رحلة إلى محطات تبرز بشاعة المستعمر و بطولات الجزائريين نظمت جمعية السفير للسياحة رحلة استكشافية إلى المعالم التاريخية و الأثرية الموجودة بإقليم بلدية الشحنة، بأعالي جيجل، استقطبت العشرات من المهتمين بالتاريخ و الشباب، و الأسرة الثورية و القائمين على شؤون البلدية و قطاع السياحة، و توقف المشاركون في العديد من المحطات التاريخية الثورية و تعرفوا على قصص و بطولات مجاهدين و تضحيات شهداء. روبورتاج : ك. طويل الرحلة التاريخية التي قادتنا إلى منطقة الشحنة، سلطت الضوء على جل المحطات و توقف الزوار أمام كل نصب تذكاري، يروي حقائق مروعة حول جرائم المستعمر، و مواقف أبطال قدموا أرواحهم فداء للوطن. و تعتبر بلدية الشحنة من بين المناطق التي كانت إبان الثورة التحريرية، معقلا للثورة و ميدانا للمعارك و الكمائن و الاشتباكات مع المستعمر، وكل منطقة تضمها البلدية تعتبر شاهدا على وحشية المستدمر الفرنسي، حيث تعرضت للقصف الجوي و الحرق و الإبادة الجماعية و تجميع سكانها في محتشدات تفتقر لأدنى شروط الحياة، لأجل الاحتماء بهم من جهة، و عزلهم من جهة أخرى، و كل الحقائق التاريخية هناك تؤكد صلابة و شجاعة أبناء المنطقة خلال الثورة المجيدة. بئر استخدم في التعذيب و الاستنطاق توجهنا رفقة أعضاء جمعية السفير للسياحة و المشاركين في الرحلة، إلى مركز التعذيب بجوار مقر البلدية، أو ما يعرف ببرج الشحنة، و أوضح لنا الأستاذ عمار شلاغمة، رئيس لجنة إعادة كتابة تاريخ الثورة المجيدة بالشحنة، بأن المركز استرجعه الجيش الفرنسي سنة 1955 ، و استخدم كمركز للاستنطاق و التعذيب إلى غاية الاستقلال. و أضاف المتحدث أنه يوجد داخل المركز بئر، استعمل كزنزانة و مكان للتعذيب، مؤكدا " البئر وسيلة تعذيب بمركز الاستنطاق و التعذيب، فقد استخدمه المستعمر لإرغام المواطنين بالإدلاء بما يعرفونه عن الثورة، حيث يتم إدخالهم و حجزهم بالبئر، لمدة تفوق 15 يوما، و لا يستطيع المحجوز داخله التحرك، و يبقى واقفا في الظلام، يقاوم برودة الجو و التعذيب، فكان جل المعذبين يموتون داخل البئر، و بينت شهادات عديدة بأن المشهد كان قاسيا". و تابع المتحدث، بأن المركز يعتبر الوحيد المخصص للتعذيب بالمنطقة، و حسب كتاب عنوانه "ومضات من وقائع و أحداث الشحنة خلال الثورة التحريرية"، فإن سعة الاستيعاب بذات المركز 20 فردا، و تم القبض على العديد من النشطاء السياسيين، على غرار بوشاش محمد، قريقة عبد المجيد، و العديد من المناضلين على غرار زعباط فرحات بن علي، زعباط الشريف بن عمر، زعباط أحمد بن عبد الله ( مفقود) و تعرضوا للتعذيب، كما أن عددا كبيرا من المواطنين قتلوا أو شردوا. و أشار الأستاذ شلاغمة إلى أن مختلف أنواع التعذيب بالكهرباء، الماء، الضرب، الجلد، بتر الأعضاء و الحرق، كانت تمارس بالمركز ، أما الزنزانة الوحيدة فقد كانت عبارة عن بئر، حسبه. صوّر أرسلها ضابط فرنسي دعّمت الشهادات الحية بعد مرور عقود من الزمن، اتضح أن المعلومات التي جمعت حول المنطقة، استندت إلى شهادات مجاهدين و مواطنين عايشوا تلك الحقبة الزمنية البعيدة، لكن في سنة 2013، أرسل ضابط فرنسي، عمل بالمركز، صورا حقيقية لعمليات التعذيب. و أوضح الأستاذ عمار شلاغمة، بأن الصور التي أرسلها ضابط كان يشرف على عملية الاستنطاق و التعذيب، تعكس وقائع حقيقية، و قد دون بعض الملاحظات حول كل صورة، مشيرا إلى أن الضابط أرسل مجموعة من الصور كدفعة أولى، ووعد بإرسال صور أخرى لاحقا، لكن السلطات الفرنسية منعته، و حجبت أحد المواقع التي نشر بها الصور. و أكد المتحدث أن كل صورة تحكي تفاصيل حول مركز التعذيب، و هو توثيق نادر، حسبه، و خلال عرض الصور تعرف مجاهد على أحد الشهداء، و قال إنه شقيقه، و اسمه صالح عميمور ، و كان ضمن المفقودين. منزل عائلة عربيد شهد اجتماع قادة المناطق الست بمنطقة بوعكاشة المحطة الثانية من الرحلة، تمثلت في زيارة النصب التذكاري للولاية التاريخية الثانية، بمنطقة بوعكاشة، و انهمك الزوار في قراءة ما نقش بالنصب التاريخي، لتخليد اجتماع قادة الولايات الست، من 06 إلى 12 ديسمبر 1958، بالمكان المسمى بوعكاشة، و هو تابع للقسم الثاني من الناحية الثانية للمنطقة الأولى و الولاية الثانية ببلدية الشحنة حاليا. و حضر اللقاء القادة، عبيد محمد الطاهر، اسمه الثوري " الحاج لخضر"، عميروش آيت أحمودة اسمه الثوري " العقيد عميروش"، أمحمد بوقرة اسمه الثوري " سي أحمد"، أحمد بن عبد الرزاق اسمه الثوري " الأمين خان"، و غاب عن اللقاء قائد الولاية الخامسة. أما قائد الولاية الثانية، فأوفد ممثله الدكتور الأمين خان، و قد كان اللقاء يهدف إلى مناقشة الأوضاع، و توحيد الرؤى حول الثورة التحريرية، و أوضح الأستاذ عمار شلاغمة، بأن الاجتماع عقد بدعوة من العقيد عميروش، في ظرف عانى فيه الداخل من الحصار، الذي فرضه "شارل " على المناطق الحدودية، و انقطعت الإمدادات من الخارج. و احتضن الاجتماع منزل عائلة عربيد، و أوضح المتحدث بهذا الخصوص"اختلف بعض الشهود و المؤرخون، حول حضور هواري بومدين و علي كافي الاجتماع، و اتضح أن بومدين أوفد وكيلا من تسمسيلت، أما بقية القادة فحضروا جميعا، و قد التقيت بالمرحوم الحاج لخضر سنة 1977 بباتنة، خلال لقاء جهوي، و شرح لي بالتفصيل ما وقع، لكن عند تدشين المعلم، حضر كل من علي كافي و الحاج لخضر"، مضيفا بأن "الكتابة التاريخية تجاهلت الوقائع، و من بين الأسباب عدم توثيقها من قبل المجاهدين في تلك الفترة". معلم تاريخي يخلّد معركة المرج خُرب خلال العشرية السوداء بعد ذلك ركب المشاركون الحافلات، متجهين نحو منطقة المرج، بأعالي جبال الشحنة، وسط تضاريس صعبة، تميزها الجبال الشاهقة و المرتفعات، و مررنا في طريقنا بعدة بلديات، على غرار الطاهير و الشقفة و بوسيف أولاد عسكر. و عندما وصلنا إلى المرج، أوضح لنا أحد المشاركين في الرحلة، بأن علو الجبل الذي تقع فيه البلدة فاق 1500 متر، و لحظنا أن المعلم التاريخي الذي قصدناه محطم و تعرض للتخريب. قال لنا بعض أبناء المنطقة، بأنه تعرض للتخريب خلال العشرية السوداء، و قدم لنا أمين مكتب منظمة المجاهدين بالشحنة، بعض التفاصيل حول المعركة التي وقعت هناك، مؤكدا بأن جبال الشحنة كانت معقلا للمجاهدين، فيما قال الأستاذ شلاغمة، بأن معركة المرج، وقعت في 5 أكتوبر سنة 1960 على الساعة الثالثة صباحا، بمنطقة المرج في أعالي بلدية الشحنة، فقد استهدف المجاهدون كمينا نصب لكتيبة "كوبرا" ، التابعة لفيلق المظليين باللفيف الأجنبي، و كانت الكتيبة متمركزة بالشحنة و كانت تشن حرب إبادة كاملة للعديد من القرى منها بوطويل ، أيدالن، دم تينة، أولاد عمران و تايلامت. و كانت هذه القرى البيئة الحاضنة لمجموعات جيش التحرير ، و قضت الكتيبة المذكورة على فصيلة من أفراد قوات جيش التحرير بمنطقة الزان (واد قطرانة بالتحديد)، و كان الكمين بقيادة عمار دواس، قائد المجموعة ، بمعية الطاهر بوالطيور ، قائد الكتيبة التي فقدت فصيلتها ، و بحضور المسؤول العسكري للقسم الثاني عمار بوغدة . كانت المعركة خاطفة دامت 30 دقيقة، تحسبا لتدخل طيران العدو ، و أسفرت المعركة عن قتل 35 عسكريا فرنسيا، من بينهم ضابط، و هو قائد الكتيبة و جرح العديد منهم، و فقد جيش التحرير أربعة من أفراده ، هم محمديوة يوسف، محفوظ يوسف، عيش الشريف، الطاهر بوالطيور قائد الكتيبة، و جرح كل من فرحات صوفان، مسعود عنصل و السعيد عموش، و قد تم غنم 4 مسدسات رشاشة ماط 49 ،و بندقيتي ماس 36 و جهاز لاسلكي من نوع 303 و منظار ميدان. السلطات البلدية تطالب بترميم المعالم التاريخية أشار من جهته رئيس بلدية الشحنة، بأن المنطقة ثورية بامتياز، و تضم العديد من المعالم التاريخية التي كانت شاهدة على بشاعة المستعمر، و من بينها معالم تعرضت للتخريب خلال العشرية السوداء، و يناشد السلطات الولائية و المختصة، لتقديم يد العون لترميم تلك المعالم التاريخية، و إحياء ذكرى الشهداء، مثمنا الرحلة المنظمة من قبل جمعية السفير للسياحة و مديرية السياحة بالولاية. مساع لتحديد المسارات السياحية التاريخية بالمنطقة و ذكر مدير السياحة، بأن الزيارة خصصت للترحم على الشهداء، و من جهة أخرى، العمل على تحديد المسارات السياحية التاريخية، و اكتشافها عن قرب و رصد شواهد عينية، على غرار البرج، و المعلم التذكاري ببوعكاشة و المعلم التاريخي لمعركة المرج، و سيتم وضعها ضمن المسارات الموضوعاتية لوكالات الأسفار و الجمعيات السياحية، لزيارتها، ما سيساهم في المستقبل في تحقيق التنمية. و أوضح، ممثل جمعية السفير للسياحة، بأن النشاط نظم في إطار إحياء فعاليات اليوم الوطني للشهيد، المصادف ل 18 فيفري من كل سنة، باعتباره ذكرى تاريخية خالدة ومحطة شاهدة على بطولات وتضحيات قوافل من الشهداء من أجل نيل الحرية والاستقلال. و أضاف بأن الجمعية نظمت الرحلة التاريخية و الأثرية، بإشراف مديرية السياحة و الصناعة التقليدية لولاية جيجل، و بالتنسيق مع المجلس الشعبي البلدي لبلدية الشحنة و مديرية المجاهدين وذوي الحقوق لولاية جيجل، ومشاركة فعاليات المجتمع المدني.