في 15 أكتوبر 1940، قام الممثل الكوميدي البريطاني شارلي شابلن (1887-1977) بتقديم فيلم “الدكتاتور العظيم”، وكان هذا أول فيلم صوتي له، فقد استمر شابلن في صناعة الأفلام الصامتة حتى بعد ظهور الأفلام الصوتية. قدّم شابلن في هذا الفيلم السياسي إدانة قوية لأدولف هتلر وبينيتو موسوليني والفاشية والنازيين، وفيه يلعب شابلن الدورين الأساسيين؛ الدكتاتور الفاشي والحلاق اليهودي المضطهد، وفيه أول تجسيد لأدولف هتلر في تاريخ السينما. إلى هذه التجربة لشابلن، يعود الأكاديمي الفرنسي جان بيار إسكوينزا، الباحث في علم اجتماع الفنون البصرية، في كتابه الصادر مؤخراً بعنوان “دكتاتور شارلي شابلن” (منشورات جامعة ليون 2). يعدّ الفيلم أكثر أعمال شابلن نجاحًا ليس فقط على مستوى رد فعل النقاد، بل إنه حقق أيضاً أفضل نجاح تجاري في تاريخ شابلن، ورشّح لخمس جوائز أوسكار هي الإنتاج المتميز، وأفضل ممثل، وأفضل سيناريو، وأفضل ممثل مساعد لجاك أوكي، وأفضل موسيقى. حين أطلق شابلن الفيلم كانت أميركا ما زالت راغبة في البقاء خارج الصراع في أوروبا، واعتبر العمل قصفاً من جهة شابلن على ألمانيا، بنى فيها لوحة هزلية ومرعبة للنازية وجسّد هتلر في نفس اللحظة التي غزت فيها القوات الألمانية أوروبا. كان عمل شابلن الجريء ممكناً بفضل استقلال الفنان الفني والمالي، مما مكّنه من الاستمرار في صناعته على الرغم من الضغوط التي تعرض إليها لثنيه عن تقديمه والمضي قدماً فيه. لكن الفنان أنجز هذا الفيلم، مدفوعاً برغبة تجسيد هتلر والتفكير في العنف المتصاعد في أوروبا، لا سيما بعد أن شاهد فيلم “انتصار الإرادة” الذي عرض في “متحف نيويورك للفن الحديث”، وهو فيلم دعائي ألماني من كتابة وإنتاج وإخراج الألمانية ليني ريفنستال وبطولة هتلر نفسه مع الضابطين النازيين هاينريش هيملر وفيكتور لوتز. يحاول إسكوينزا في كتابه الإجابة على سؤال أساسي، وهو كيف، كفنان، تدين موقفًا أو شرطاً سياسياً لا يمكن القبول به؟ وكيف تصنع فيلماً سياسياً في أجواء مضطربة. ويقوم المؤلّف بذلك من خلال تحليل المشاهد الرئيسية والخيارات السينمائية لشابلن، ودراسة الشخصيات وتطوّرها، وكذلك من خلال فحص المستويات المختلفة للكلام.