تميّز النّصف الثّاني من عام 2020 بتنافس محموم بين الدّول لاكتشاف اللّقاح المضادّ للإصابة بفيروس «كوفيد-19» الجديد، حيث انتقل من التسابق على تحقيق فتح علمي غير مسبوق وبغاية نبيلة لخدمة الإنسانية، إلى «تدافع» لا يخلو من رائحة الخلفيات إستراتيجية التي تحركها السياسة والاقتصاد. وبينما كان بقية البشر يكابدون لمواصلة ما تبقى لهم من حياتهم العادية في ظل التقييد الذي فرضته الجائحة، انهمك العلماء في الجامعات وشركات الأدوية ومراكز البحث الحكومية والخاصة في العمل على تفكيك الفيروس الجديد وتطوير المصل المضاد له في صمت؛ قطعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شهر أوت بإعلانه الحاسم عن توصل بلاده إلى تطوير اللقاح المضاد لكورونا واجتيازه مرحلة متقدمة من الاختبارات، ثمّ أعاد إلى الأذهان ذكرى الحرب الباردة والسّباق نحو غزو الفضاء بأن أعلن أن روسيا أطلقت تسمية «سبوتنيك 5» على اللقاح، الذي قوبل بالتشكيك من علماء وبعض الجماهير، وحتى وسائل إعلام.ولم يكن خفيا على الرأي العام العالمي أن أسماء مجموعة من المخابر العالمية تعمل على تطوير لقاح للفيروس، بعدما صرحت بذلك، لكن الإعلان عن فعالية اللقاحات قد توالى بينها خلال بضعة أيام، ففي بداية شهر نوفمبر أعلن التحالف الألماني الأمريكي للتكنولوجيا الحيوية «بيونتيك وفايزر» عن توصله إلى إنتاج مصل فعال بنسبة 90 بالمئة، لتُزايد عليه روسيا بعد يومين بفعالية مصلها «سبوتنيك 5» المطور في معهد جمالايا بنسبة 92 بالمئة، وتعلن بعدهما شركة «موديرنا» الأمريكية عن فعالية مصلها المقدرة بنسبة 94.5 بالمئة، وتعود «بيونتيك وفايزر» إلى التصريح أن النتيجة النهائية لمصلها قد بلغت 95 بالمئة. وحددت منظمة الصحة العالمية 48 لقاحا في شهر نوفمبر، من بينها مشروع جامعة أكسفورد البريطانية مع شركة «أسترازينيكا» ومشروع المخبر الصيني «صينوفارم»، بينما رافقت اللقاحات المطورة من عدد من الشركات حملة إعلامية كبيرة، تستهدف الترويج لها بصورة واسعة لضمان اقتنائها من طرف أكبر عدد ممكن من الزبائن، في سوق عالمية مفتوحة تتضمن ملايير الأفراد الذين سيستفيدون من المصل، ما سيضمن عائدات ضخمة للمخابر والدول. وسينقضي آخر يوم من العام وقد بدأت عدة دول في التلقيح الرسمي لشعوبها ضد فيروس «كوفيد-19» وسط تخوفات المشككين من فعالية هذه الأمصال وما قد تحمله من أعراض جانبية، وبروز الدعوات للإعراض عنها، في حين تنتظر دول أخرى دورها للحصول على حصصها، كما أثار هذا الوضع أسئلة حول ثنائية الأخلاقيات العلمية والغاية التجارية المعلنة في السوق الصيدلانية العالمية، لكن كثيرا من الآراء تُجمع على أن قائمة اللاعبين الأساسيين وأدوارهم في تحريك سياسة العالم، ستحيّن بعد كورونا عندما يستذكر كل واحد منهم فضله في إنقاذ البشرية من الفناء الجماعي.