يلف ابن بلدية تاجنانت بولاية ميلة، زمان ساعد بخوش، خيوطا حول مسامير، و يعتمد دعامة خشبية، ليجسّد فنا تشكيليا غير مألوف ببلادنا، يسعى لإحيائه يعرف باسم «الفيلوغرافيا»، و هو فن تركي عثماني قديم و نادر، يستعمله الطالب الشاب ل»رسم» بورتريهات لشخصيات تاريخية و فنية و ثقافية وطنية و عالمية، على طريقته. الشاب البالغ من العمر 24 عاما، طالب بكلية الفنون و الثقافة بجامعة صالح بوبنيدر قسنطينة 3، قال في حديثه للنصر، بأنه يعتمد في ممارسة هذا الفن الذي يعشقه، على مواد أولية من نوع خاص، حيث يقتني نوعا خاصا من المسامير و يجلب الحطب من محلات النجارة، كما يشتري خيوطا من الحرير الخالص، إلى جانب خيوط قطنية، و يقوم بتثبيت المسامير فوق لوحات خشبية و يربط بين المسامير بالخيوط، وفق أشكال معينة، لإبداع لوحات فنية جميلة، تبرز ملامح شخصيات مختلفة من عمق التاريخ و الحاضر. إمكانياته المحدودة أبعدته عن فن الفسيفساء.. أكد الطالب الجامعي بأن ممارسته لهذا الفن لم تكن بمحض الصدفة، أو من منطلق الهواية، بل لأنه يحب الرسم، و اختار متابعة دراسته بكلية الفنون و الثقافة، لتعلم قواعده و خباياه، و اختار نوعا معينا ليتمكن من إتقانه بشكل كامل، و يبدع فيه. كانت البداية عندما اشترى زمان ساعد قطعة خشب، ليجسّد فوقها لوحة فسيفسائية، لأنه كان يحب كثيرا فن الفسيفساء، و أراد التخصص فيه، لكنه لم يتمكن من ذلك، لأن إمكانياته لا تسمح بتوفير الأدوات اللازمة لممارسة هذا الفن. احتفظ الطالب باللوحة، في انتظار العثور على فن جديد، يمكن أن يمارسه بإمكانياته البسيطة، و بعد بحث متواصل و جهد حثيث، قرر أن يمارس فن «الفيلوغرافيا» الذي ظهر في العهد العثماني، بالرغم من أنه صعب التنفيذ و يتطلب الكثير من الصبر لتعلمه و إتقانه، و أشار بهذا الخصوص، أنه كان يمارس في السجون قديما، لإلهاء المساجين والحدّ من توتّرهم، لأنه يتطلب الدقة و وقتا طويلا، لانجازه. الفن الذي استغله المساجين لتخفيف الضغط و التوتر قال زمان ساعد للنصر، أن هذا الفن، يرتبط بالإحساس، و يخلّص من يمارسه من الضغوط النفسية، و يعلمه التأمل لاكتشاف جمال الأشياء من حوله، على حد تعبيره، مضيفا أن الدّافع الرئيسي الذي جعله يختاره، رغبته في ممارسة تقنية غير اعتيادية، و استثنائية. في البداية رسم لوحة للفنان الكوميدي العالمي الشهير تشارلي شابلن، فلم يحقق كما قال النتيجة المرجوة، لأنه لم يتعلّم مهارات هذا الفن المعقّد والدقيق، و رغم انشغاله بالدراسة بكلية الفنون والثقافة، إلا أنه كرس الكثير من الوقت لتطوير مهاراته و تنمية موهبته، إلى أن برزت صورة الإبداع أخيرا لديه، فجذب اهتمام المحيطين به، و اكتسب الدعم الكامل المعنوي والمادي من أفراد عائلته، كما شجعه أساتذته. تمكن الطالب الشاب من تطوير نفسه، و بلغ المستوى اللازم، لكي يحمل صفة «فنان» ، ما سمح له في سنة 2021 ، بالمشاركة في معارض فنية بمختلف ربوع الوطن، على غرار الصالون الوطني للإبداع الطلابي، المنظم على هامش المؤتمر 18 لوزراء التعليم العالي العرب في الجزائر العاصمة، و الطبعة الخامسة للصالون المحلي للفنون التشكيلية لولاية ميلة و أكد زمان بأنه فوجئ بإقبال الجمهور الكبير على لوحاته. رسم بن باديس و مفدي زكريا و الشهيد زيغود يوسف.. رسم زمان عديد صنع الشخصيات الوطنية و العالمية، و أيضا شخصيات سينمائية و كوميدية، ليرضي مختلف الأذواق و الرغبات، فسافر عبر الزمان بين شخصيات تاريخية، شعر بأنه مسؤول عن إحيائها، على غرار المجاهد الشهيد زيغود يوسف و العلامة عبد الحميد ابن باديس، و المفكر و الفيلسوف مالك بن نبي، شاعر الثورة مفدي زكريا، و الفنان الكوميدي الجزائري حاج عبد الرحمان الشهير باسم المفتش الطاهر و الفنان العالمي تشارلي شابلن و بطل الفيلم السينمائي «جوكر»، و غيرهم من شخصيات الماضي و الحاضر. و يطمح المتحدث إلى إعادة رسم أشهر اللوحات العالمية، بدءا بلوحة «الموناليزا» للرسام يوناردو دافنشي»، لبعث الروح فيها، بفن مميّز هو «الفيلوغرافيا»، كما قال . بالرغم من الإقبال على أعماله من قبل الجمهور الواسع، إلا أن زمان، أكد لنا أنه لا ينوي احتراف هذا الفن ليحقق دخلا ماديا، و يكتفي بأن يتخذ منه هواية و متنفسا له ، ليهرب إليه من ضغوط العمل و الحياة. و يتطلّع الشاب إلى بلوغ المستوى الذي حققه الفنانون في الدول الأوروبية، و كذا روسيا التي أولته اهتماما كبيرا، و يحلم أن يصبح سفيرا من سفراء الفن الجزائري في الخارج، و يدعو إلى تعليم فن «الفيلوغرافيا» من قبل أساتذة مختصين، و إدراجه، بصفة رسمية، في المنهاج الدراسي لكلية الفنون و الثقافة، إلى جانب تنظيم ورشات بدور الثقافة، لتعلمه، حتى ينتشر ببلادنا، تلبية لرغبة الجمهور المتذوق له.