أزمة كورونا منحتنا دروسا وكشفت حقائق مسكوتا عنها عبّر المدافع الدولي السابق فضيل مغارية، عن استيائه من الوضعية التي آلت إليها المنظومة الكروية الوطنية، وأوضح في هذا الصدد بأن الاستثمار في التوقف الاضطراري، الذي فرضه فيروس كورونا يجب أن يكون بنتائج تعود بالفائدة على مستقبل الكرة الجزائرية، حتى لو اقتضى الأمر حسب قوله تمديد فترة الشلل الكروي إلى ثلاث أو أربع سنوات أخرى، بغية التمكن من استئصال الورم الخبيث، الذي ظل ينخر جسد منظومتنا لسنوات طويلة. حاوره: صالح فرطاس مغارية، وفي حوار خص به النصر، اعتبر تدخل الوزارة في قضية التسجيل الصوتي، بمثابة نقطة الانطلاق لحملة محاربة الفساد الكروي، لكن هذه الحملة لا يجب كما أردف أن تتوقف عن هذه القضية، لأن الكرة الجزائرية تحتاج إلى تغيير جذري يسمح بضخ دماء جديدة، مع إلزام كل رؤساء النوادي بالرحيل، وذهب إبن مدينة الشلف إلى التأكيد على أن التستر وراء الإنجاز الذي حققه المنتخب الوطني، لا يكفي لحجب الفضائح التي تلطخ صورة المنظومة الكروية الوطنية. دخولنا الاحتراف كان خاطئا والمصيبة بداية المشروع ب32 ناديا *نستهل هذا الحوار بالحديث عن نظرتك الشخصية للواقع الراهن للمنظومة الكروية الوطنية، خاصة بعد كثرة الحديث عن قضايا الفساد؟ أبسط ما يمكن قوله في هذا الصدد أن الدروس، التي قدمتها لنا أزمة كورونا تبقى كافية لكشف بعض الحقائق المسكوت عنها، لأن فترة التوقف الاضطراري عن النشاط، فتحت الباب لتفجير بعض القضايا، ولو أن الحقيقة الميدانية، تؤكد بأن الوضع تجاوز الخطوط الحمراء من حيث درجة التعفن، وقضية التسجيل الصوتي المسرب تبقى بمثابة النموذج الحي على الفساد الذي عشعش في منظومتنا، لأن المدير العام لوفاق سطيف، صرف من ماله الخاص الكثير على الفريق منذ التحاقه بالطاقم المسير، ليجد نفسه في نهاية المطاف وراء القضبان، ولو أن المعادلة جد معقدة، لأن الكرة الجزائرية أصبحت رهينة «مافيا» اقتحمت المجال في السنوات الأخيرة، وأصبحت تفرض منطقها، بالتواجد على رأس أندية تنشط في أعلى المستويات، مقابل التلاعب بالمال العام بانتهاج أساليب وطرق وملتوية، وعليه فإن الاستثمار في الشلل الإجباري الذي فرضه الفيروس يجب أن يكون بعقلانية كبيرة، وذلك من خلال فتح تحقيقات معمقة في تسيير كل النوادي، وهي الخطوة التي ستكشف حقائق صادمة، لأن ما خفي أعظم، خاصة في التلاعب بصفقات اللاعبين. تعاقدات اللاعبين تحوي فضائح وتلاعبات *هل من توضيحات أكثر بخصوص نظرتك «السوداء» إلى مسيري النوادي؟ أكبر خطأ تم ارتكابه في الجزائر كان عند اعتماد قانون الإحتراف، لأن كل الأندية لم تكن جاهزة لقطع هذه الخطوة، لكن الاتحادية أصرت على توسيع قائمة الفرق المحترفة إلى 32، والواقع الميداني كان ظاهرا للجميع، على اعتبار أن أغلبية النوادي، لم تكن تتوفر على ملاعب تستوفي الشروط، فما بالك بالجانب المادي، إذ أن المصدر الوحيد للتمويل يبقى منحصرا في الإعانات المقدمة من السلطات العمومية، وعليه فإن رؤساء الفرق لم يفوتوا فرصة دخول قانون الاحتراف حيز التطبيق، للشروع في تحقيق مصالحهم الشخصية، لأنهم نصبوا أنفسهم كموظفين في الشركات الرياضية، للحصول على رواتب خيالية، مع فتح المجال للتلاعب أيضا في عقود اللاعبين، خاصة وأن أبسط عنصر في البطولة الوطنية أصبح يتقاضى راتبا شهريا لا يقل عن 200 مليون سنتيم، وهو أمر مبالغ فيه، لأن هذه القيمة كان من المفروض أن تكون أعلى ما يتقاضاه أحسن لاعب في البطولة، لكن الحسابات المبنية على المصالح الشخصية، كانت وراء ظهور أساليب ملتوية في قضية الصفقات، وذلك بدخول شريحة أخرى على الخط، وهي مجموعة «الوسطاء» التي لا علاقة لها بالمنظومة، إلا أنها أصبحت تتحكم في سوق اللاعبين والمدربين على حد سواء، وهذا طبعا بالتواطؤ مع رؤساء الفرق، الأمر الذي أبقى كل لاعب رهينة أطراف أخرى تتحكم في مصيره، مع اقتطاع «جزية» الرئيس والوسيط من الراتب الشهري، وهي أساليب لا يمكن لأي كان إنكارها، لتبقى المنظومة الكروية الوطنية الحاسر الأكبر، سيما وأن المستوى الفني تراجع إلى الحضيض، مقابل صرف النظر كلية عن سياسة التكوين، وإهمال الفئات الشبانية. الفاف كانت كالنعامة في قضية التسجيل والرابطة أطلقت بارودا شرفيا ! * ألا ترى بأن تحرك الوزارة باللجوء إلى العدالة في قضية التسجيل الصوتي كفيل بردع باقي المسيرين؟ الغريب في الأمر، أن الوزارة قامت بإيداع شكوى رسمية ضد مجهول في قضية التسجيل الصوتي المسرب، في الوقت الذي فضلت فيه الفاف التزام الصمت، رغم أنها الهيئة الأولى المعنية بهذه القضية، بينما لجأت الرابطة المحترفة إلى إطلاق بارود شرفي بعد حسم الأمور، لأن قرار تأسسها كطرف مدني، جاء بعد إيداع المشتبه فيهما رهن الحبس المؤقت، والقراءة المعمقة في هذه الخطوات تكشف عن موقف أعلى هيئتين كرويتين إزاء قضايا الفساد، لأن هناك العديد من القضايا التي كانت قد طفت على السطح في المواسم الفارطة، لكنها بقت رهينة الأدراج، بسبب انتهاج الاتحادية سياسة الهروب إلى الأمام والتنصل من المسؤولية، وهي الإستراتيجية التي زادت في تفاقم الأمور، ليتجاوز الفساد الكروي الخطوط الحمراء، إلى درجة أن التباهي به أصبح «موضة» زينت «بلاطوهات» القنوات التلفزيونية، وكأن الأمر لا يخص الفيدرالية، والخطوة التي قامت بها الوزارة هذه المرة جريئة، وتواكب سياسة السلطات العليا للبلاد، الرامية لمحاربة الفساد بشتى أنواعه، في جميع القطاعات لبناء جزائر جديدة، إلا أن هذه الخطوة يجب أن تكون نقطة انطلاق لنظام عمل جديد، وذلك بتوسيع دائرة التحريات والتحقيقات، لأن الوضع جد متعفن على مستوى الأندية، ولو تطلب الأمر توقيف المنافسة لفترة أطول وإخضاع الفرق لتحقيقات إدارية ومالية، وعواقب ذلك ستكون بالتأكيد إلزام جميع رؤساء الفرق على الرحيل، لأن التلاعب بالمال العام يبقى القاسم المشترك، مادام الجميع ينتظر إعانات السلطات العمومية، بينما تقدر ميزانية تسيير أي ناد في الرابطة المحترفة عن 30 مليار سنتيم، وهي القيمة التي تفتح باب الشكوك على مصراعيه، وتستوجب التحقيق الإداري والمالي، مع التفكير بجدية في ترشيد النفقات، والسعي لضخ دماء جديدة في المنظومة، بتسليم المشعل لجيل جديد من المسيرين الشبان، يراعون مصلحة الوطن، ويعملون على حماية المال العام من النهب والاختلاس تحت غطاء كرة القدم. أتمنى فتح تحقيقات في تسيير الأندية لأن المال العام في «اللعبة» *لكن الحديث عن الفساد، جاء بعد نجاح المنتخب في التتويج باللقب القاري، فما سر ذلك؟ لا يمكن إسقاط ما حققه المنتخب على الوضع السائد في المنظومة الكروية الوطنية «داخليا»، لأن وضعية المنتخب في واد والبطولة المحلية في واد آخر، وما حققه «الخضر» قبل سنة في مصر، كان بفضل التضحيات الكبيرة التي قدمها اللاعبون والطاقم الفني، لأنهم كانوا وطنيين بأتم معنى الكلمة، وأصروا على رفع التحدي بفضل سلاح «النيف» والروح الوطنية، وبلماضي تمكن من فرض انضباط كبير داخل المجموعة، وهذا العامل كان ينقص المنتخب خلال السنوات الماضية، ولو أن الملفت للانتباه أن ركائز التشكيلة محترفة في الخارج، بما في ذلك العناصر التي تخرجت من البطولة الوطنية، والتي كانت لها تجارب احترافية لتطوير قدراتها، لأن البطولة المحلية تبقى عقيمة، وغير قادرة على إنجاب عناصر جاهزة ذهنيا وتكتيكيا لانتزاع مكانة ضمن المنتخب الأول، لأن اللاعبين الذين ينشطون في الجزائر أصبحوا يفكرون في الجانب المادي، دون تسطير أهداف لمشوارهم الكروي، سواء بالبحث عن مكانة في المنتخب، أو السعي للظفر بعقد احترافي في الخارج، وهو ما انعكس بالسلب على المنتخب، فما كان علينا سوى انتظار هذا الجيل وكذا قدوم بلماضي، لتوفير الظروف التي سمحت للكرة الجزائرية بمعانقة التاج القاري لثاني مرة في التاريخ، والأولى من نوعها خارج التراب الجزائري، وهنا بودي أن أوضح شيئا مهما. أتمنى أن لا يكتفي منتخب «بلماضي» بلقب مصر فقط *تفضل .... ما هو؟ الكرة الجزائرية يجب أن تستثمر في هذا المكسب على مدار عشرية من الزمن على أقل تقدير، وذلك بالتتويج باللقب الإفريقي مرة أخرى على الأقل، في ظل توفر الإمكانيات البشرية القادرة على تجسيد هذا الهدف، سيما وأن المستوى الذي ظهر به الخضر في ودية كولومبيا، برهن على بلوغ منتخبنا درجة «العالمية»، والتفكير الجدي في المستقبل ضرورة حتمية انطلاقا من مونديال قطر 2022، لتفادي «السيناريو» الذي عشناه مع جيل الثمانينات، حيث كان الجميع يعترف بأننا أقوى منتخب، ونستحق اللقب في كل دورة من «الكان»، لكننا أجبرنا على انتظار الدورة التي احتضنتها الجزائر لإحراز أول لقب قاري، ليفك الجيل الحالي شفرة العقدة التي ظلت تطاردنا، والتي كانت قد جعلت الجميع يجزم بأن المنتخب الوطني، يبقى مطالبا بانتظار استضافة بلادنا النهائيات القارية لإحراز التاج، ولو أن هذا الطرح خاطئ، لأن فشلنا في إحراز اللقب خلال ثمانينيات القرن الماضي كان نتيجة قلة التركيز، خاصة في دورتي 1982 و1984، حيث كنا قادرين على التتويج سواء في ليبيا أو كوت ديفوار، ومنتخب 1990 لم يكن قويا مقارنة بسابقيه، إذ كنت برفقة الزميلين ماجر ومناد من أصحاب الخبرة الذين أطروا مجموعة شابة، وكان سلاحنا الوحيد الإرادة الإصرار على صنع أفراح ملايين الجزائريين، لكن المعطيات تغيرت مع مرور السنوات والكرة الإفريقية تطورت كثيرا، وأصبحت الفرديات تصنع الفارق. لا ضرر في توقيف المنافسة 4 سنوات *وما تعليقك على احتراف العديد من اللاعبين الجزائريين في تونس سيما وأنك كنت سباقا لخوض مثل هذه التجارب؟ ما حز في نفسي أن جيلنا كان ضحية القوانين، التي كانت تمنع أي لاعب جزائري من الاحتراف في الخارج دون 27 سنة، وعليه فإن انتقالي إلى النادي الإفريقي التونسي، كان في نهاية عندما أوشكت على تعليق الحذاء، حيث احترفت وعمري يبلغ 30 عاما، وهناك الكثير من الزملاء الذين تم قطع الطريق أمامهم للإحتراف في أوروبا بسبب هذا القانون، على غرار بلومي، ياحي وغيرهما، لأن جيلنا كان ثريا بالنجوم، ولو كان باب الاحتراف مفتوحا في تلك الفترة، لكانت الأغلبية قد غيّرت الأجواء، لكن الوضع في الوقت الراهن أخذ منعرجا مغايرا، لأن مستوى البطولة الجزائرية تقهقر كثيرا، والاحتراف في تونس يستوجب مراعاة الظروف التي يتواجد فيها كل لاعب، رغم أن أندية كالنادي الإفريقي، الترجي التونسي، النجم الساحلي والنادي الصفاقسي تتوفر على الإمكانيات التي تسمح لأي عنصر بتطوير قدراته، سيما بعد الاحتكاك المنتظم بالمنافسة القارية، لأن هذه الأندية تعد بوابة البطولات الأوروبية، وبلايلي يبقى المثال الحي، لأنه أصبح مدلل أنصار الترجي التونسي، وكان بعد دورة «كان 2019» قادرا على الاحتراف في أوروبا، إلا أنه فضل الانتقال إلى الدوري السعودي. بعض من اجتهدوا في تصفيات مونديال 1986 لم ينالوا حقهم ! *وهل لنا أن نعرف أهم المحطات التي مازالت تحتفظ بها ذاكرتك في مشوارك الكروي؟ مما لا شك فيه أن تجربتي مع النادي الإفريقي، تبقى من أهم الذكريات، لأنها وإن دامت 3 سنوات فقط، لكنها أعطتني الكثير من التقدير والاحترام، وكانت قد عبدت الطريق للكثير من اللاعبين الجزائريين للاحتراف في تونس، بالإضافة إلى بعض الأمور التي كانت تطفو على السطح داخل المنتخب، خاصة في مرحلة مونديال 1986 بمكسيكو، لأن النجاح في التأهل كان كافيا لتفجير مشاكل داخلية، كانت وراء مشاركتنا الكارثية في دورة «كان 1986» بالإسكندرية، قبل أن تثار ضجة كبيرة بسبب قائمة اللاعبين المعنيين بالمشاركة في المونديال، وهذا بعد الاستغناء عن بعض العناصر، التي كانت قد خاضت التصفيات، وضم لاعبين محترفين كانوا قد قرروا مقاطعة المرحلة التصفوية، والجميع يتذكر جيدا «الجحيم» الذي عشناه في زامبيا سنة 1985، لما عندنا بتأشيرة التأهل في ظروف مناخية جد قاسية، وهي المشاكل التي أحدثت انقساما داخل المجموعة، بلغت حد نشوب شجارات بين اللاعبين، لتكون عواقب ذلك مشاركة جد متواضعة في المونديال، رغم أننا كنا قادرين على صنع الحدث وتكرار انجاز ملحمة خيخون، والدليل على ذلك المستوى الذي قدمناه في المباراة الثانية ضد البرازيل، إذ كنا قادرين على الفوز، قبل أن تطفو المشاكل من جديد في اللقاء الثالث ضد إسبانيا، ومثل هذه المشاكل حرمت الكرة الجزائرية من الكثير من الألقاب والتتويجات، رغم أننا كنا نلعب من أجل الألوان الوطنية، واللاعب الدولي في وقتنا لم يكن راتبه في النادي يتجاوز 4000 دينار.