حجارة جسر باب القنطرة ستستعيد لونها الرمادي بعد عملية الترميم استثارت كسوة القوس الرئيسي لجسر باب القنطرة وحوافه باللونين الأصفر والرمادي سكان مدينة قسنطينة، حيث أبدوا استياءهم مما اعتبروه محاولة لطلاء الحجارة العريقة للقنطرة التي يعود تاريخها إلى العهد الروماني، بينما تؤكد مديرية الأشغال العمومية أن الأمر يتعلق بدهن للجزء المذكور باستعمال مواد خاصة لحماية المنشأة وصيانتها في إطار عملية إعادة اعتبار، مؤكدة على عدم نيتها المساس بلون الحجارة، التي ستستعيد كسوتها الطبيعية. وانتشرت عبر وسائل صفحات منصة «فيسبوك» للتواصل الاجتماعي بداية من أمسية أمس الأول، صور لحافة الجسر المقابلة لجهة الشمال، بعد أن كُسي الدرابزين الخرساني الخاص بها لونا أصفر فوق القوس الرئيسي الذي كسيت أعمدته بلون رمادي فاتح. وعبر مستخدمو منصة التواصل عن استغرابهم من «طلاء» الجسر، مثلما سموها، متحدثين عن تخوفهم من أن تمتد العملية إلى الحجارة، حيث شارك الصورة مواطنون ومنتخبون محليون وفنانون، كما اشتمل الجدل على الإشارة إلى حادثة مشابهة وقعت منذ فترة، عندما قامت بلدية قسنطينة بطلاء حجارة المركز الثقافي ابن باديس، المعروف لدى سكان المدينة باسم «كلية الشعب»، في إطار عملية ترميم، بالإضافة إلى الجدل الذي أثير حول أقواس قناة نقل المياه الرومانية منذ فترة. القوس الرئيسي لم يخضع للترميم منذ سنة 1925 وتنقلنا صباح أمس إلى جسر باب القنطرة التاريخي، الذي كان يمثل في القرون الماضية المعبر نحو أحد أبواب المدينة، وقد لاحظنا أن قوسه الرئيسي قد كسي بلون رمادي يعلوه لون أبيض لسور الدرابزين الخرساني المجزأ بأعمدة معدنية طليت بلون أحمر «بوردو»، وهو ما يمثل اختلافا عن الضفة المقابلة للجهة الجنوبية. وشاهدنا عاملا داخل أعمدة قوس الخرسانة يقوم بعملية الدهن، بالقرب من اللوح الصخري الذي يحمل نقشا جاءت فيه عبارة «بُني تحت حكم نابليون الثالث إمبراطور الفرنسيين 1861 – 1863»، وهي تؤرخ لعملية إعادة بناء الجسر من طرف السلطات الاستعمارية حوالي منتصف القرن التاسع عشر، بعد أن تهدم قوسان رئيسيان منه سنة 1857 أثناء مرور وحدات عسكرية عليه. وأكد لنا رئيس المشروع التابع للشركة المكلفة بعملية الترميم والصيانة، أن القوس الرئيسي المنجز بالخرسانة المسلحة لم يخضع لأي عملية ترميم منذ عام 1925، تاريخ انتهاء بنائه، فالسلطات الاستعمارية قد أعادت بناءه في عام 1863 باستعمال قوس معدني كبير، قبل أن تقرر إعادة هدمه وإنجاز آخر باستخدام الخرسانة المسلحة من أجل تعزيز قدرة الجسر على التحمل. وأضاف محدثنا أن عملية الصيانة التي أطلقتها مديرية الأشغال العمومية لولاية قسنطينة قد كشفت عن تدهور العديد من الأجزاء أسفل القوس بسبب العوامل التي مرت عليه والتآكل، كما أدت التسربات المائية بالشبكات الموجودة تحت أرصفته إلى تأخير إعادة بناء الأرصفة. الأوساخ وعوامل الطبيعة جعلت حجارة الجسر صفراء ولاحظنا عند مدخل الجسر المحاذي لنهاية شارع العربي بن مهيدي، مجموعة من العمال يقومون بمواصلة أشغال الدهن، في حين التقينا برئيس المشروع لدى مديرية الأشغال العمومية، أمير بن حسين، الذي صرح لنا أن المنشأة تضم جزأين، أحدهما بني بالخرسانة ويتمثل في القوس الرئيسي، بينما أنجز باقي الجسر باستعمال الحجارة، في حين أكد محدثنا أن ما تقوم به الشركة المكلفة بعملية الصيانة وإعادة الاعتبار ليس طلاء للجسر أو حجارته، وإنما كسوة بمواد خاصة من أجل حماية الخرسانة التي تعرضت للتدهور. وأضاف المسؤول أن العملية قد انطلقت بالترميل، ثم استعملت مواد من أجل حماية الخرسانة على أربعة مراحل، تتصدرها عملية وضع مضاد للصدأ لحماية الفولاذ الموجود في الخرسانة، ثم عملية وضع «راتنج» لذات الغرض، في حين نبه إلى أن المادة التي اعتبرها المواطنون طلاء، تمثل دهانا أصفر مقاوما للرطوبة، ويعمل على تمديد عمر الخرسانة، مشيرا إلى أن عمال الشركة قاموا بوضع دهان آخر مقاوم للرطوبة بلون رمادي. و أوضح نفس المصدر أن الحافة المقابلة للجهة الشمالية ستدهن بنفس المواد ويكون لها نفس الألوان، كما شرح لنا أنه في حالة قيام أحدهم بصب الزيت أو أي من السوائل على القوس الخرساني بعد دهنه بالمواد المذكورة، فإنها لن تعلق به. أما بخصوص الحجارة، فأكد محدثنا أن المشروع، الذي رصد له غلاف مالي بقيمة 9 ملايير و 600 مليون سنتيم، لا يتضمن طلاءها أبدا، رغم أنه أوضح أن لونها الأصفر الذي اعتاد سكان المدينة عليه منذ أكثر من خمسة عقود، سيزول إلى الأبد، وستعود «الحجارة الزرقاء» إلى لونها الطبيعي، وهو الرمادي المائل إلى الزرقة، بعد تنظيفها باستعمال تقنيات خاصة. استعمال سقالة متحركة لأول مرة لتنظيف الحجارة وذكر محدثنا أن حجارة الجسر قد استحالت سوداء في العديد من نقاط المنشأة، بينما اكتست اللون الأصفر بفعل الأوساخ والعوامل الطبيعية الأخرى، مشيرا إلى أن الشركة حاولت التنظيف باستعمال المياه، لكنه لم يقدم النتائج المطلوبة بعد تجربته، ما جعل المقاولة المكلفة بالعملية تقوم باستيراد مادة خاصة من الخارج، وهي تقوم بالكشط، بعد إجراء دراسة، حيث سيتم الاعتماد عليها مع التنظيف بالضغط. ونبه محدثنا إلى أن العملية ستتم بعد وضع أعمدة سقالة متحركة تعتبر الأولى على المستوى الإفريقي، بحسبه، حيث صنعت في الجزائر لكن الدراسة الخاصة بها قد أعدت في بريطانيا. و رافقنا رئيس المشروع أسفل القوس الأول نحو جهة محطة القطار، حيث أرانا عينة من الحجارة الزرقاء التي تم تنظيفها بالمادة المستوردة، وقد لاحظنا أنها استعادت لونها الرمادي القريب من الأزرق، الذي لا يختلف عن لون الكثير من الحجارة المستعملة على حواف أرصفة المدينة وأسوارها، في حين تقرب من الموقع مواطنان من المدينة، أحدهما فنان تشكيلي والآخر ناشط، وتساءلا عن عملية الدهن وتفاصيلها، حيث أكد لهما رئيس المشروع أن اللون الرمادي للقوس الرئيسي سيكون ملائما لباقي حجارة الجسر عندما تستعيد لونها الأصلي. و أفاد رئيس المشروع أن وضع أعمدة السقالة المذكورة سيساهم في ترميم الأجزاء المتآكلة أسفل القوس الرئيسي، كما نبه إلى أن عملية التنظيف ستشمل أيضا ترميم الوصلات بين الحجارة في حال اكتشاف أجزاء منها متدهورة، مشيرا إلى أنها ستدهن بمادة شفافة لحمايتها، وستكون براقة في البداية، لكنها بريقها سيزول مع مرور الوقت. و قد لاحظنا بالقرب من براميل المواد المستعملة من طرف عمال الشركة، وجود مادة كتب عليها «دهن صناعي إيبوكسي» مستوردة من دولة الإمارات العربية، بالإضافة إلى براميل كبيرة لمادة مثبطة للتآكل خاصة بالخرسانة المسلحة. وتجدر الإشارة إلى أن مديرية الأشغال العمومية لولاية قسنطينة قد ردّت بنشر توضيح كذبت فيه ما راج في صفحات التواصل الاجتماعي حول طلاء الحجارة.