رجع مختصون في علم النفس سبب تعامل فئة واسعة من الأشخاص باستهتار مع جائحةكورونا، إلى أسباب عدة في مقدمتها الهروب من الواقع باعتماد الانكار كآلية دفاعية لاشعورية لتحقيق الراحة النفسية و التكيف مع الظرف الراهن، بالإضافة إلى انعدام الثقة وسط المجتمع و طبيعة التنشئة الاجتماعية للفرد، و تحدثوا في المقابل عن فئة أخرى تعاني من الخوف المبالغ فيه نتيجة عدم القدرة على التعايش مع الظرف الاستثنائي والضغط الذي فرضه الحجر المنزلي، كما قدموا في حديثهم للنصر جملة من الحلول لتحقيق التوازن النفسي. أسماء بوقرن - البروفيسور نوال مامي عبد اللطيف مختصة في علم النفس: الخوف المفرط ناجم عن الشخصية الهشة و التهويل في نقل المعلومة البروفيسور نوال عبد اللطيف مامي أستاذة مختصة في علم النفس التربوي بجامعة محمد لمين دباغين سطيف 2، أكدت بأن الأشخاص الذين يعانون الخوف المفرط، لديهم شخصية هشة و ليس لهم قابلية التصدي ، و غالبا ما تكون ردة فعلهم قوية بالهلع و الخوف المفرط، لأن شخصيتهم غير مستعدة لمواجهة ذلك، بالإضافة للظروف الخارجية، كالتهويل بحيث يتعرضون يوميا لأ خبار مضخمة سواء في حياتهم اليومية و ما يقع على مسامعهم من أفواه أقارب و أصدقاء أو من خلال ما ينشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فالإصابة بالخوف المفرط تؤدي للقيام بتصرفات غير عادية، كالإفراط في التنظيف و الاغتسال، و الاصابة بالوسواس إذ يتجلى في عديد السلوكات كالامتناع عن الحديث للأفراد، تنظيف الملابس بشكل مبالغ فيه، داعية هذه الشريحة إلى ضرورة الابتعاد عن الأخبار المغلوطة و ما يتم تداوله في المحيط الاجتماعي. المختصة أوضحت بأن من أبرز أسباب الاصابة بالقلق المتزايد قطع صلة الرحم، ما أدى لإصابة البعض باضطرابات نفسية ، كما أدت لظهور أشياء اخرى كالإرهاق و عدم القدرة على النوم و كلها عوامل تؤثر على الحياة النفسية، مشيرة الى أنه و بالرغم مما يحدث إلا أن الأشخاص لا يستعينون بالمرافقة النفسية بالرغم من وضع خلايا اصغاء في خدمة الافراد . و أشارت محدثتنا إلى فئة الكهول و المسنين الذين يرفض عدد كبير منهم الاستجابة لتحذيرات المختصين و المسؤولين، و حتى التقيد بالأمور الوقائية ، لاعتبارهم الإصابة بالفيروس و الموت قضاء و قدر ، و هذا لأن الفرد عندما يصل لسن متقدمه يواجه صعوبة في التأقلم مع كل طارئ ، و كذا صعوبة في تغيير النمط المعيشي، و من الصعب جدا تقييده، و في حالة فرض عليه ذلك بشكل صارم سيصاب بانهيار عصبي. الفئة الثالثة التي تعتمد نهج اللامبالاة في التعامل مع الوباء، تتمثل في الشباب، الذين لمسنا نقص الوعي لديهم و الهروب من المسؤولية لكونهم لم يتلقوا تنشئة سليمة و صحيحة، إذ يتجلى ذلك من خلال رفض الاستجابة لتوجيهات المختصين ، و اللجوء للحلول السهلة، و من بين الأسباب أيضا ذكرت المختصة انعدام الثقة وسط المجتمع ، بحيث أصبح الفرد لا يثق في كل معلومة تقدم من جهات مسؤولة،، و هذا ما يعيق حدوث استجابة . الأخصائية شددت على ضرورة تحلي الأفراد بالثقافة النفسانية و اعتماد مرافقة نفسية و اجتماعية إلى ما بعد الجائحة خاصة بالنسبة للأطفال الذين تضرروا من الوضع، مؤكدة أن الأعراض النفسية التي ستظهر نتيجة طول مدة الحجر المنزلي ستكون أخطر من الفيروس في حد ذاته. - الأخصائي النفساني كمال بن عميرة : الوعي الجمعي و المسؤولية الاجتماعية ضروريان لتحقيق التوازن النفسي * الاستراتيجية الوقائية تفشل في ظل لامبالاة الأفراد الأخصائي النفساني بالمستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة كمال بن عميرة تحدث عن فئتين من المجتمع ، الأولى تعاني من الخوف المبالغ فيه و الأخرى تعتمد سياسية الاستهتار و اللامبالاة للهروب من الواقع و تحقيق الراحة النفسية ، مرجعا إصابة عديد الأفراد بالقلق المتزايد لدرجة الخوف المرضي المبالغ فيه من الوباء إلى الضغط الذي فرضه الحجر المنزلي و الخوف من العدوى، و القلق المتزايد و عدم القدرة على التأقلم مع الظرف الاستثنائي الحالي ، و هي فئة في الغالب تميل للشائعات و المصادر غير الموثوقة كما أنها كثيرة التعرض للأخبار غير الصحية المتعلقة بالجائحة خاصة المتعلقة بالوفيات، و هذا يزيد من تأزم الوضع النفسي لديها. في المقابل نجد حسب ذات المتحدث، أشخاص غير مبالين بخطورة الوضع تماما، و يسعون لإظهار استهتارهم كلما تأزم الوضع ، إذ وصلوا لحد التشكيك في عدم وجود الفيروس، و هم أفراد اعتبرهم غير واقعيين يعتمدون الانكار كحيلة أو آلية دفاعية لاشعورية لتحقيق الراحة النفسية والتكيف مع الظرف الراهن، و كذا غياب الوعي الناتج عن تنشئة اجتماعية خاطئة، و التي تدل على عدم استفادة الفرد من تربية صحيحة منذ نشأته، كما أن نمط عيش هؤلاء قائم على اللامبالاة، بحيث يتعاملون مع الأمر باستخفاف مهما كانت درجة خطورته، و هي فئة لا تسعى اطلاقا لتحري صحة المعلومة و إنما تنتقي ما يناسب توجهها، و تتصف حسبه بعدم الثبات و الرفض و بسيطرة الأفكار السلبية على التفكير، ما ينعكس سلبا على محيط الفرد، كما تتسم بعدم تحمل المسؤولية سواء الفردية و الاجتماعية، و هو ما يجعل الاستراتيجية الوقائية تفشل. و لتحقيق التوازن النفسي بين الخوف المرضي و الاستهتار و غياب الوعي، يجب التحلي بالمسؤولية الاجتماعية إذ تدخل حسبه ضمن القيم الأخلاقية الواجب على كل فرد التحلي بها ، بالإضافة الى التحلي بالوعي الجمعي و ذلك بالالتزام بالوقاية و اجراءات الحجر المنزلي و الحرص على التباعد الاجتماعي، و ارتداء الكمامات، أما بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الوسواس ، فهم في الغالب يتابعون وضعهم لدى مختص نفساني أو طبيب أمراض عقلية ، و يتواصلون مع النفسانيين على مستوى خلايا الاصغاء ، من بينها الخلية الموجودة على مستوى المستشفى الجامعي العامل بها، إذ تستقبل، كما كشف المتحدث، اتصالات يومية، ومن بين المتصلين أشخاص يتمتعون بمستوى عال من الوعي، و يسعون للاطلاع على معلومات عامة و طلب مساعدة نفسية لتجنب الوقوع في فخ التأزم النفسي. - ماليك دريد أخصائي نفساني رئيسي بالمركز الاستشفائي الجامعي بسطيف : الاستقرار النسبي للإصابات جعل فئة كبيرة تتعامل باستهتار ماليك دريد أخصائي نفساني رئيسي بالمركز الاستشفائي الجامعي بسطيف، قال إن التعامل منذ بداية الجائحة بسخرية مع الفيروس و إنكار وجوده ساهم في استهتار الكثير بالوضع، الذي اعتمد ذلك كميكانيزم دفاعي لاشعوري لمواجهة الخطر للتخفيف من حدة القلق و الخوف خاصة لدى فئة الشباب والمراهقين،الذين لم يأخذوا الأمر بجدية ، كما اعتبروا أنفسهم في منأى عن الإصابة بالوباء، نتيجة الثقة الزائدة في السلامةالجسدية. و من بين أسباب الاستهتار أيضا كون الفيروس غير مرئي و غير ملموس ، و كذا الاستقرار النسبي في عدد الاصابات و الوفيات في الجزائر مقارنة بدول أخرى، ما جعل فئة كبيرة تتعامل معه بنوع من اللامبالاة، بالإضافة إلى تضرر المصالح المادية و الاقتصادية لكثير من الأشخاص و الذي جعل البعض يغامر بنفسه لضمان لقمة العيش ، التعامل مع الفيروس بنوع من السخرية و التنكيت منذ بداية الأزمة . محدثنا أوضح بأن الخوف يرجع في الأساس لشخصية الفرد ، فالحذر مطلوب لكن الخوف المبالغ فيه و غير المبرر و قد تكون له تداعيات وخيمة، ولتحقيق التوازن النفسي حث على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة دون مبالغة في الخوف، والتعايش مع الوضع و التحضير النفسي لكل طارئ و الاستعانة بنفسانيين من خلال التواصل مع خلايا الاصغاء ، مؤكدا بأن الخلية المنتمي إليها تتلقى اتصالات عدة من أفراد يستفسرون في الغالب عن الاعراض والمشاكل التي تصادفهم والمتمثلة في الشعور بالقلق والأحلام المزعجة والكوابيس.