"فندق الزيت"، قبلة الحجاج و الباحثين عن الملابس التقليدية يعرف فندق الزيت المتواجد بقلب المدينة القديمة بقسنطينة كعادته مع اقتراب كل موسم حج، حركة نشطة باعتباره قبلة تجارية يقصدها المقبلون على أداء الشعائر المقدسة من أبناء المدينة و المناطق المجاورة ممن لا زالوا أوفياء لأحد أقدم سوق للأزياء التقليدية و الدينية بمدينة الجسور المعلّقة. تهافت كبير على لباس الإحرام و الأحزمة و النعال و غيرها من المستلزمات التي يحتاجها الحاج في رحلته إلى البقاع المقدّسة، يشهده فندق الزيت أحد أعرق الأسواق المتخصصة في بيع الملابس و الأزياء التقليدية و الدينية بحي الرصيف و الذي يقصده الزوار من داخل و خارج المدينة منذ سنين طويلة، لما يتوّفر عليه من تنوّع يمنح الزبائن حرية أكبر للاختيار و الانتقاء لكثرة المحلات و الأجنحة التجارية المتخصصة في بيع الأغراض الضرورية للحج و العمرة و بأسعار يعتبرها الكثيرون تنافسية مقارنة بالأسواق السعودية على حد قول بعض من تحدثنا إليهم من الزبائن الذين كانوا بصدد تجهيز أنفسهم لرحلتهم القريبة إلى البيت الحرام، حيث ذكر أحدهم بأنه جاء من القرزي ببلدية أولاد رحمون لشراء ما يحتاجه في سفره ، قائلا بأن أفراد عائلته و أقاربه جميعا متعوّدين على اقتناء ملابس الإحرام من هذه السوق كلما فكروا في أداء المناسك. و ذكر آخر بأن للسوق سحر خاص، يحفزه على شراء أغراضه منه رغم توّفر المحلات بمكان سكناه بشلغوم العيد، معلّقا"تجار فندق الزيت كانوا سباقين لبيع الأزياء الدينية و مستلزمات الحج و العمرة و الختان، فبقينا أوفياء له". و قال آخرون أن عراقة السوق و سحر الأجواء داخل الفندق القديم و تنوّع السلع سبب قصدهم المكان أكثر من غيره، معتبرين زيارتهم للفندق زيارة سياحية لأحد أعرق الساحات التجارية بالمدينة مثلما قال المواطن مختار عشات الذي كان رفقة والدته العجوز، بصدد انتقاء مناشف بيضاء بجناح في مدخل الفندق. و اختار بعض التجار التحدث عن الجانب التاريخي للمكان، حيث ذكر التاجر علي إبراهيمي بأن فندق الزيت كان قبل الاستقلال ساحة يعرض فيها تجار الزيت سلعهم، و لم يكن المكان مكتظ كما هو عليه اليوم من حيث عدد فضاءات البيع بل كان هناك مركزا للشرطة. و من جهته سرد التاجر الطاهر بن شريط أحد أقدم التجار بالمنطقة بأن الفندق كان في عهد الاستعمار يحتوي بمدخله على مقهى بالإضافة إلى مركز للشرطة و مكتب للمساعدات الاجتماعية، مسترجعا كيف أن والده و عدد من التجار الذين كانوا يمارسون نشاطهم ب"رحبة الجمال" تم نقلهم إلى فندق الزيت بعد استغلال المظليين الفرنسيين للمكان في سبتمبر 1957، مضيفا بأن عدد التجار الجزائريين حينها لم يكن كبيرا، اشتغل معظمهم في حرفة الجلد ثم بيع الأثاث المنزلي قبل أن يتحوّل المكان إلى فضاء لبيع الملابس ابتداء من سنة 1976. و استطرد زميله أحمد عابد قائلا بأن ثمة من يقول بأن الفندق كان يتواجد به محافظة للشرطة الفرنسية يقومون بتعذيب الجزائريين هناك، فيما يقول آخرون أن الأمن حينها كان أمن حضري مهمته ضمان النظام و أغلب من كان يحبس هناك المخمورون الذين يقتادون في حالة سكر و يطلق سراحهم في الصباح بعد استعادتهم وعيهم أو المجرمين كما قال. و ذكر عدد من التجار بأنهم مجرّد مستأجرين يدفعون حق الإيجار المتراوح بين 1050دج و 2500دج حسب المساحة و موقع الجناح المستفاد منه، موضحين بأن اختيارهم لبيع الملابس الخاصة بالإحرام و الزي الديني و إكسسوارات الختان فرض نفسه منذ ثمانينات القرن الماضي، حيث وجدوا فيها مصدرا للكسب المضمون و لو بشكل متباين من موسم إلى آخر، مضيفين بأن أفضل موسم للكسب يبقى موسم العمرة و الحج و كذا شهر رمضان لتعوّد الكثير من العائلات على تنظيم حفلات الختان في ليلة القدر. و للتذكير عرفت قسنطينة بعدد ساحاتها المعروفة باسم "الفندق"، الذي يمثل عموما اسم السلعة أو الحرفة الرائجة فيه، منها فندق المسك فندق الزيت فندق القماش، فندق القمح ... فيما كانت الفنادق التي تخص السلع ذات الروائح المزعجة تقع بأطراف المدينة كفندق الجلد وفندق الدباغ اللذين كانا يطلان على واد الرمال، و قد استولى الاستعمار على عدد من الفنادق و حوّلها إلى ثكنات و إدارات مما حال دون استمرار توافد القوافل التي كانت تترّدد عليها منذ زمن بعيد. مريم/ب