بوضياف يلتزم بإسكان "الذين دفنوا أحياء" " تعاقب الولاة على قسنطينة وذهبوا، ولم يغيروا الوضع. ووعد رؤساء دوائر الولاية بإنهاء المعاناة، ثم تقاعدوا أو نقلوا إلى دوائر في ولايات أخرى وأخلفوا الوعد. وكذلك فعلت المجالس البلدية المتعاقبة على اختلاف ألوانها السياسية ولم تحقق وعودها الانتخابية..." هذه جملة جاءت في روبورتاج نشرته جريدة النصر على صفحتين بتاريخ 4 أوت 2008 عن معاناة سكان حي السلام بقسنطينة (حي بالسيف سابقا)، ولم تعد صالحة منذ صباح الأمس، حيث أسقطها والي قسنطينة من أذهان سكان الحي الذين خرجوا لعرض معاناتهم ومأساتهم التي بلغت ربع قرن تقريبا واستقبال أول وال يزور الحي. السيد بوضياف الذي استقبل بباقة ورد والزغاريد واصل تحدياته ورهاناته على تغيير وجه قسنطينة، وأول هذه التحديات المنبثقة من تعليمات والتزامات رئيس الجمهورية في برامجه المتتالية، هي القضاء على الأحياء الفوضوية والقصديرية، و "حي بالسيف" الذي بني في سنوات الفوضى والعصيان السياسي، وتورمت أكواخه وبناياته في سنوت الفرار من الجحيم والاغتيال، هو حي، يعيش خارج الوقت وخارج أبسط ضرورات الحياة الكريمة للانسان لكنه وصمة عار على جبين قسنطينة ومسؤوليها المتعاقبين، لذلك فإن زيارة والي قسنطينة أمس الى "حي بالسيف" شكلت فعلا ودون مداهنة أو زيف حدثا بارزا قد لا تضاهيه الا عملية ترحيل سكان حي "نيويورك" القصديري منذ عدة سنوات. ولقاء السيد بوضياف بسكان الحي، كان له وقع نفسي مؤثر على الذين صبروا وصابروا طويلا في انتظار هذا اليوم، أي التحدث مباشرة الى المسؤول الأول على الولاية دون وسيط أو دون رسائل مفتوحة ربما تاهت في أروقة البيروقراطية ولم تصل الى المعنيين، وترجم الارتياح بالزغاريد أحيانا والتصفيق، وأحيان أخرى بنقل الشكاوي والمطالب بشيء من "الزعاف". وهذا طبيعي لدى سكان الحي المتضررين الذين اعتبروا زيارة الوالي (الأولى لمسؤول ولائي منذ ميلاد الحي) فرصة قد لا تعوض ولا تتكرر، رغم أن السيد بوضياف، صرح بأنه زار الحي من قبل دون أن يحدث صدى. وفعلا تبين اطلاعه والمامه تقريبا بكل تفاصيل نشأة الحي وتركيباته ومشاكله ولجانه، في حديثه المفتوح مع السكان وأثناء تنقله بين أضلع الحي وزراديبه وأزقته المتلاصقة. وما يجب التوقف عنده، بأن حفاوة الاستقبال التي حظي بها الوالي صباح أمس في "حي بالسيف" لم تدفعه الى الشعبوية والى تبني خطاب المجاملة والوعود الزائفة. فقد التزم الوالي بإيجاد حل لترحيل السكان، وسيختار بنفسه الموعد، لكن لم يتم ذلك الا بدراسة دقيقة للملفات وللمحتاجين فعلا، بإقصاء السماسرة والدخلاء ، لأنه لا يجب النسيان في البدء بأن الحي فوضوي، بتعبير آخر تعد على ملكية عمومية. عند ترحيل السكان والقضاء على هذا الحي القصديري، يمكن القول بأن قسنطينة تخلصت فعلا من محنة كبيرة، وفككت حقيقة حزاما من مختلف الألغام الاجتماعية والسياسية وحتى الانسانية. بكلمة واحدة إعادة البسمة "لموتى دفنوا أحياء"، كما جاء في عنوان الروبورتاج الذي نشرته النصر في أوت من عام 2008. وتحقيق ذلك، سيسجل طبعا للوالي بوضياف الذي تميز بشجاعة وعزيمة في مجابهة عدة طابوهات والسير في الوقت نفسه على حقول ألغام زرعت في عهود سابقة وتعقدت وتورمت بفعل تراخي البعض وعدم شجاعة البعض...