ألح المهاجم الدولي السابق أحمد شوقي بن طيب، على ضرورة الاتخاذ من الخطوة التي قطعتها وزارة الشباب والرياضة، في التعامل مع قضايا الفساد كنقطة انطلاق لمرحلة جديدة، وذلك باستغلال الفرصة لسن قوانين جديدة كفيلة، وإرغام الهيئات الكروية على التحرك والضرب بيد من حديد. ابن مدينة عين البيضاء، وفي حوار خص به النصر، أكد بأن الفساد أصبح عبارة عن أخطبوط بسط أذرعه على الشأن الكروي ببلادنا، بعد اتساع الرقعة من اللاعبين، المسيرين والحكام إلى «بارونات» الوسطاء وحتى «البلطجية»، كما تحدث عن سر وفائه لمدرسة «الحراكتة» ورفضه الكثير من العروض حتى للاحتراف في الخارج، وكذا تجربته مع الخضر التي توقفت في بداياتها. حاوره: صالح فرطاس - نستهل هذه الدردشة بالاستفسار عن مكانة بن طيب في المشهد الكروي الحالي بعد اعتزاله اللعب؟ الحقيقة أنني قررت الابتعاد كلية عن عالم كرة القدم، والتفرغ للنشاط الفلاحي، وذلك بسبب عدم قدرتي على التعايش مع المعطيات الجديدة للمشهد الكروي، لأن المحيط أصبح شبيها بالمستنقع، ودرجة التعفن تجاوزت الخطوط الحمراء، مما أجبرني على الانسحاب نهائيا، حتى أنني أصبحت أتحسر كثيرا على المستوى، الذي بلغته البطولة الوطنية من الناحية الفنية والتقنية، وهذا عندما أتابع من حين لآخر بعض المقابلات على الشاشة، وعليه فإنني قررت وضع نقطة النهاية لعلاقتي بكرة القدم، لأن المحيط لا يسمح لأي شخص نزيه ونظيف بالتواجد مع «مافيا»، التعامل معها يعني تأييد أفكارها، وهذا ما يعني تلطيخ السمعة وتشويه الصورة، التي كسبتها طيلة مشواري الرياضي على مدار سنوات طويلة. - يعني هذا بأنك ناقم على الوضع الراهن للمنظومة الكروية الوطنية، فما سبب ذلك؟ المشهد الكروي في الجزائر حاد عن إطاره القانوني في السنوات الأخيرة، وتغيّر كلية بالمقارنة مع عشناه في الفترة التي قضيناها في الملاعب، لأن لغة الملايير أصبحت تطغى على المنظومة، والمال تحوّل إلى العصب الأساسي، مما أدى إلى طغيان المصالح الشخصية على حساب مصلحة كرة القدم الجزائرية، وهي الحسابات التي زادت في تعفن المحيط، فامتدت سلوكات الفساد إلى كل الأطراف الفاعلة في المحيط، بدليل أن الاتهامات بترتيب نتائج المباريات أصبحت تشمل اللاعبين، الحكام والمسيرين، ولو أن الإشكال القائم حاليا يكمن في ظهور مجموعة نصبت نفسها وصية على المنافسة، ويتعلق الأمر بشريحة «الوسطاء»، التي أحكمت قبضتها على السوق، سواء في انتقالات اللاعبين والمدربين، وكذا في سلك التحكيم، وربط علاقتها بالتعيينات، وغرق كل الأطراف من لاعبين وحكام في مستنقع الفساد، ساهم في بلوغ درجة التعفن أعلى المستويات، فضلا عن انتهاج مسيري النوادي استراتيجية جديدة مبنية على توفير الحماية من المحيط الخارجي، من خلال تشكيل مجموعة مقربين تتشكل من «بلطجية»، وكل هذه الأطراف تتحصل على مستحقات مالية بطريقة غير شرعية من المال العام، وهذه الأوضاع تكفي لدق ناقوس الخطر. - برأيك، هل ستكون قضية التسجيل المسرب بعد إحالتها على العدالة كافية للتخفيف من حدة هذه الظاهرة مستقبلا؟ لا أخفي عليكم، بأنني كنت قد خضت تجربة كرئيس للنادي، عند قيادتي فريق القلب اتحاد عين البيضاء، وتلك المغامرة مكنتني من اكتشاف الكثير من الخبايا التي لم أصادفها في مشواري كلاعب، خاصة في الشق المتعلق بطريقة التسيير ومحيط النادي، وعليه فقد وجدت نفسي مجبرا على الاستقالة من هذا المنصب بعد 4 أشهر فقط، لأنني لم أستطع مواكبة الضغط الذي فرضه المحيط الخارجي، ولو أن تلك المغامرة كانت الفرصة، التي أعطتني صورة واضحة عن الفساد الذي عشعش في الساحة الكروية الجزائرية، لأن «المافيا» أصبحت تسيّر المنافسة عن بعد، في وجود لاعبين ومسيرين وحكام يبيعون ذممهم، بحثا عن الربح السريع من خلال التضحية بأخلاقيات الرياضة، وهذا على حساب مصلحة أندية معيّنة، والإشكال الذي ظل مطروحا يتمثل في وجود فراغ قانوني، لأن النصوص المعمول بها ليست ردعية، ومسؤولو الهيئات الكروية الوطنية لم يبادروا إلى التفكير في أي خطوة كفيلة بالضرب بيد من حديد، وهو موقف ترك المجال مفتوحا أمام «بارونات» حوّلوا الأندية إلى هياكل للتلاعب بالمال العام، سواء في استقدامات اللاعبين أو المتاجرة بالمباريات، بالتواطؤ مع حكام وحتى لاعبين، وتحرك العدالة في قضية التسجيل الصوتي، لا يجب أن يتوقف عند هذه القضية، بل يستوجب سن قوانين صارمة، لأن التحايل على القانون كان السبب الذي أدى إلى تفشي الفساد في الوسط الكروي. - هل نفهم من هذا الكلام بأن الفساد لم يكن موجودا في الفترة التي قضيتها كلاعب؟ كلا... فالحديث عن التلاعب بالمباريات كان منذ فترة طويلة، لكن الأمور لم تكن بهذه الحدة، إذ أن الوضعية تميّعت وتخطت كل الحدود في السنوات الأخيرة، بعدما أصبح التباهي بترتيب المقابلات، يزيّن المشهد الإعلامي عبر «بلاطوهات» القنوات التلفزيونية، مع التزام مسؤولي الاتحادية الصمت، ولو أن كل الحسابات أصبحت مبنية على الجانب المادي، مادامت الأندية تتحصل على الملايير من إعانات السلطات العمومية، رغم أن الفساد طال حتى المجالس المنتخبة، في وجود بعض المسؤولين الذين يعمدون إلى اقتطاع «الجزية» نظير المصادقة على الرفع من حصة النوادي من الإعانات المالية المقدمة، من طرف مختلف الهيئات، مقابل لجوء مسيري الفرق إلى التحايل والتلاعب في التقارير المالية، دون وجود مراقبة صارمة، رغم أن الأمر يتعلق بالمال العام، وتبديده يدفع بمسؤولي الأندية إلى تضخيم الفواتير لنيل حصتهم، وتبرير المصاريف غير القانونية، دون تجاهل التلاعب الكبير في إمضاءات اللاعبين والمبالغ الخيالية التي أصبحت متداولة، وهي معطيات غيّرت كلية من المعادلة، فأصبح النشاط الكروي مرتبط بكسب المال دون البحث عن تطوير المستوى، بينما لم تكن الأموال في وقتنا متوفرة، وكنا نلعب فوق «التيف» من أجل النيف والألوان، دون الحصول على أي مقابل مالي. - أيمكن القول بأن هذا السبب كان وراء بقائك وفيا لاتحاد عين البيضاء في مسيرتك الكروية؟ كما سبق وأن قلت، فإن الوضع مختلف تماما عن ذلك الذي عشناه، لأن كل الأندية في فترتنا كانت تشهد استقرارا كبيرا، والتنقلات بين الفرق في «الميركاتو»، كانت تعد على أصابع اليد الواحدة، وهذا العامل كانت ثماره تحسن المستوى الفني للبطولة، ولو أنني كنت قد غادرت اتحاد عين البيضاء لموسم واحد، بسبب الدراسة في الجامعة، وأمضيت في وداد مستغانم، وأنا لم أصنع الاستثناء في تلك الفترة، لأن الوفاء للألوان كان شعار جيلنا، وقد رفضت كل العروض التي تلقيها، بما فيها العرض الذي وصلني من نادي نيم الفرنسي، وسعدان عند التحاقه بالرجاء البيضاوي أصر على ضمي إلى هذا الفريق لكنني رفضت، بينما كنت كل صائفة محل اهتمام الكثير من الأندية، غير أن موقفي كان واضحا، وذات موسم أعطيت موافقتي للإنتقال إلى مولودية قسنطينة، مقابل 50 مليون سنتيم، وقد تدربت مع الموك على مدار 3 أسابيع، إلا أنني في نهاية المطاف عدت إلى عين البيضاء. - وكيف كان التحاقك بالمنتخب الوطني؟ لم يكن من السهل على أي لاعب الظفر بمكانة في المنتخب في فترة جيل الثمانينات، لأن الكرة الجزائرية في تلك السنوات كانت تزخر بترسانة من النجوم والمواهب، وتواجدي مع الأكابر كان بعد تسلقي في مختلف الأصناف، وكنت من أبرز ركائز المنتخب الجامعي، وعند خوض مقابلة ودية أمام المنتخب الوطني اقتنع سعدان بضمي إلى القائمة، وظهوري الأول كان في مباراة إعدادية بالبنين، وسجلت 4 أهداف، لأن اللعب مع بلومي ساعدني على تحقيق ذلك، كما كنت معنيا بالمشاركة في التصفيات المؤهلة إلى مونديال مكسيكو 1986، وشاركت حتى في التربص التحضيري الذي أجريناه بالمسكيك، وسجلت الهدف الوحيد للمنتخب الوطني في مباراة ودية أمام المجر، وعدم إدراجي في القائمة الرسمية للمونديال، كان بعد توضيحات تلقيتها من الطاقم الفني وقد اقتنعت بالخيارات، لأن التعداد كان ثريا في تلك الفترة. - لكنك سجلت حضورك بشكل مميز في «كان 1988» بالمغرب؟ التغيير الذي حصل على مستوى العارضة الفنية للمنتخب بعد مونديال مكسيكو، جعل الظفر بمنصب مع «الخضر» صعب للغاية، لأن روغوف اتخذ من الكفاءة الميدانية كمعيار أساسي ووحيد لاختيار اللاعبين، و"الفورمة" التي كنت أتواجد فيها مع اتحاد عين البيضاء سمحت لي بكسب ثقته، ولو أن مشاركتنا في تلك الدورة كنت مسبوقة بمشاكل داخلية، والجميع كان ينتظر إقصاءنا من الدور الأول، لكن الهدف الوحيد الذي سجله فرحاوي في مرمى منتخب الزائير (الكونغو الديمقراطية حاليا)، كان كافيا لإعطائنا حظوظ التأهل إلى نصف النهائي بعامل الحظ، بعد اللجوء إلى القرعة، وكنت صاحب التمريرة التي جاء على إثرها الهدف، والميدالية البرونزية التي أحرزناها في تلك النسخة كانت أفضل رد ميداني على كل من شككوا في قدراتنا، رغم أننا كنا قادرين على بلوغ النهائي، وتألقي في «الكان»، جعلني أتلقى الكثير من العروض خاصة من أندية فرنسية، مغربية وتونسية، إلا أنني قررت البقاء في عين البيضاء. - وما السبب الذي دفع بك إلى الاعتزال دوليا في سن مبكر؟ المشاركة في «كان 1988» مكنتني من إحراز الميدالية البرونزية، وهي أغلى انجاز في مشواري، وقد قررت وضع نقطة النهاية لمسيرتي مع المنتخب بعد رحيل روغوف، رغم أنني توجت في الموسم الموالي بلقب هداف البطولة الوطنية، برصيد 19 هدفا، لكنني قررت عدم العودة إلى النخبة الوطنية، لأن اللاعبين الذين ينحدرون من الجهة الشرقية كانوا يعانون التهميش، والجميع كان يعترف بقدراتهم ومؤهلاتهم، واعتزالي الدولي كان في سن 26، بينما قررت تعليق الحذاء نهائيا وسني لم يتجاوز 31 سنة، لأنني في الحقيقة لم أكن متعلقا بالنشاط الكروي، وممارستي له كانت من باب الهواية والترفيه، وتوجهي إلى الحياة المهنية كمهندس في الفلاحة، كان قد شغلي نسبيا عن التدريبات، ولو أن مغامرتي مع المنتخب أتاحت لي الفرصة للإحتكاك بالمستوى العالي، المشاركة في تربصات في العديد من بلدان العالم. - إلا أنك فوّتت على نفسك فرصة التتويج باللقب الإفريقي؟ لكل فترة خصوصياتها، والمشاركة في دورة المغرب زادت في تعلقنا بالمدرب روغوف، الذي رفع التحدي، وقرار الاعتزال دوليا لم يكن بنية رفض الاستجابة لنداء الواجب الوطني، بل من أجل التفرغ لأمور شخصية، وكرمالي عند إشرافه على التشكيلة أدرجني ضمن القائمة الأولية إلا أنني اعتذرت، رغم أن كل المؤشرات الأولية كانت توحي بقدرة المنتخب على إحراز التاج الإفريقي، سيما وأن الدورة أقيمت بالجزائر، ولا يمكن الندم على قرار اتخذته عن قناعة. - وما نظرتك للمنتخب الحالي الذي رفع التحدي قبل سنة بمصر؟ يمكن القول إن الظروف التي تنقل فيها المنتخب إلى مصر لم تختلف كثيرا عن تلك التي خضنا فيها دورة «كان 1988»، لأن الأغلبية كانت تنتظر الفشل، لكن بصمة المدرب كانت واضحة، وبلماضي نجح في بناء مجموعة منسجمة ومتلاحمة فيما بينها، وهذا ما كنا قد عشناه أيضا مع روغوف في المغرب، وبالتالي يمكن القول بأن الكرة الجزائرية تبقى دوما بحاجة على مدرب يمتلك شخصية قوية، ويقطع الطريق أمام كل من اعتادوا التدخل في مهام وصلاحيات الطاقم الفني، لأن اللاعب الجزائري موهوب فنيا، والاستثمار في هذه الطاقات يكون بالنجاح في اختيار المدربين، وهذا هو الإشكال الذي حرمنا من الكثير من الألقاب، لأن جيل الثمانينات كان قادرا على بسط سيطرته على نهائيات كأس أمم إفريقيا، غير أن مشكل العارضة الفنية والمشاكل المرتبطة بها أخرجت ذلك الجيل من الساحة دون أي لقب قاري.