شباب بلوزداد يطيح بمولودية البيض ويتأهل الي الدور النهائي لكاس الجزائر    السيد شايب يستقبل وفدا برلمانيا عن روسيا الاتحادية    اجتماع متعدد القطاعات لتنسيق جهود تأمين واستدامة إمدادات الوقود    فشل حكومي واحتقان اجتماعي: الغلاء ينهك الشعب المغربي وصمت المخزن يزيد من تفاقم الأزمة    المجلس الشعبي الوطني يشيد بالمؤشرات الإيجابية الواردة في خطاب رئيس الجمهورية أمام المتعاملين الاقتصاديين    الجزائر تواجه غامبيا في ماي    رياح قوية مُرتقبة    احذرو الباراسيتامول ..    ديوان الحج يُطمئن    يوم العلم: مختصون يبرزون دور الحركة الإصلاحية في حماية الهوية الوطنية    صحة: دورة تكوينية متخصصة للالتحاق ببعض الرتب لأسلاك الممارسين الطبيين المفتشين    وهران: البطولة الولائية للكاراتي دو أواسط وأكابر اختصاص منازلات السبت المقبل    وزير الاتصال يشرف على لقاء جهوي للصحفيين والإعلاميين الخميس المقبل بوهران    الجزائر العاصمة : الوالي يقف على مشاريع إعادة تأهيل حديقة وادي السمار    جبهة البوليساريو تتصدى مجددا لحملة تشويه موجهة من قبل المغرب لمواصلة احتلاله اللاشرعي لأراضي الجمهورية الصحراوية    الجزائر/الصين: رغبة مشتركة من المتعاملين الاقتصاديين للارتقاء بالشراكة بين البلدين    الجزائر والصين توقعان 8 اتفاقيات لإطلاق مشاريع استثمارية في الصناعة والفلاحة    ملاكمة/المنتخبات الوطنية : تنصيب الطواقم الفنية لفئتي الأواسط و الوسطيات    بلمهدي يبرز دور الفتوى في تعزيز المرجعية الدينية والحفاظ على الهوية الوطنية    وزيرة العلاقات مع البرلمان تستقبل نائب رئيس لجنة الدفاع والأمن للمجلس الفدرالي الروسي    وهران.. أيام إعلامية حول مدرسة أشبال الأمة "الشهيد حمداني"    المدارس الحرة: سلاح جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في وجه الاستعمار الفرنسي    تدشين معرض "التراث الجزائري من منظور بلجيكي" بالجزائر العاصمة تكريما للفنان البلجيكي ادوارد فيرشافيلت    مبارك : نجاح باهر لعملية فتح رأس مال بنك التنمية المحلية عبر البورصة الجزائرية    الجزائر تظفر عن جدارة واستحقاق بعضوية مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي    حوادث الطرقات: وفاة 49 شخصا وإصابة 1884 آخرين بجروح في ظرف أسبوع    إلى متى الصمت؟!    الحكومة المغربية تواجه انتقادات متزايدة    والي بجاية يُسدي تعليمات صارمة    السفير يطمئن على قندوسي    بطولة للشطرنج بين مصالح الشرطة    نحو استلام 290 مركزا للتخزين الوسيط للحبوب    هذه استراتيجية الجزائر لمواجهة الحرقة    إطلاق شبكة الجيل الخامس قبل نهاية 2025    السودان.. جرحٌ عربيٌ نازفٌ    فتح رحلات الحجّ عبر الأنترنت    رسائل ثقة للاقتصاديين ودعامة للاقتصاد الوطني    هيئتان للتصدير والاستيراد انفتاح على الخارج وحماية للسوق    لأول مرة.."باك مهني" سبتمبر المقبل    المجتمع المدني .. من ثورة التحرير إلى الجزائر المنتصرة    حسن الجوار.. علاقة تلاشت مع الزمن    تموين افتراضي حول مكافحة حرائق الغابات    مقترحات تنموية على طاولة والي بئر توتة    اتحاد ورقلة يهدد بالمقاطعة ومستقبل الرويسات يندد    وزارة الصحة تحذر من مخاطر التناول المفرط لأدوية مادة الباراسيتامول    "الطيّارة الصفراء" لهاجر سباطة يفتكّ الجائزة الكبرى    ندوة تاريخية في قصر رؤساء البحر : لاحياء يوم العلم الحركة الإصلاحية في الجزائر..مسيرة التحولات ومسار التحديات    أول تعليق من أحمد قندوسي على إصابته المروعة    ما هو العذاب الهون؟    مستشفى "المعمداني" تحت القصف الصهيوني مجدّدا    تأكيد أهمية تضامن الفاعلين الفرنسيين مع المناضلين الصحراويين    تكريم وجوه فنية بارزة    الدورة الثامنة من 26 إلى 30 ماي    عربٌ.. ولكنهم إلى الاحتلال أقرب!    11 موقعاً جزائرياً.. نحو العالمية    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    الحضارات الإنسانية لا تعادي الثقافات النبيلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صمد أمام منافسة المساحات الكبرى بقسنطينة: "فندق الزيت" وجهة الباحثين عن عبق الأسواق القديمة
نشر في النصر يوم 04 - 02 - 2021

يحتفظ فندق الزيت الكائن بقلب قسنطينة بوهجه، و تنبض دكاكينه الصغيرة بحركية يومية، لم تعكر صفوها أعداد المحلات المنتشرة في المدينة ، و المراكز التجارية التي تخطف الكثير من الزبائن بجمالية واجهاتها الزجاجية و عروضها المغرية، فللمكان سحر من نوع خاص، تحاكي زواياه و جدرانه تاريخ المدينة التي واجهت بطش الاستعمار، فالفضاء كان مركزا لشرطة المستعمر الفرنسي، يعذب به المشتبه فيهم من الجزائريين، و كان قبل ذلك مائضة يتوضأ فيها المصلون قبل التوجه للصلاة بالجامع الكبير المقابل، ثم تم تحويل المكان إلى مساحة تجارية لبيع الأثاث، و ملابس الأطفال و الرجال و مستلزمات الحج و العمرة و ملابس الإحرام، و لا يزال يحافظ على ذات النشاط إلى غاية اليوم.
وهيبة عزيون
بعد مضي أزيد من 50 سنة، لا يزال «فندق الزيت»، مقصد الكثير من القسنطينيين، و حتى القادمين من ولايات مجاورة ، فالجميع يجدون مبتغاهم هناك، فلا يخرج منه الزبون إلا وهو محملا بالمقتنيات التي يريدها .
دعوات المصلين و أنين المعذبين انصهرت بين حجارته
فندق الزيت بني بشكل دائري و له مدخل كبير، تعتليه لافتة حديدية زرقاء كتب عليها بالطلاء الأبيض «مركز شرطة لتعذيب المشتبه فيهم «، و توجد دكاكين صغيرة في جانبيه ، و يتوسطه حوض مائي مغطى بصفائح حديدية، أما جدرانه فهي من حجارة متوسطة الحجم بنية اللون.
قال السيد محمد طباخ بائع ملابس الختان و مستلزمات الحناء بالفندق في حديثه للنصر، أن هذا السوق كان عبارة عن مائضة، تابعة للجامع الكبير الذي كان يمتد من شارع العربي بن مهيدي إلى غاية الرصيف، و يقصدها المصلون للوضوء قبل كل صلاة ، و عندما تم شق الطريق الرئيسي، انفصل الفندق عن المسجد، و في سنة 1954 حولته القوات الفرنسية إلى مركز للشرطة، لتعذيب المشتبه فيهم من الجزائريين، و كان يوجد بمدخله مكتب للتحقيق. أما الفضاء الداخلي، فكان مخصصا لاعتقال المشتبه فيهم و تعذيبهم، و يتوسط الفضاء منبع مائي وحوض يغتسل فيه الموقوفون، بعد إطلاق سراحهم .
و قال من جهته السيد أحمد بلعابد، أقدم تاجر بفندق الزيت، بأن في سنة 1958 قامت قوات الاستعمار بغلق « رحبة الجمال» ، و تحويل تجارها إلى الفندق و تخصصوا في بيع زيت الزيتون، لهذا أطلقت عليه تسمية فندق الزيت، ثم أصبح فضاء تجاريا لبيع الأثاث المنزلي المستعمل.
و في سنة 1979 التحق بالمكان الباعة الذين كانوا ينشطون خارجه و تم تقسيمه إلى دكاكين صغيرة عددها 40 دكانا، تضم طاولات لبيع ملابس الأطفال و الرجال التي تصمم و تتم خياطتها محليا.
و في نهاية الثمانينيات و بداية التسعينيات، أصبح أغلب أصحاب الطاولات يبيعون ملابس الحج و العمرة و مستلزمات الإحرام، كما قال المتحدث.
و أضاف التاجر محمد طباخ، أن الفندق قطب لبيع ملابس الختان و العمرة و الحج و كل ما يحتاجه الشخص المتوجه صوب البقاع المقدسة ، إلى جانب مستلزمات الحناء، فاكتسب شهرة وطنية، كما يعرض ملابس الأطفال و المآزر المدرسية و الألبسة الرجالية ، خاصة « القشابية»، و يحافظ إلى غاية اليوم على حركيته التجارية دون أن يتأثر بالمتغيرات الاجتماعية و الاقتصادية.
«بن يونس» و «بوزوج بيبان».. محلان يفتقدهما القسنطينيون
لفندق الزيت مكانة مميزة لدى سكان المدينة، فهو أحد الرموز العريقة التي ارتبطت بتاريخ المدينة القديمة ، خاصة أنه لم يفقد بريقه كباقي الأماكن العتيقة.
التقينا بالسيدة نورة ، رفقة شقيقتها، أثناء تجولهما بين الدكاكين، فقالت لنا « كلما كلما أزور وسط المدينة التي عشت و ترعرعت بها ، و غادرتها مع عائلتي منذ سنوات إلى منزلنا الجديد بحي زواغي سليمان ، أقوم بجولة داخل الفندق، حتى و و إن كنت لا أنوي شراء شيء، فقط لأشم عبق المدينة القديمة، و أسترجع ذكريات طفولتي، عندما كنت أرافق جدتي و والدتي لشراء ملابس من هنا».
و ترى نورة أن خصوصية الفندق تكمن في توفره على كل ما يحتاجه الزبون من ألبسة ، و كذا مستلزمات الحناء و الملابس الرجالية و حتى النسائية ذات الطراز التقليدي، التي لا تزال تصمم و تخاط ببعض الورشات العتيقة، مضيفة أن أصحاب دكاكين الفندق يختلفون عن باقي التجار، إذ تربطهم علاقة وطيدة بزبائنهم ، و لا تزال تتذكر أسماء بعض الباعة الذين كانت تقصدهم رفقة والدتها و جدتها و غيرهما من سكان قسنطينة ، لشراء ما يحتاجونه، على غرار محل «بن يونس» و «بوزوج بيبان»، و رغم أن التاجرين فارقا الحياة،إلا أن أبناءهما يواصلان نفس النشاط بمحلين، أكدت المتحدثة أنهما لم يتغيرا كثيرا .
و أكد التاجر أحمد العابد، أن زوار الفندق يشعرون براحة كبيرة عندما يتجولون بين أزقته الضيقة و يستمتعون بجمالية السلع المعروضة ، و يحظون هناك بمعاملة الملوك، إذ بإمكانهم، اختيار ما يريدون بكل أريحية، كما يمكنهم استبدال ما يشترون و حتى استرجاع ثمنه.
و قال من جهته محمد طباخ، تاجر شاب استخلف والده هو و شقيقه في دكان لبيع ألبسة الختان و الحناء ، أن خزانة للملابس عمرها أزيد من 30 سنة توجد بمنزلهما، اقتناها والده من فندق الزيت، و لا تزال بحالة حسنة إلى غاية اليوم، لأن تجار الفندق يحرصون على عرض سلع ذات نوعية جيدة، حفاظا على سمعتهم بين زبائنهم.
نبيل، تاجر آخر، قال لنا أن بالفندق ما يربو عن 40 دكانا 90 بالمئة منها، تملكها للبلدية، و ثلاثة أو أربعة محلات ملكية خاصة للتجار، و لا تزال هذه الدكاكين محافظة على شكلها القديم، فهي ذات مساحة صغيرة و بها طاولات لعرض الملابس، بينما قام بعض الباعة بتهيئة محلاتهم بوضع البلاط و تركيب واجهات من الألمنيوم .
و انتعش النشاط التجاري بالمكان ، رغم غلقه طيلة أشهر بسبب جائحة كورونا و تبعاتها، و رغم غزو المحلات العصرية و المراكز التجارية، التي فشلت في استقطاب زبائن فندق الزيت، الذين يقصدونه حتى من ولايات مجاورة.
الدكتور و الباحث عبد العزيز فيلالي
فندق الزيت شهد تحولات هندسية ووظيفية على مر العصور
قال الأستاذ و الباحث في التاريخ عبد العزيز فيلالي، أن فندق الزيت بوسط مدينة قسنطينة، عرف الكثير من التحولات في هندسته، و كذلك في وظيفته ، فكان قبل الاستعمار جزء هاما من الجامع الكبير، الذي يمتد من شارع العربي بن مهيدي إلى حي الأسواق « الرصيف»، و شيد على نموذج مسجد القيروان في تونس ، بعدها تم شطره إلى نصفين بعد شق الطريق الرئيسي خلال الحقبة الاستعمارية، و جعلت منه القوات الفرنسية مركزا للتعذيب و أضيفت إليه بعض الطوابق، بينما بقي سوره الخارجي مبنيا بالحجارة، و ظل على هذه الحال إلى نهاية الخمسينيات ، ثم تحول إلى فضاء لبيع زيت الزيتون لذا حمل إسم فندق الزيت، و بعد الاستقلال بقي فضاء تجاريا لعدة أنشطة كبيع الأثاث و الملابس. و أضاف المتحدث أن قسنطينة كان يوجد بها نوعان من الفنادق، الأول يقطنه التجار الأجانب المسيحيين و القناصل إبان الدولة الحفصية و الزيانية، و كانت مشيدة داخل الأحياء التجارية أو خارج أسوار المدينة، و بها كنائس صغيرة للعبادة و حمامات و غرف للنوم و هي معزولة عن المسلمين، و كانت هذه الفنادق بمثابة السفارة و تحمل أسماء الجالية القادمة إليها، سواء من إيطاليا أو جنوة أو البندقية و غيرها.
أما النوع الثاني فهي فنادق للمسلمين و هي ذات طابع تجاري و اقتصادي ، و كان عددها سبعة منتشرة عبر أحياء قسنطينة، على غرار فندق صالح باي، فندق سوق العاصر، فندق بن نعمون و فندق الخرازين، و فندق الزيت بحي الأسواق، بالقرب من رحبة الصوف، و قد تغيرت وظيفة فندق الزيت من الوظيفة الدينية قبل الاستعمار، حيث كان تابعا للجامع الكبير، إلى مركز للتعذيب ثم إلى فضاء تجاري محض، لا يزال كذلك إلى غاية يومنا هذا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.