تواصلت عملية إخماد الحرائق التي شهدتها بلدية سيدي مزغيش بولاية سكيكدة إلى غاية أمس، بعد اتساع رقعة اشتعالها إلى مناطق جبلية وعرة التضاريس وتنعدم بها المسالك، على غرار مرتفعات الخنقة، الحمري، ديار لعرب و بورزام، فيما تم إجلاء عشرات العائلات من التجمعات السكانية القريبة من مواقع الحرائق، بينما لاحظنا هبة تضامنية واسعة من طرف المواطنين لمشاركة الحماية المدنية وأفراد الجيش والدرك ومصالح الغابات في عملية إخماد النيران، التي خلفت خسائر مادية معتبرة في الغطاء الغابي وممتلكات الفلاحين لا سيما في المواشي والمزروعات والبساتين. وأوضح مواطنون من سيدي مزغيش للنصر التي تنقلت لعين المكان، أن الحرائق التي شهدتها المنطقة لم يسبق أن شاهدوا مثلها من قبل بسبب اتساع رقعتها وسرعة انتشارها، ما جعل السيطرة عليها صعبة للغاية بفعل قلة المسالك وصعوبة التضاريس، ورغم هذا فإن الحماية المدنية حسب ما وقفنا عليه، قامت رفقة أفراد الجيش والغابات والدرك الوطني بجهود كبيرة لإخماد ألسنة اللهب التي كانت تنتشر في الأحراش الغابية بسرعة فائقة. وخلال تواجدنا بمنطقة الخنقة، صادفنا أفراد الجيش يقومون بإجلاء العائلات من منازلها القريبة من مواقع الحريق وإبعاد قارورات غاز البوتان ومجموعة من رؤوس الأغنام، وهي العملية التي تمت بصعوبة نتيجة لرفض بعض الأسر إخلاء المنازل، كما شاهدنا هبة تضامنية واسعة لمواطني المنطقة وحتى آخرين تنقلوا من الحروش لنجدة إخوانهم في سيدي مزغيش بواسطة صهاريج مياه. وكادت ألسنة النيران أن تتسبب في خسائر مادية معتبرة تمثلت في إتلاف مساحات واسعة من الغطاء الغابي والنباتي وتحولها إلى رماد، بالإضافة إلى أملاك خاصة للعائلات تتعلق بمداجن ومواشي وبساتين وأشجار مثمرة وخلايا نحل وغيرها. غادرنا موقع الحرائق وتركنا الجهود متواصلة من طرف الحماية المدنية وأفراد الجيش الوطني الشعبي ومصالح الغابات لإطفاء الحريق وهي العملية التي كانت صعبة بسبب الظلام الذي يغطي المنطقة. وقد قام والي سكيكدة بزيارة إلى المنطقة رفقة السلطات الأمنية والعسكرية للوقوف على عملية إجلاء العائلات وإطفاء الحرائق، كما قام أمس بتنظيم اجتماع استعجالي لخلية الأزمة وتناول عدة نقاط تتعلق بخطط تسيير عمليات التدخل المختلفة سواء في مكافحة الحرائق، أو من جانب التكفل الاجتماعي واللوجيستيكي وكذا التضامني للمتضررين، حيث شدد على ضرورة توفير مختلف الوسائل المادية والبشرية للتحكم في الوضع. كما تطرق الوالي في هذا الاجتماع إلى عملية إحصاء وتقييم الأضرار الناجمة عن الحرائق وتحديد قيمة التعويضات، مشددا على ضرورة أن يشمل التقييم جميع المناطق المتضررة دون استثناء، مع توزيع الإعانات التضامنية التي استقبلتها الولاية من ولايات مختلفة، عليها وخاصة بالنقاط الأكثر تضررا، كما كان اللقاء فرصة لقائد القطاع العسكري لتقديم شكره إلى كل الفاعلين في عمليات إطفاء الحرائق وإجلاء العائلات وقدم من خلالها توجيهات واقتراحات لإنجاح العملية، حسبما جاء في بيان لمصالح الولاية. وبدأت المساعدات التضامنية تصل سكيكدة لفائدة العائلات المتضررة من الحرائق، حيث وصلت ليلة الخميس شاحنة من ولاية سطيف محملة بمختلف المواد الغذائية، حيث شرع صباح أمس في توزيعها على العائلات بالمناطق المتضررة. كما شهدت بلدية أم الطوب منذ مساء الأربعاء حرائق مهولة أتت على مئات الهكتارات محولة الغابات الخضراء بحوض سد القنيطرة إلى مناطق سوداء جرداء، مخلفة خسائر في الثروة النباتية المثمرة والثروة الحيوانية وغيرها، ناهيك عما خلفته من هلع وسط السكان، وانتشار لسحب من الدخان الأسود الكثيف وتساقط الرماد، الطين تم إجلاء بعضهم تحسبا لأي طارئ، في حادثة لم تشهدها المنطقة منذ عقود ما دفع بوالي ولاية سكيكدة إلى التنقل بمعية السلطات المجلية للدائرة والبلدية وبعض المنتخبين من البرلمان والمجلس البلدي، لعين المكان واندفاع المواطنين بشكل عفوي لإغاثة إخوانهم والإسهام في إطفاء الحرائق لاسيما حيث أملاك السكان بأعالي الجبال، بمعية الحماية المدنية ومصالح الغابات وقوات الشرطة والدرك وأفراد من الجيش الوطني الشعبي. النيران التي اندلعت بعد الظهر زحفت في ظل حرارة تجاوزت 42 درجة على مناطق الشنايرة، وديار لفتات، وأولاد سليمان، وظهر عروس، وسيدي قنبر، وناحية الشرايع، وحمام جامع؛ بل وصل لهيبها إلى المقبرة المركزية التي احترقت بشكل مفجع، وتجاوزتها النيران حتى اقتربت من المحيط العمراني لمدينة أم الطوب، حيث هددت ألسنة النيران متوسطة العبزة لولا التدخلات التي حاصرتها نسبيا والرياح التي هبت في اتجاه آخر حول بموجبها وجهة النار. وقد رافقنا العملية من بعد الظهر حتى المغرب؛ حيث وقفنا على حجم الخسائر والآلام التي لم نشهدها من قبل، لاسيما بمناطق الشنايرة وديار لفتات وأولاد سليمان حيث فقد بعض السكان بعض مواشيهم، وآلاف الأشجار المثمرة خاصة أشجار الزيتون التي تزخر بها المنطقة، والتي تدعمت منذ 2005 ببرامج الدعم الفلاحي، فكله أضحى في خبر كان، كما أتت ألسنة النار على الكثير من المداجن وطوقت بعضها، كما طوقت خلايا النحل المنتشرة هناك. وقد سارع المواطنون لاسيما من سكان تلك المناطق لإطفاء النيران ومحاصرتها قبل وصولها لمساكنهم مدعمين بمئات الشباب والمواطنين الذين تدفقوا من مدينة أم الطوب لتقديم يد العون، كما عمد السكان لاسيما في منطقة ديار لفتات لإخراج قارورات الغاز بعيدا عن مساكنهم منعا لأي كارثة قد تقع، من جهتها تدخلت القوات العمومية من الشرطة والدرك لمراقبة أي طارئ وقامت بإجلاء الكثير من الأسر عند اقتراب النيران من مساكنها، وبفضل الله لم تسجل أي خسائر بشرية، كما بقي البعض يحرس المساكن لساعة متأخرة حتى ضمنوا أن النار خف وهجها. وفي خضم ذلك سارع أصحاب الصهاريج بشاحناتهم وجراراتهم إلى تلبية النداء الذي وجه عبر مكبرات الصوت، إلى التطوع لنقل المياه على الفور إلى تلك المناطق لتزويد شاحنات الحماية المدنية ومصالح الغابات بما يحملونه من مياه وضمان عدم انقطاعها عن الإطفاء، وتزويد المواطنين المتطوعين بالماء أيضا لإطفاء الحرائق، ؛ ولأول مرة تشهد المنطقة تلاحما حقيقيا في مواجهة النيران بين مئات المواطنين المتطوعين وأفراد الحماية المدنية وأعوان الغابات، تحت رقابة الشرطة والدرك والجيش الوطني الشعبي. المواطنون يحصون خسائرهم وقوافل الدعم بدأت تصل وفيما تستمر الحرائق في بعض الأماكن النائية بعد أن قضت على الوجه الأخضر للمنطقة تنقل السكان أمس الأول لتسجل خسائرهم وإحصائها تحسبا لأي تعويض تقره الدولة يخفف عنهم معاناتهم وينقذهم من الإفلاس، وفي حديثنا مع بعضهم عبروا عن رضاهم بقضاء الله تعالى وقدره وهم يتطلعون لتعويض عادل يمكنهم من استئناف حياتهم في تلك المناطق الريفية ويعيدهم لسكة العمل الفلاحي والزراعي وتربية المواشي بدل النزوح؛ فهذه ضريبة السكن في الريف، وضريبة التضحية لضمان مورد رزق لأهلهم وموارد للدول من الثروة الحيوانية والنبايتة. ، بالتوازي مع بدء وصول قوافل الإغاثة من الكثير من الولايات لاسيما ولايات المسيلة والبرج وقسنطينة ، وقد ساعدت على ذلك الفيديوهات والنقل الحي والصور التي تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي من عين المكان التي كشفت عن هول الفاجعة. ويبدو اليوم حوض سد القنيطرة كئيبا حزينا، والمنطقة الخضراء التي كان البعض يعدها جنة ومفخرة تجولت إلى خراب وأطلال خاوية على عروشها؛ حيث لا ظل ولا خضرة ولا جمال فكأنه كان مجرد سراب عبر من هنا ذات ربيع.