويل، لكن الأمر لا يتوقف على ذلك فقط، بل واقع الإعلام الجزائري يتميز بنقص الاحترافية والمهنية لدى أصحاب المهنية وأصحاب المؤسسات والصحفيين، وذلك نتيجة غموض الخط الافتتاحي لهذه المؤسسات الإعلامية التي تقفز من اليمين إلى اليسار، كذلك لا يوجد تكوين لدى الصحفيين، خاصة في مجال فنيات التحرير، وأخلاقيات المهنة وتغطيات الحملات الانتخابية، وتغطيات المسيرات، وأهم الأحداث التي تقع، وهذا التدريب والتكوين توفره كل المؤسسات الإعلامية العالمية لصحفييها، ولهذا ينبغي تدريب الصحفيين على هذه الأمور، كما نسجل أيضا من الناحية التقنية أن الصحافة الورقية ضعيفة جدا وحتى القنوات الخاصة، بحيث لولا الهاتف النقال والانترنت لما تمكنت هذه القنوات الفضائية من فرض تواجدها، كما لا ننسى أيضا أن هذه القنوات تعمل بصفتها مكاتب للإشهار والإنتاج، وبصفتها مكاتب أجنبية، ولا تحمل سجلا تجاريا جزائريا، بحيث من مجموع 30 قناة هناك 05قنوات فقط لها رخص للعمل بصفتها مكاتب قنوات أجنبية صادرة عن وزارة الاتصال، هذا أمر سيئ وغير صحي وغير سليم، ومن غير المعقول أن قنوات تعمل منذ 2011 لا يطبق عليها القانون الجزائري، وبذلك كيف تسري عليها صلاحيات سلطة الضبط، وهذه السلطة لا تستطيع مراقبتها لأنها غير جزائرية، وأيضا سلطة الضبط التي وضعت من أجل مراقبة ومرافقة هذه القنوات هي ميتة منذ ولادتها ولا تعمل أصلا وبالتالي نتساءل عن موقعها من هذه القنوات. النصر: ألا ترى بأن كل هذه الظروف التي عاشتها الصحافة الجزائرية قبل 22فيفري أثرت على تعاطيها مع أحداث الحراك الشعبي؟ تفرقنيت: نعم هذه الظروف والأسباب جعلت التغطية ومواكبة الحدث الإخباري تتأثر، ولا نغفل أيضا تحرشات النظام السياسي للإعلام، فالإعلام لم يكن موضوعيا مستقلا احترافيا بفعل هذه العوامل، والحكومة تعمل دائما على تطويع وتدجين الإعلام في أي دولة في العالم. أما في الجزائر فالوضع المتردي المالي والاقتصادي والاحترافي والقانوني، وضغوط السلطة زاد من تأزم الوضع في الجزائر، لأن الإعلام في المجتمع لم يكن في يوم من الأيام مستقل أو موضوعي، وكانت تجربة 1990-1992بالنسبة للإعلام الجزائري هي أحسن تجربة حسب نص قانون الإعلام لسنة 1990الذي نصت إحدى مواده على أن الصحفي لا يتلقى التعليمات سوى من مسؤوليه المباشر في قاعة التحرير، هذا التعبير يقدم الكثير في مجال الإعلام، لكن تلك المادة حذفت من القانون الحالي . كما يلاحظ أيضا نقص في مواثيق الشرف ومجالس أخلاقيات المهنة، فمثلا قانون الإعلام لسنة 2012 نص على أن مجلس أخلاقيات المهنية يتم تنصيبه في غضون عام بعد صدور القانون، لكن بعد خمس سنوات لم يؤسس هذا المجلس، كما أن هذه المجالس هي التي تصدر البطاقة المهنية ولا تصدرها وزارة الاتصال مثلما هو عليه الحال في الجزائر كما يمكن للمجلس سحب البطاقة من الصحفي الذي يخرق أو يتجاوز أخلاقيات المهنة. ونظرا لهذه الظروف السالفة الذكر نجد بأن في الجزائر توجد صحافة تعتمد إما على إخفاء وتعتيم الأخبار، أو إما صحافة تعتمد على الإثارة والجن وإثارة غرائز ونفسية المواطن أو المشاهد، وهذه ليست احترافية ومهنية، والصحافة بهذا الواقع لا يمكن أن ترتقي إلى الحراك الشعبي السلمي الموجود الآن في الشارع، وتحاول هذه الجرائد والمؤسسات أن تلتحق بالركب، لكن صانعيها وعاداتها وممارساتها واللوبيات المؤثرة فيها لم تمكنها من أداء وظيفتها وفق هذا الحراك، والآن ما يعرف بالفايك نيوز أو الأخبار المغلوطة المشوهة تسود أغلب القنوات والصحف التي تقدم أخبارا مضحكة ومرعبة ومثيرة للاشمئزاز، كما أن بعض المؤسسات تميل إلى جهة معينة، أو لوبي معين، وكأنها لا تعيش بدون وصاية لوبيات، ولا تريد أن تنفصل عن أصحاب القرار، وكأن أصبح هذا الارتباط قدرها المحتوم. ولهذا ينبغي أن نخرج من هذه الحلقة المفرغة، وينبغي أن يكون لدينا إعلام يقترن بالموضوعية والاحترافية يعمل على إرساء قوانين، وتدريب الصحفيين، وأصحاب الجرائد عليهم أن يفكروا في رؤوس الأموال مثلما هو جاري الحال في العالم، بحيث تتحول الصحافة إلى صناعة، ولا تعتمد على الإشهار العمومي ومناقصات الدولة فقط، بل ينبغي أن تشترك وتمول من طرف شركات إنتاجية لتقديم مادة إعلامية، كما ينبغي عليها أن تؤسس هيئات تحرير داخل هذه القنوات وتخلق الوساطة الإعلامية، التي تعني أن هناك طرف ثالث يكون وسيط بين المواطن والمشاهد والوسيلة الإعلامية، بحيث هذه التجربة مطبقة في الولاياتالمتحدةالأمريكية ، كما تم اعتمادها في أوروبا . النصر: كيف تنظر إلى مستقبل الصحافة العمومية والخاصة تماشيا مع الحراك الشعبي؟ تفرقنيت: تحديد مستقبل الصحافة العمومية مرتبط بتوفير بعض الآليات والشروط، منها مثلا ينبغي عدم تعيين مدراء المؤسسات الإعلامية العمومية من طرف الحكومة، ويجب تعينهم من طرف المجلس الأعلى للإعلام أو سلطة الضبط مثل بعض التجارب العالمية، كما ينبغي أن تمول هذه المؤسسات العمومية من قبل أموال الدولة، ويجب التفريق هنا ما بين الدولة والحكومة، والإعلام العمومي يجب أن يكون في خدمة الدولة وخدمة المجتمع، والشعب، وخدمة الحكومة والمعارضة، أما خدمة الحكومة فيعني خدمة جهة معينة أو تكتل معين، ولهذا يجب التفريق في الصحافة العمومية بين خدمة الدولة وخدمة الحكومة من حيث التعيين، كما قد نشرك المواطن في إدارة هذه المؤسسات أما بالنسبة للقنوات والصحافة الخاصة فيجب عليها أن تبحث عن طرق للتمويل ولا تعتمد على الإشهار العموم فقط، وفي نفس الوقت المطلوب اعتماد مجالس أخلاقيات المهنة حتى نصل إلى ما يسمى بنظرية المسؤولية الاجتماعية التي تتحكم في ضمير صاحب المؤسسة، وينبغي الإشارة أيضا في هذا المجال إلى أن مالك المؤسسة يجب أن لا يكون « بقارا» أو « بزناسا»، بل يجب أن يكون رجل إعلام أو رجل ثقافة أو رجل أعمال يستثمر، كما ينبغي أن تكون هناك قوانين واضحة من طرف الحكومة في هذا المجال، وعندما نؤسس لهذه الآليات نستطيع أن نقول بأننا سنقوم الصحافة، ولا ننكر حاليا وجود بعض المجهودات الفردية من طرف صحفيين نزهاء محترفين، ووسائل إعلام نزيهة محترمة، لكن هذا استثناء فقط، لهذا يتوجب وضع ميكانيزمات وقوانين، والاحترافية والخدمة العمومية تأتي بالقوانين، ولا يجب أن ينظر للخدمة العمومية على أنها حملة « الزرع والحصاد، أو حملة تلقيح الأطفال، هذه ليست خدمة عمومية، بل الخدمة العمومية الفعلية هي خدمة المجتمع بكل فئاته من خلال الأحداث. النصر : كلمة أخيرة تفرقنيت: الحراك الشعبي يريد تغيير النظام وإرساء دولة تداول على السلطة، والحراك يجب أن يشمل الإعلام حتى نرتقي إلى إعلام موضوعي احترافي يلبي رغبات المواطن، ليس على طريقة ما يطلبه المشاهدون أو المستمعون، هذا مرفوض ويجب التأسيس لصحافة محترفة تخدم المواطن والسيادة الوطنية وتحافظ على سلامة المجتمع والبلد.